الفاعل المادي
عرفت المادة 211 من قانون العقوبات الفاعل ـ كما ذكرنا قبل قليل ـ بأنه هو «الشخص الذي يبرز إلى حيز الوجود العناصر التي تؤلف الجريمة». والشخص الذي يطلق عليه اسم «الفاعل» هو الذي ينفرد في تنفيذ الجريمة، أي يقوم وحده بجميع الأفعال المكونة للجريمة([1]). فالفاعل في جريمة القتل هو الذي يطلق النار على المجني عليه، أو هو الذي يضع السم في طعامه. والفاعل في جريمة السرقة هو الذي يضع يده في جيب شخص ما ويستولي على ما فيه من مال، أو هو الذي يقوم بفتح باب منزل شخص، ويستولي على مال موجود في داخله.
والفاعل لا يثير أي مصاعب أو إشكالات. ولكن هنالك بعض حالات الفاعل التي تحتاج إلى شيء من الإيضاح لتفريق الفاعل عن الشريك. فالفاعل في الجريمة المتتابعة أو جريمة الاعتياد هو الذي يرتكب جميع الأفعال المكونة للجريمة، والفاعل في الجرائم التي يتطلب القانون توافر صفة معينة في مرتكبها (كصفة السوري في المواد 263 270ق.ع، أو صفة الموظف في المواد 341-367 ق.ع)، هو من توافرت فيه هذه الصفة. والفاعل في جريمة الامتناع هو الذي يفرض القانون عليه واجب القيام بالعمل الذي تتكون الجريمة بالامتناع عنه.
ـ الفاعل يمكن أن يكون شخصاً اعتبارياً:
من المتفق عليه منذ القديم أن الإنسان أو الشخص الطبيعي هو محل المساءلة الجزائية، ولكن التطور الاجتماعي والاقتصادي والقانوني، وظهور المؤسسات والشركات وممارستها أعمالاً ونشاطات كثيرة دفع التشريعات العالمية إلى مساءلة «الشخص الاعتباري» أو «الشخص المعنوي» جزائياً، إلى جانب مساءلته مدنياً، وذلك فيما إذا اقترف أفعالاً يجرِّمها القانون([2]).
وقد اعترف الفقه الجزائي الحديث بإمكانية مساءلة الشخص الاعتباري جزائياً، لأن التشريعات منحته شخصية قانونية مستقلة عن شخصية الأشخاص الطبيعيين الذين يتولون أعمال إدارته، كما منحته إرادة مستقلة عن إرادة ممثليه، وذمة مالية خاصة به، وأهلية اكتساب الحقوق وتحمل الإلتزامات، وخولته حق التقاضي أمام المحاكم أو لجان التحكيم بصفة مدعي أو مدعى عليه. وفضلاً عن ذلك فقد أتاحت التشريعات الحديثة للشخص الاعتباري فرصة ممارسة نشاطات سياسية واجتماعية واقتصادية واسعة قد تصل به أحياناً إلى درجة كبيرة من القوة والانتشار،فلماذا لا يسأل جزائياً إذا ما مارس ممثلوه نشاطات غير مشروعة باسمه وبوسائله ولحسابه. مع الإشارة إلى أن مسؤولية الشخص الاعتباري لا تعفي ممثليه بدورهم من تحمل مسؤوليتهم الجزائية.
ولقد أخذ المشرع السوري بمبدأ المسؤولية الجزائية للأشخاص الاعتبارية ونص عليه في الفقرة الثانية من المادة 209 من قانون العقوبات التي جاء فيها ما يأتي:
«2 ـ إن الهيئات الاعتبارية مسؤولة جزائياً عن أعمال مديريها وأعضاء إدارتها وممثليها وعمالها عندما يأتون هذه الأعمال باسم الهيئات المذكورة أو بإحدى وسائلها».
ثم أضافت الفقرة الثالثة من المادة 209 المذكورة حكماً يتعلق بنوع العقوبة التي يمكن فرضها على الهيئة الاعتبارية، حيث جاء فيها ما يأتي:
«3 ـ ولكن لا يمكن الحكم عليها إلا بالغرامة والمصادرة ونشر الحكم. وإذا كان القانون ينص على عقوبة أصلية غير الغرامة أُبدلت الغرامة من العقوبة المذكورة وأنزلت بالهيئة الاعتبارية في الحدود المعينة في المواد الـ 53 و 60 و 263».
وبالإضافة إلى العقوبات المذكورة في المادة 209 ـ الفقرة 3، نصت المادة 109 من قانون العقوبات على إمكانية حل الهيئات الاعتبارية في حالات خاصة أشارت إليها المادة 108 من هذا القانون([3]).
الفاعل المعنوي
Auteur Intellectuel

الفاعل المعنوي هو الذي يدفع شخصاً غير أهل للمسؤولية الجزائية، أو حسن النية، إلى ارتكاب جريمة، فلا يكون هذا الشخص إلا آلة مسخرة بيده، يقوم بتنفيذ ما يطلب إليه دون إرادة منه، ودون علم بطبيعة الأفعال التي يقوم بها. وذلك كمن يطلب من صغير غير مميز وضع سم في طعام أحد الأشخاص، أو يسلم سلاحاً إلى مجنون ويطلب منه إطلاق النار على شخص معين، أو ينوم شخصاً تنويماً مغناطيسياً ثم يوجهه إلى سرقة منزل.
وقد ذهب بعض الفقه إلى عد الفاعل المعنوي محرضاً، لأنه لم يقم بأي عمل من أعمال التنفيذ، وأن الفاعل هو الشخص الذي سُخّر لاقتراف الجريمة، وإن كان فعله قد تم دون إرادة منه.
إلا أن بعض الفقه الآخر يرى أن الفاعل المعنوي هو فاعل أصلي وليس محرضاً، لأن الشخص المسخر هو مجرد آلة في يده من جهة، ولأن التحريض من جهة ثانية لا يوجه إلا لشخص أهل للمسؤولية الجزائية، وعلى علم بما يطلب إليه عمله، وبالنتيجة الجرمية التي ستترتب على هذا العمل.
أما المشرع السوري فلم يتعرض للفاعل المعنوي، ولكن الواضح بحسب أحكام قانون العقوبات، بأن الفاعل المعنوي هو كالفاعل المادي تماماً، لا فرق بينهما في الحكم. فالفاعل بموجب أحكام المادة 211 هو «من أبرز إلى حيز الوجود العناصر التي تؤلف الجريمة». وهذا التعريف ينطبق على الفاعل المعنوي انطباقاً تاماً.
وفي التشريع السوري، لا يمكننا عدّ الفاعل المعنوي محرضاً، لأن أساس التحريض قائم على خلق فكرة الجريمة لدى المحرض، وهذا يتطلب فهمه للخطاب، وإدراكه للفعل الذي طُلب إليه القيام به، وعلمه بماهيته وبنتيجته وبظروفه، ثم اتجاه إرادته إلى القبول به وتنفيذه. وهذا أمر غير ممكن بالنسبة لفاقد الأهلية الجزائية، أو بالنسبة لشخص حسن النية.



(1) راجع في نظرية الفاعل: د. عمر مصطفى، فاعل الجريمة، رسالة دكتوراه مقدمة إلى جامعة باريس، 1958، و د. فوزية عبد الستار، المساهمة الأصلية في الجريمة ـ دراسة مقارنة، القاهرة، 1967.
(2) راجع: كتابنا شرح قانون العقوبات الاقتصادي في التشريع السوري والمقارن، الطبعة الثانية، منشورات جامعـة دمشـق، دمشـق، 2006، ف 79، ص 160.
(1) راجع كتابنا: شرح قانون العقوبات الاقتصادي، المرجع السابق، ف 79، ص 161 ـ 163.

Post a Comment

Previous Post Next Post