دعوة نوري السعيد لانظمام الكويت للاتحاد
الهاشمي
في 1 شباط 1958
أعلن الأتحاد العربي (الهاشمي ) بين الدولتين العربيتين العراق والأردن والمرتبطتين
بعائلة مالكة هاشمية واحدة , والذي يحكم العراق الملك فيصل الثاني والاردن الملك حسين
الذين ورثا الحكم عن جدهما الاكبر الشريف الحسين بن علي , وكان اتحادا غير اندماجي
جاء ردا مباشرا على مشروع الوحدة المصرية – السورية. وأصبحت قضايا العلاقات الخارجية
والدفاع والتعليم من صلاحيات الحكومة الاتحادية المشتركة, على ان يكون ملك العراق هو
ملك الاتحاد. ورغم من ان فكرة الاتحاد بين المملكتين ولدت قبل مصرع الوحدة بين مصر
وسوريا, الا ان بنيته كانت هشة.
فنوري السعيد لم يكن مقتنعا به واشتكى الى البريطانيين
ان موارد العراق لا يمكن ان تتحمل الانفاق على الدولتين, واقترح ضم الكويت الى الاتحاد,
لكن الرأي العام في العراق والاردن لم يظهر حماسة للاتحاد , بل كانت ميوله مع الجههورية
العربية المتحدة. وشكلت قضية فلسطين محورا اساسيا في توجيه هذه الميول
(1).
دوافع قيام الاتحاد الهاشمي:
شهدت مصر انقلابا عسكريا في 23 يوليو/تموز قضت
فيه على النظام الملكي وأعلان الجمهورية, وقد التف العرب في مساندتهم للثورة
المصرية لاسيما وأنها تبنت دعم حركات التحرر وتصفية الاستعمار في الوطن العربي.
كما أن الثوار في مصر قد تبنوا الأهداف القومية والدعوة الى الوحدة العربية مع
تعزيز التضامن العربي, واقامة تعاون مع الدول المناهضة للاستعمار الغربي كدول
المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي . وقد تكللت السياسة المصرية التي حظيت
بتأييد شعبي عارم على مستوى الوطن العربي بتحقيق أول وحدة عربية في التاريخ الحديث
توجت بين سوريا ومصر, وذلك بقيام الجمهورية العربية المتحدة في شباط / فبراير 1958 (2).
وكانت بريطانيا تساورها الشكوك تجاه أول بذرة
للوحدة العربية نمت بين مصر وسوريا, كما فزعت من التأييد الشعبي العربي الذي أجتاح
الدول العربية تأييدا للوحدة, والتي جاءت ردا على العدوان الثلاثي على مصر عام
1956 , ونكبة فلسطين عام 1948. لذلك كان التخوف البريطاني من قيام وحدة بين بعض
الاقطار العربية ربما يخلق ردودا فعل تجتاح مناطق نفوذها الاستعماري في المنطقة
والخليج العربي.
وكانت حكومة العراق في ذلك الوقت يرأسها نوري
السعيد التي وقعت " حلف بغداد "
بين العراق وتركيا وايران وباكستان اضافة الى بريطانيا, وكانت ترى في الوحدة بين
مصر وسوريا الخطر الذي يفشل توجه الحلف في ضم اقطار عربية الى اعضائه, أيضا كان
الموقف المصري ضد تطلعات الحلف في توسيع نفوذه.
(1) العاني, د. عبد الكريم, مصدر سابق ,ص181
(2) جريدة الرأي , السبت, العدد 12724 , 3 مايو/ حزيران 20014
و اخيرا توجت المباحثات بين مسؤولي البلدين
" العراق والأردن " في قيام الاتحاد الهاشمي , الا ان الاتحاد الهاشمي
والجمهورية العربية المتحدة لم يكتب لهما النجاح وباءت آمال المعجبين العرب
بالاتحاد الهاشمي او بالجمهورية العربية المتحدة بالفشل, حيث انتهى الاتحاد
الهاشمي بقيام ثورة 14 تموز 1958 وانهاء النظام الملكي في العراق.
دعوت الكويت للأنظام للأتحاد الهاشمي:
أهتم نوري السعيد بانضمام الكويت للاتحاد
الهاشمي وكان يطالب الحكومة البريطانية باقناع الكويت للأنضمام الى هذا الاتحاد,
وكانت وجهة النظر العراقية تتعلق بأن تقوم الحكومة البريطانية بمنح الكويت
استقلالها لكي يتسنى لها الدخول في الاتحاد. وقد قدم نوري السعيد عروضا للكويتيين
بأن مسألة الحدود سوف تسوى بين الطرفين وفقا للرسائل المتبادلة بين رئيس وزراء
العراق والمندوب السامي البريطاني عام 1932. كما تعهد نوري السعيد المحافطة على
مستوى السيادة الحالية لحاكم الكويت على الإمارة اذا ما وافقت الكويت على الانضمام
الى الاتحاد العربي الجديد المؤلف من العراق والاردن, لكن حاكم الكويت الشيخ عبد
السالم رفض هذا العرض (1).
وقد وجد نوري السعيد أن البريطانيين غير متحمسين
لانضمام الكويت عندما أعتذرت الحكومة البريطانية للحكومة العراقية بأنها لاتمتلك
القدرة بالتأثير على الحكومة الكويتية لحملها القبول بالإنضمام إلى الإتحاد, كما
أن الحكومة البريطانية لا تمانع من ان تقوم الحكومة العراقية بالاتصال المباشر
بالكويت في هذا الموضوع (2).
وكانت الحكومة
العراقية قد أعدت مسودة لإتفاقية انضمام الكويت إلى الإتحاد العربي الهاشمي تشتمل
على ستة مواد.وقد جاءت المواد في الديباجة بما يلي:
المادة الاولى:
تنظم إمارة الكويت المستقلة الى الإتحاد العربي
, وتعد عضوا ثالثا فيه.
المادة الثانية:
مع مراعاة أحكام هذه الاتفاقية, تحتفظ إمارة
الكويت بشخصيتها المستقلة, وبنظام الحكم القائم فيها.
المادة الثالثة:
تحتفظ إمارة الكويت بعلمها الخاص في إقليمها, ويكون
علم الإتحاد العربي , المنصوص عليه في المادة السابعة من دستور الإتحاد العربي
علما اتحاديا للكويت.
(1) لوكاس, مارثا, ازمة الكويت "1961-1963", دار النهار , بيروت,
1973,ص 17
(2) السويدي, توفيق, مذكراتي, نصف قرن من تاريخ العراق والقضية العربية,
ط2, المؤسسة العربية للدراسات والنشر, عمان, 2010, ص488
المادة الرابعة:
يتمتع مواطنوا إمارة الكويت على اختلاف اجناسهم
وأديانهم, في اقليمي الإتحاد بجميع الحريات والحقوق التي يتمتع بها مواطنوا
الإتحاد العربي, ويكون لكل فرد منهم حرية التملك والتنقل, في جميع انحاء الإتحاد,
وحرية السكنى والإقامة في أي جه من جهاته, واختيار المهنة وممارسة أي حرفة أو
تجارة أو عمل أو التحاق بالمعاهد التعليمية. كما يتمتع مواطنوا الإتحاد العربي
بنفس الحقوق والامتيازات نفسها في الإقليم الكويتي.
المادة الخامسة:
(أ) توافق إمارة الكويت على ان تكون الشؤون
المتعلقة بالامور التالية منحصرة في حكومة الإتحاد:
أولا- الشؤون الخارجية.
ثانيا- حماية دول الإتحاد, للمحافطة على سلامتها
وأمنها, في الداخل والخارج.
ثالثا: انشاء وإدارة القوات المسلحة, تحت أسم
الجيش العربي.
رابعا: شؤون الكمارك وتشريعاتها.
خامسا: تنسيق السياسة المالية والاقتصادية.
سادسا: شؤون العملة , وتنظيم شؤون الصيرفة.
سابعا: توحيد سياسة التعليم ونظمه ومناهجه.
ثامنا: شؤون الطرق والمواصلات المشتركة.
(ب) تبقى من اختصاص إمارة الكويت جميع الامور
والصلاحيات الاخرى.
على حكومة الإتحاد العربي مفاتحة أمير
الكويت وأخذ رأيه في جميع المسائل
المتعلقة بالشؤون الخارجية والداخلية, وذلك قبل أن تتخذ قرارها النهائي بهذا
الشأن.
المادة السادسة:
ينظم دستور خاص بإنظمام الكويت الى الإتحاد
ويتضمن جميع الأسس الوارده أعلاه (1).
(1) العاني, د. عبد الكريم, مصدر سابق, ص363-365
لقد تأكد لرئيس وزراء الاتحاد نوري السعيد بأن
بريطانيا تضع العراقيل لدخول الكويت الى الإتحاد وحتى بدون استتشارة الكويت في هذا
الشأن. فقدم مقترحا آخر على اساس معاهدة "أخوة وتحالف" بين حكومة
الإتحاد العربي وإمارة الكويت, وقد أشتملت هذه المعاهدة المقترحة على عشرة مواد
نظمت علاقة الكويت بالاتحاد, وقد أعترفت هذه المعاهدة باستقلال الكويت وبنظام
الحكم القائم فيها.(1)
وكما في
المرة السابقة ايضا فأن بريطانيا لم تتحمس لإنضمام الكويت لمشروع الاتحاد المعدل, وقد أشار توفيق السويدي
وزير خارجية العراق في هذا الشأن حيث ذكر" لقد تكونت لدى المسؤولين العراقيين
قناعة بأن بريطانيا كانت تضع العراقيل في سبيل تحقيق هذا الهدف , الأمر الذي نجم
عنه بعض الجفاء, بل التوتر في العلاقات بين بغداد ولندن, وجعل المسؤولين
العراقييين يضاعفون مساعيهم وضغطهم على بريطانيا وتحميلهم لها مسؤولية ما ينتج عن
تلك العرقلة من انتشار التيارات والنشاطات المتطرفة في المنطقة وتفاقم أخطارها.
الى أن جاءني السفير البريطاني يبلغني بأن حكومته توافق مبدئيا على فكرة انضمام
الكويت بعد اعلان استقلاله الى الاتحاد العربي على أن تدرس تفصيلات ذلك في اجتماع
خاص يعقد في لندن في 24 تموز/ يوليو 1958 ما بين رئيس الوزراء ووزير خارجية
الاتحاد ورئيس وزراء ووزير خارجية بريطانيا.
ويضيف السويدي: وقد أمرت بتشكيل لجنة خاصة من
الخارجية والدفاع لإعداد مذكرة مسهبة مدعمة بالوثائق والحجج المفصلة الكاملة,
وبينما كنت على وشك اذاعة تلك المذكرة بمؤتمر صحفي قبل سفرنا الى لندن بأيام
تدعيما لموقفنا في المفاوضات هناك, جاءني السفير البريطاني يرجوني بالحاح عدم
الاقدام على شئ من هذا القبيل قبل الاجتماع المقبل في لندن حرصا على سير الأمور
دون تشويش في مجراها الطبيعي.. هذا ما كان يجري في العلن. أما ما كان يدبر في
الخفاء فأمر يعلمه (علام الغيوب ). لقد كان ذلك الاجتماع , اجتماعي الأخير بالسفير
البريطاني في الحادي عشر من تموز / يوليو 1958. ولم نلتق فيما بعد, اذ وقع
الانقلاب المشؤوم. ويبقى أمر العلاقة بين هذا الاجتماع الذي كان مقررا له أن يحدد
مستقبل العلاقة بين العراق والكويت وثورة 14 تموز/ يوليو في العراق مثيرا للنقاش
والجدل واختلاف كبير في اراء من كتب عنه, وخاصة من ادعى بأن كل من حاول الاقتراب
من موضوع الكويت كانت نهايته مأساوية من الملك غازي الى نوري السعيد وعبد الكريم
قاسم الى صدام حسين " (2).
وقبل هذا الوقت كان رئيس الوزراء نوري السعيد
ممتعض من السياسة البريطانية التي أفشلت محاولاته لضم الكويت الى الاتحاد العربي
والذي شكل في الاساس من مباركة بريطانية. وتشير وثيقة الى ان الباشا نوري السعيد قد
استدعى السفير البريطاني انذاك في بغداد عام 1957 وتكلم معه بقوة وجراءة معاتبا حكومته
على رفض انضمام الكويت (قبل ان تكون دولة) الى الاتحاد الهاشمي بين العراق والأردن
قائلا له ان الأردن دولة فقيرة ومواردها محدودة جدا وان انضمام الكويت إلى هذا الاتحاد
يضيف له قدرة اقتصادية قوية تمكنه من منافسة الجمهورية العربية المتحدة التي تكونت
من اندماج مصر وسوريا.
(1) المصدر السابق, ص366-368
(2) السويدي, توفيق, مصدر سابق, ص497- 499
ثم قال له
بالحرف : " إنكم قد خذلتمونا واحرجتم موقفنا وفي الوقت الذي نسعى فيه إلى أن نوثق
علاقتنا معكم ونريد دعمكم لا تنفذون ذلك, وإنكم قد انشأتم اسرائيل في وسط العالم العربي
وقدمتم لها دعما قويا جدا, واستبعدتم شعوبنا علينا واتهمونا بالعمالة لكم, وليس هذا
الموقف الذي نتوقعه منكم, نحن الحكام الذين أسسوا أحلافا عسكرية معكم وأنشأوا اقوى
العلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية مع دولكم في الغرب ". ثم اردف قائلا:
" ستقوم ثورة في العراق بالتخلص منا والمجيء بحكام وطنيين اكثر منا, ولا يتعاونون
معكم بالمطلق كما نتعاون نحن, وسيؤدي ذلك إلى ضياع مصالحكم التي نرعاها لاننا نؤمن
بافكاركم, وان التخلي عنا سيؤدي الى مجيء حكام آخرين تتعرض من خلالهم مصالحكم إلى الخطر.
وسيأتي يوما اقتل وتسحل جثتي بالشوارع لا لشيء إلا إنني أتعاون معكم لمصلحة شعبي ولكنكم
لا تقدرون مغزى ذلك, ثم قال ولولا خشيتي من تقول الناس علي واتهامي بالخوف لكنت غادرت
العراق ومعي عائلتي لأعيش آخر أيام عمري في قرية من قرى أوربا وأدون مذكراتي عن ذلك
" (1).
هذه النبوءة
قد تحققت فعلا وتعرض هذا الرجل السياسي الى ما توقعه فعلا, وهو الذي قالت عنه يوما
(مس بل) حينما رأته لاول مرة عند مجيئه الى العراق من سوريا بعد ان أطالت النظر اليه وقالت كلمتها المشهورة
(بعد ذهابه ) إني ما أن رأيته حتى أدركت
إننا أمام قوة عظيمة ومرنة, علينا أما استعمالها وأما الاشتباك معها في نزال صعب
"(2).
وفي مذكرات عدنان الباجه جي " أحد أعضاء
مجلس الحكم بعد سقوط نظام صدام حسين " يقول: ان البريطانيين رفضوا مشروع نوري
السعيد بدخول الكويت الى الاتحاد العربي , وذلك حيث بدأ النفط في الظهور والشركات
البريطانية التي كانت تنقب وتعمل هناك، وخشوا أن يفقدوا كل هذا بدخول الكويت للاتحاد
الهاشمي، وقالوا إن أمير الكويت لا يوافق على الإنضمام، فاختلف السعيد مع الانكليز
وكانت بينهما معركة حول هذا الموضوع. وهناك من يرى أن البريطانيين، وبسبب هذه المعركة
وموقف السعيد تغاضوا عن حمايته من ثورة 14 يوليو (تموز) 1958، اذ كانوا يعرفون أن هذه
الثورة ستقع ولم يحركوا ساكنا.
ويستغرب الباجه جي من عدم أخذ حكومة السعيد أي احتياطات
ضد احتمال قيام مثل هذا الانقلاب، على الرغم من أن الناس كلهم كانوا يتحدثون في الشوارع
والمقاهي عن قرب وقوع انقلاب، حتى ان مدير مزرعة " علي جودت الأيوبي "
في جلولاء من محافطة ديالى، والقريبة من الوحدة العسكرية التي كان فيها عبد الكريم
قاسم" زعيم الانقلاب عام 1958 " ، أبلغ الأيوبي بأن هناك تحركات مريبة، وأنه
سمع كلاما من ضباط عن قرب وقوع انقلاب، وقد أوصل الأيوبي هذه المعلومات إلى عبد الاله،
الذي أبلغها بدوره الى نوري السعيد الذي قال جملته المشهورة (دار السيد مامونة) وأن
(لا خوف على الدولة من الجيش فنحن نثق به). لكنني على يقين بأن الاستخبارات البريطانية،
وهي عريقة، كانت قوية وفاعلة في العراق، وكانت تعرف بقرب حدوث شيء من هذا القبيل. لا
سيما أنها (الثورة) لم تكن على درجة عالية من السرية، ويبقى السؤال المهم هو: لماذا
لم يبلغ البريطانيون الحكومة أو البلاط بهذه التحركات؟ لا ندري(3)!!
إرسال تعليق