معنى العقل في اللغة والاصطلاح في مدلوله في القرآن الكريم:
أولاً: "العقل" لغة واصطلاحاً:
"العقل" في اللغة: هو مصدر من عَقَلَ يَعْقِلُ عَقْلاً مَعْقولاً جمعه عُقُولّ، ورجل عاقل هو الجامع لأمره ورأيه، مأخوذ من عقلتُ البعيرَ إذا جمَعْتَ قوائمه، والعاقل جمعه عُقلاء.
      وقيل: العاقل الذي يحبس نفسه ويردها عن هواها، أخذ من قولهم قد اعتقل لأنه إذا حُبسَ ومُنِع الكلام، ويقال أيضاً العقل: العلم، والدية، والحصن، كما يقال أيضاً العقل القلب([i]).
      وأصل العقل الإمساك والاستمساك، مثال ذلك: عَقْل البعيرِ بالعِقال وعَقْلِ الدواءِ البَطْنَ وعَقَلَتِ المرأةُ شعرها وعَقَلَ لسانَه كَفَّه([ii]).
      والنتيجة من ذلك أقول إن العقل يعني حبس الشيء والإمساك به.
"العقل" في الاصطلاح: هو القوة المتهيئة لقبول العلم([iii])، وقد اختلف العلماء في تعريف العقل على أقوال، فمنهم من قال بأن العقل هو العلم، ورأى بعضهم بأنه آلة التمييز، أو قوة التمييز([iv]). وقيل العقل هو: الوسيلة الواعية التي يستعملها الإنسان في خدمة الفطرة ليرفعها إلى مستوى المسؤولية والتكليف، إدراكاً للكون واستخداماً لما فيه من طاقات واستقصاء لأسراره ومقاصده([v]).
      أما السبكي فيرى بأن العقل ملكة يتأتى بها درك المعلومات([vi])، ومحل العقل هو القلب على أرجح الأقوال([vii])، بدليل قول الله I: ]أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا ...[[الحج: 46]، وقوله U: ]إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ[[ق: 37].
      وقال الحارث المحاسبي([viii]) في حقيقة المعنى للعقل هو: "غريزة وضعها الله سبحانه في أكثر خلقه لم يطلع عليها العباد بعضهم من بعض، ولا اطلعوا عليها من أنفسهم برؤية، ولا بحسٍّ ولا ذوق، ولا طعم"([ix]). وقد عرف الجرجاني العقل بأنه: "نور في القلب يعرف الحق والباطل ...، [أو هو] جوهر مجرد عن المادة، يتعلق بالبدن تعليق التدبير والتصرف ...، [فالعقل إذاً] جوهر روحاني خلقه الله تعالى متعلقاً ببدن الإنسان"([x]).
      والخلاصة من هذه التعريفات تدل على أن العقل هو الآلة التي تُدرك بها المعلومات، ويَنتُج عنها الفهم، ويصل إلى المعرفة، فيُمَيَّزُ به الخير والشر.


([i]) انظر: ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج9، (مادة عقل)، ص326-327، وابن سيده، المحكم والمحيط الأعظم، مصدر سابق (مادة ع ق ل)، ج1، ص ص204-207. والفيروزآبادي، القاموس المحيط، مصدر سابق، ص1033.
([ii]) انظر: الحسين بن محمد الأصفهاني المعروف بالراغب (ت 502هـ/1108م)، المفردات في غريب القرآن، تحقيق: محمد خليل عيتاني، ط3، دار المعرفة، بيروت، 2001م، ص345.
([iii]) انظر: الفيروزآبادي، بصائر ذوي التمييز، مصدر سابق، ج4، ص85.
([iv]) انظر: القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، مصدر سابق، ج1، ص252.
([v]) انظر: أحمد عروة، العلم والدين؛ مناهج ومفاهيم، ط1، دار الفكر، دمشق، 1987م، ص40.
([vi]) انظر: عبد الوهاب بن علي السبكي (ت 771هـ/ 1370م)، الأشباه والنظائر، تحقيق: عادل عبد الموجود، علي محمد معوض، (د. ط)، ج2، دار الكتب العلمية، بيروت، 2001م، ص17.
([vii]) انظر: السبكي، الأشباه والنظائر، مصدر سابق، ج2، ص17. والجرجاني، التعريفات، مصدر سابق، ص174.
([viii]) الحارث بن أسد عبد الله المحاسبي، أحد مشايخ الصوفية وشيخ الجنيد إمام الطيقة ويقال إنما سمي المحاسبي لكثرة محاسبته لنفسه، وهو إمام المسلمين في الفقه والتصوف والحديث والكلام وكتبه في هذه العلوم أصول من يصنف فيها، توفي سنة 234هـ. انظر: أحمد بن محمد بن خلكان البرمكي (ت 681هـ/ 1272م)، وفيات الأعيان وأبناء أنباء الزمان، (د.ط)، ج4، مطبعة عيسى الباب الخلبي وشركاه، مصر، (د. ت)، ص100. ومحمد بن الحسين السلمي النيسابوري (ت 412هـ/ 1021م)، طبقات الصوفية، تحقيق: نور الدين شريبة، (د. ط)، ط2، دار الكتاب النفسي، سوريا، 1986م، ص56. والذهبي، سير أعلام النبلاء، مصدر سابق، وعبد الوهاب بن علي السبكي (ت 771هـ/1370م)، طبقات الشافعية، تحقيق: مصطفى أحمد عطا، ط1، ج1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1999م، ص472.
([ix]) الحارث بن أسد المحاسبي (ت 234هـ)، العقل وفهم القرآن، تحقيق: حسين القوّتلي، ط3، دار الفكر، 1982م، ص ص201-202.
([x]) الجرجاني، التعريفات، مرجع سابق، ص173.

Post a Comment

Previous Post Next Post