إجراء العقود بوسائل الاتصال الحديثة  

إنشاء العقود عبر وسائل الاتصال الحديثة
حكم إجراء العقود بوسائل الاتصال الحديثة 
حكم إجراء البيع بوسائل الاتصال الحديثة
شروط المعاملات التي تتم بواسطة وسائل الاتصال الحديثة
اجراء العقود بالاتصالات المعاصره
الزواج عبر وسائل الاتصال الحديثة
الزواج والطلاق عبر وسائل الاتصال الحديثة


إنشاء العقود عبر وسائل الاتصال الحديثة
القسم الأول: الوسائل الحديثة لنقل اللفظ: 
وهي تشتمل: التليفون، واللاسلكي، والراديو، والتلفزيون.
‌أ- إنشاء العقود عبر الهاتف ( التليفون ): 
لا يخفي أن التليفون ينقل كلام المتحدث فيه بدقه، فيسمع كل واحد منهما كلام الأخر بوضوح، ولا يختلف الكلام من خلاله عن الكلام بدون واسطة سوى عدم رؤية أحدهما الأخر ووجود فاصل بينهما، وإن كان العلم الحديث قد استطاع إيجاد الأجهزة التي تنقل الصوت والصورة معاً.
ومن هنا فإذا انتهى عقد ما من خلال الهاتف، وتم فيه الإيجاب والقبول – مع بقية الشروط المطلوبة – فإنه صحيح لا غبار عليه، غير أن عدم رؤية أحدهما الأخر يجعل احتمال التزوير وتقليد صوت شخص أخر وارداً، ولذلك إذا ثار النزاع حول ذلك فالقضاء هو الفيصل، وتسمع دعوى من يدعى ذلك ولكن عليه يقع عبء الإثبات. 
أما عدم رؤية أحدهما الأخر فليس له علاقة بصحة العقود أو عدمها لأن المطلوب في باب العقود سماع الإيجاب والقبول، أو التقاؤهما، أو ادراكهما بأية وسيلة كانت.
فالعقد بالتليفون كالعقد بين شخصين بعيدين لا يرى أحدهما الآخر، ولكنه يسمعه.
يقول الإمام النووي: " لو تناديا وهما متباعدان وتبايعا صح البيع بلا خلاف ". ( )
بالإضافة إلى أن وجود الساتر بين العاقدين لا يؤثر حتى في خيار المجلس ( )، فكيف يؤثر في إنشاء العقد.ومن جانب آخر، فإن الأساس في العقود هو صدور ما يدل على الرضا بصورة واضحة مفهومة، وذلك متحقق في التليفون حيث إن التعبير يتم من خلال اللفظ الذي هو محل الاتفاق بين الفقهاء وما التليفون إلا وسيلة لتوصيل الصوت فحسب، فالقاعدة الأساسية في العقود هي تحقق الرضا للطرفين والتعبير عنه، وإظهاره بأية وسيلة مفهومة، كما أن العرف له دور أساسي في باب العقود، حتى صاغت الحنفية منه قاعدة: العادة محكمة، والخلاصة: أن اللفظ – كما يقول الشاطبي – " إنما هو وسيلة إلى تحصيل المعنى المراد، والمعنى هو المقصود.... ". ( ) 
ومن هنا فما التليفون إلا آلة معتبره عرفاً لتوصيل تلك الوسيلة – اللفظ – إلى سمع الآخر، فيكون مقبولاً شرعاً.

كيفية اعتبار المجلس وخياراته في التعاقد بالتليفون:
مجلس العقد في التعاقد بالتليفون حكمي، إذ لا يوجد في الواقع اتحاد حقيقي لمجلس التعاقد، ومن هنا فالمجلس قائم ما دام المتحدثان متصلين من خلال التليفون، ولم يغلقا التليفون حتى ولو تحدثا بعد العقد في أمور أخرى طالت أم قصرت، فإن حق الفسخ قائم بينهما، إذ بإمكان كل منهما أن يفسخ العقد ما دام الحديث موصولاً بالتليفون، ولم يقطع الخط، أما بعد أن سد التليفون، بعد تمام الإيجاب والقبول – مع بقية الشروط – فإن حق الفسخ قد انتهى إذ حصل التفارق.
وذلك لأن التعاقد بالتليفون ليس كالتعاقد بين الحاضرين، ولا كالتعاقد بين الغائبين في جميع الوجوه، حيث إن له شبهاً بكل واحد منهما، فهو مثل التعاقد بين الحاضرين من ناحية أن أحدهما يسمع الأخر مباشرة، ولا تنقضي فترة زمنية بين صدور التعبير عن الإرادة إيجاباً وقبولاً، ووصوله إلى علم الآخر، فلا تفصل بينهما فترة زمنية، ولذلك يعتبر العقد بينهما من حيث زمن انعقاده، كما لو كان بين حاضرين، ولكنه في جانب أخر يشبه العقد بين غائبين حيث إن مكان كل واحد من المتعاقدين بالتليفون مختلف عن الأخر تفصل بينهما مسافة، ولذلك لا ينبغي أن يعامل معاملة العقد بين الحاضرين في كل الجوانب، بل يحكم بأن المجلس ينتهي بانتهاء التحدث بالتليفون.
إذن يثبت خيار المجلس في العقد الذي يجرى بالتليفون مع مراعاة أن التفرق يحصل بمجرد انتهاء التحدث بالتليفون.
أما التفرقة الواردة في الحديث الصحيح " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا " فلم يرد تفسيرها في الشرع، والتفرق ليس له حد معين في اللغة وبالتالي فيرجع في تفسيرها إلى العرف، كما هو الحال في القبض، والحرز.
‌ب- التعاقد بالراديو والتلفزيون:
يمكن إجراء العقد من خلال الراديو أو التلفزيون، ولاسيما في الإيجابات الموجهة للجمهور، فلو عرض أحد من خلال الراديو أو التلفزيون عرضاً خاصاً ببيع شيء معين، أو إيجار، وأوضح الشروط المطلوبة، والمواصفات المطلوبة المعرفة للمعقود عليه بشكل يزيل الجهالة عنه فإن هذا الإيجاب مقبول ويبقى قائماً إلى أن يتقدم أخر فيقبله، وحينئذ يتم العقد، وكذلك يمكن إجراء التعاقد الخاص من خلال شخصين عن طريق الراديو، وذلك لأن الركن الأساسي من العقد هو صدور الإيجاب والقبول ووصول كل منهما إلى علم الأخر بصورة معتبرة شرعاً، وفهم كل واحد منهما ما طلبه منه الأخر وهذا كله يتحقق من خلال الراديو، والتلفزيون ولاسيما في الإيجابات الموجهة للجمهور، والجعالة ونحوها.
فإذا كان الإيجاب خاصاً – أي لم يكن موجهاً إلى الجمهور – فلا بد أن يتصل به القبول فوراً عند الشافعية، ومقيداً بدوام المجلس عند الحنفية، و الحنابلة، وبعدم الإعراض عنه عند المالكية – كما سبق. وأما الإيجاب العام الموجة إلى الجمهور فإنه لا ينتهي بل يستمر إلى أن يتصل به القبول، أو يحدث عارض يقطعه – على التفصيل السابق.
      ج-التعاقد باللاسلكي:
إذا كان جهاز اللاسلكي ينقل الكلام الواضح إلى الآخر فهو مثل التلفون في جميع ما ذكرناه، وكذلك إذا كان ينقل الكلام عن طريق الشفرات الواضحة المفهومة للطرفين.            حيث يتم العقد، إذا فهما الإيجاب والقبول بوضوح.

ضوابط ينبغي التنبيه عليها:
أولاً:    لا شك أن العقود تتم بلا خلاف عن طريق التلفون، أو الراديو أو التلفزيون أو اللاسلكي، ولكن التعاقد بها مع ذلك يبقى معه احتمال التزوير وتقليد الصوت، والدبلجة، ولذلك فالأصل هو انعقاد العقد، ولكن إذا ادعى أحدهما أن الصوت ليس له، فعليه إثبات ذلك من خلال الأدلة التي تقنع القضاء الذي هو الفيصل، لأنه المدعي " والبينة على المدعي، واليمين على من أنكر ".( )
ثانياً:    إن العقود بالتلفون ونحوه إنها تصح فيما لا يشترط فيه القبض الفوري، أما إذا بيع ربوي بمثله فلا يصح العقد بالتلفون، إلا إذا تم القبض كأن يكون لكل واحد منهما وكيل بالتسليم عند الآخر، أو عن طريق بنك لدى كل واحـد منهما فيه رصيد لكليهما، أو نحو ذلك مما يتعلق بموضوع القبض ( ) كما دل على اشتراط القبض الفوري الأحاديث الصحيحة الثابتة، وإجماع العلماء من حيث المبدأ، منها الحديث الصحيح المتفق عليه، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (ص): " لا تبيعوا الذهب بالذهب، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلاً بمثل ... ".
وفي حديث صحيح آخر: " نهى رسول الله (ص) عن بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، إلا سواءاً بسواء، عيناً بعين. فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد ". ( )
وكذلك الحكم في عقد السلم حيث يجب تسليم الثمن ( رأس مال السلم ) في مجلس العقد، خلافاً للمالكية، حيث اجازوا تأخير ثلاثة أيام، ولكنهم اختلفوا فيما لو تأخر تسليمه أكثر من ثلاثة أيام بدون اشتراط التأخير، حيث ذهب بعضهم إلى فساده، وبعضهم إلى صحته، أما إذا كان التأخير عن الثلاثة باشتراط، فقد فسد العقد بالاتفاق. ( )
ثالثاً:    إن مجلس العقد بالتلفون واللاسلكي ونحوهما، ينتهي بانتهاء المحادثة كما سبق. إلا إذا كان العقد يتم من خلال المزايدة.
وعلى ضوء هذا نقول:
  إذا اتصل شخص عبر التلفون بمن يدير المزاد، فعرض عليه قبوله بمبلغ كذا، ثم سد التلفون، ورسا عليه بنفس المبلغ فإنه لا مندوحة له من قبوله بالعقد، وهذا رأي وجيه له وجاهته واعتباره حيث يؤدي إلى حماية العقود من الفوضى والاضطراب، والإضرار بالناس، لأنه إذا لم يلزم به يؤدي الإضرار بالبائع، لأنه أنهى المزاد لأجله، فإذا لم يلزم، فحينئذٍ يؤدي إلى الإضرار به بلا شك، " لا ضرر ولا ضرار ". ( )
رابعاً:     إن القول بأن مجلس التعاقد بالتلفون ينتهي بمجرد إنهاء المحادثة خاص فيما إذا لم يعطِ أحدهما للآخر مهلة، أو لم يشترط لنفسه الخيار، فإذا اشترط أحدهما، أو كلاهما ذلك فإن لمن له الخيار، أو المهلة، أن يقبل في المدة المعينة.

القسم الثاني: الوسائل الحديثة لنقل المكتوب مباشرة 
تشمل هذه الوسائل البرقية، التلكس، والفاكس، حيث تطورت هذه الوسائل بشكل رهيب حيث أصبحت من مقدور الإنسان أن ينقل ما كتبه خلال ثوان، أو دقائق معدودة، إلى المكان الذي يريده، ما دام لديهما جهاز الفاكس، أو التلكس، حيث ينقل حرفياً، بل إن الفاكس ينقل صورة منه طبق الأصل فيوصله إلى الجهاز الأخر مهما كان بعيداً.
‌أ- مجلس العقد:
مجلس العقد بالنسبة للتعاقد بالبرقية، أو التلكس، أو الفاكس، هو مجلس وصول البرقية، أو التلكس، أو الفاكس، فإذا وصل وقرأه وقال: قبلت، أو كتب الموافقة فقد انعقد العقد.
قال الكاساني: "وأما الكتابة فهي أن يكتب الرجل إلى الرجل: أما بعد فقد بعت عبدي فلاناً منك بكذا فبلغه الكتاب فقال في مجلسه: اشتريت، لأن خطاب الغائب كتابه، فكأنه حضر بنفسه، وخاطب بالإيجاب وقبل الأخر في المجلس ... " . ( )
ومن الجدير بالتنويه عليه أن اتحاد المجلس لا يشمل بعض العقود مثل الوصية والإيصاء، والوكالة، حيث إن القبول في الوصية يكون في مجلس آخر بعد وفاة الموصي.
‌ب- وقت تمام العقد:
حسب النصوص السابقة فإن العقد بالكتابة .. ومنها البرق والتلكس والفاكس يتم بمجرد القبول الصادر من الشخص الموجه إليه، ويعتبر مجلس وصول المكتوب مجلس العقد، بل يعتبر المكتوب نفسه بمثابة حضور الموجب الكاتب نفسه.

الزواج عبر الانترنت:
يقول فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي ( ) حفظه الله: "لا أقر الزواج عبر الانترنت ولو توافرت فيه كل شروط العقد من توافر الشهود والولي، وأرى التشدد في هذا الأمر لتبقى للزواج قداسته وهيبته، فالفقهاء قالوا عن البيع والشراء والتجارة أن أساسها الرضا، وقالوا: البيع المعاطاة، أما الزواج فالصيغة والشهود والولي أمور لم يشرعها الله عز وجل من فراغ، فسوف تُبنى عليها حقوق وواجبات لله وللمجتمع وللأسرة والأبناء، كما أن هذا رأيي أيضاً بالنسبة للطلاق، فالقرصنة لم تبق شيئاً سرياً ... " . ( )
كذلك يقول الدكتور أحمد ذياب شويدح رئيس لجنة الإفتاء بالجامعة الإسلامية بغزة: "وإبرام العقود عبر شاشات الحاسب الآلي ( الكمبيوتر ) لا يشمل عقد النكاح لاشتراط الاشهاد فيه ... ". ( )
ويجيب الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر عند سؤال عن حكم الزواج عن طريق الانترنت:" إن عقد الزواج عن طريق الإنترنت أمر يحتاج إلى توثيق له من المأذون الشرعي ليكون متأكداً من رضاء الزوجين معاً بالشهود وحضور الولي الشرعي ويتحقق المأذون من وجودهم جميعاً ليوثق عقد الزواج، أما أن يتم التراسل بينهم عن طريق الانترنت دون أن يلتقيا في مكان واحد وبدون وجود شهود فإن هذا الزواج عبر التراسل لا يجوز لأنه لا يستوفي أركانه وشروطه الشرعية ". ( )

Post a Comment

Previous Post Next Post