العقد الملزم للجانبين
انواع العقود في القانون المدني

العقد المختلط المقدمة :
إن العقد المختلط رغم أهميته في تحقيق التنمية الاجتماعية  و الاقتصادية نجد أن المشرع المغربي لم يعطيه العناية اللازمة  الذي يجب أن يتصف بها هذا النوع من العقود. ومن الأمثلة الواضحة التي تدل على هذا التقصير عقد الائتمان الايجاري الذي اتضح لنا من خلال دراستنا لهذا الموضوع أن المشرع المغربي قد قام بتقصير اتجاه هذا التصرف القانوني ورغم اهميته الاجتماعية و الاقتصادية حيث كان عليه  تحديد أو توضيح بعض النقط كما فعل في اخر تعديل الذي جرى بعض الفصول في الكتاب الخامس من مدونة التجارة . ومن امثلة المادة 436 الذي لم يحدد المشرع تاريخا معينا لإجراء عملية الاشهار العقد الائتمان و كلنا نعلم ان القانون التجاري من خصائصه السرعة حيث كان على المشرع وضع حدا لهذه النقطة اضافة هذا لم يوضح لنا الضمانات القانونية التي تحمي الطرف الضعيف إذا عملنا أن عقد الائتمان الايجاري من عقود الاذعان حيث تكون الكفة في صالح طرف على حساب اخر وهذا ما دفعنا الى طرح سؤال لماذا المشرع المغربي لم يولي أي أهمية لعقد الائتمان الايجاري رغم دوره الفعال في الاقتصاد الوطني كما فعل في اخر تعديل جرى على بعض الفصول من الكتاب الخامس والذي كذلك تم تغييره اسمه من نظام صعوبات المقاولة الى إجراءات الوقاية والمعالجة من صعوبات المقاولة , وكذلك اصداره بعض التشريعات الخاصة التي تحمي الطرف الضعيف كقانون الاستهلاك 31.08.
•       تعريف العقد المختلط
العقد المركب او المختلط :هو العقد الذي يتكون من مزيج من عقود مختلفة اختلطت فاصبحت عقدا واحدا مثالها عقد الفندقة فهو مزيج من عقود مختلفة منها : الإيجار بالنسبة للسكن والبيع للمأكل والعمل بالنسبة للخدمة ..
•       تعريف اخر 
هو ما كان مزيجا من عقود متعددة اختلطت جميعاً فأصبحت عقداً واحدا . مثل ذلك العقد بين صاحب الفندق والنازل في ( contrat d'hôtellerie ) ، فهو مزيج من عقد إيجار بالنسبة إلى المسكن ، وبيع بالنسبة إلى المأكل ، وعمل بالنسبة إلى الخدمة ، ووديعة بالنسبة إلى الأمتعة .
وليس هناك من أهمية كبيرة في امتزاج عدة عقود في عقد مختلط . فإن هذا العقد إنما تطبق عليه أحكام العقود المختلفة التي يشتمل عليها . على أن قد يكون من المفيد في بعض الأحيان أن يؤخذ العقد المختلط كوحدة قائمة بذاتها ، وذلك إذا تنافرت الأحكام التي تطبق على كل عقد من العقود التي يتكون منها . ففي هذه الحالة يجب تغليب أحد هذه العقود باعتباره العنصر الأساسي ، كما في عقد التليفون ، وهو يدور بين عقد العمل والإيجار ، فغلب القضاء فيه عنصر عقد العمل ورفض دعوى استرداد الحيازة التي رفعها مشترك قطعت عنه المواصلة التليفونية) ، وكما في العقد الموصوف بأنه إيجار ابتداء وبيع انتهاء ( location – vente ) ، وهو يدور بين البيع والإيجار ، فحسم القانون الجديد ( م 430 ) النزاع في شأنه وجعله بيعاً .
•       تعريف ثالث : عقد المختلط
هو ما كان مزيجا من عقود متعددة اختلطت جميعا فاصبحت عقدا واحدا. مثل ذلك العقد بين صاحب الفندق و النازل فيه ( contrat d’hotellerie) فهو مزيج من عقد ايجار بالنسبة الى المسكن وبيع بالنسبة الى المأكل، وعمل بالنسبة الى الخدمة و وديعة بالنسبة الى الامتعة.
و ليس هناك من اهمية كبيرة في امتزاج عدة عقود في عقد مختلط. فان هذا العقد انما تنطبق عليه احكام العقود المختلفة التي يشتمل عليها. على انه قد يكون من المفيد في بعض الاحيان ان يؤخذ العقد المختلط كوحدة قائمة بذاتها.و ذلك اذا تنافرت الاحكام التي تطبق على كل عقد من العقود التي يتكون منها. ففي هذه الحالة يجب تغليب احد هذه العقود باعتباره العنصر الاساسي
من الأمثلة على العقود المختلطة :
 ( 1 ) عدة عقود تمتزج في عقد واحد ، وذلك كمدير شركة يتولى إدارتها ويكون وكيلا عنها ، فيمتزج عقد العمل بعقد الوكالة . وقد يتوالى العقدان الواحد بعد الآخر ، كعقد نقل بحري يعقبه عقد نقل برى أو إيجار يقترن بوعد بالبيع .
 ( 2 ) إضافة شرط إلى العقد ليس من مقتضياته ، كما إذا التحق بعقد البيع شرط للتأمين أو التحق بعقد النقل شرط للتخزين .
 ( 3 ) الجمع بين عناصر متفوقة من عقود مختلفة ، كالعقد الذي يجمع بين الإيجار والبيع  (  (Location  – vente وكالوديعة في المصارف تدور بين الوديعة الناقصة والقرض ([9]) .
وليست هناك أهمية كبيرة لمزج عدد من العقود وتسميتها جميعاً بالعقد المختلط ، فإن هذا العقد إنما تطبق فيه أحكام العقود المختلطة التي يشتمل عليها . على أنه قد يكون من المفيد في بعض الأحيان أن يؤخذ العقد المختلط كوحدة قائمة بذاتها ن وذلك إذا تنافرت الأحكام التي تطبق في كل عقد من العقود التي يتكون منها ، ففي هذه الحالة يجب تغليب أحد هذه العقود باعتباره العنصر الأساسي وتطبيق أحكام هذا العقد دون غيره . فعقد التليفون عقد يدور بين عقد العمل وعقد الإيجار ، ولكن القضاء ([10]) غلب عنصر عقد العمل فرفض دعوى إعادة  وضع اليد التي رفعها مشترك قطعت عنه المواصلة
1 - عقد الإيجار المفضي إلى تملك العقار
فقبل الخوض في شرح موضوعنا فانه لابد من اعطاء التعريف عن التنمية  من الناحية اللغوية فالتنمية من النمو أي ارتفاع الشيء عن موضعه إلى موضع اخر أما من الناحية الاصطلاحية فهي عديدة ومن الأمثلة على ذلك يقصد بها تطور في مجال ما بواسطة تدخل الأطراف و استعمال أدوات من أجل الوصول إلى تطور و الرقي.  أما مفهوم التنمية الاقتصادية أنها عملية لرفع مستوى الدخل القومي بحيث يترتب على هذا ارتفاع في متوسط نصيب دخل الفرد ومنه سنقوم بالتحدث عن عقد الايجار المفضي ألى تملك العقار باعتباره عنصرا هامة في تحقيق التنمية الاقتصادية      لا أحد يستطيع أن ينكر الجهود التي قام بها المغرب في مجال الإسكان , والحد من ظاهرة السكن الغير اللائق , فقد تعززت هذه الجهود بتعزيز الترسانة القانونية المغربية بعقد من العقود المركبة و هو عقد الإيجار المفضي إلى تملك العقار, والمنظم بالقانون رقم 51.00.
و قد جاء هذا القانون أي قانون 51.00 بمقاربة اقتصادية إذ يهدف إلى التجاوب مع ضغوط طلبات السكن المتزايد. ونظرا للأزمة السكن التي يعرفها المغرب وتمكين ذوي الدخل المحدود من تملك السكن, وذلك عن طريق الإيجار المفضي إلى تملك العقار[14]. كما أن هذا القانون جاء بمقاربة اجتماعية إذ يتوخى تشجيع الأسر الضعيفة من إمكانية اقتناء سكن. وهذا النوع من العقود هو من العقود المركبة حيث يجمع بين تصرفين قانونين ألا و هما الكراء و البيع. فعقد الإيجار المفضي إلى تملك العقار قام المشرع المغربي بتعريفه في المادة الثانية من القانون رقم 51.00 فهو "عقد بيع يلتزم البائع بمقتضاه تجاه المكتري المتملك بنقل ملكية عقار أو جزء منه بعد فترة الانتفاع به بعوض مقابل أداء الوجيبة المنصوص عليها في المادة 8 من هذا القانون وذلك إلى حلول تاريخ حق الخيار".
وكما يظهر من هذا التعريف بان عقد الإيجار المفضي إلى تملك العقار هو عقد مركب يبتدئ بعقد ابتدائي ويستمر إلى حين حلول وقت الخيار المذكور ليتحول من عقد كراء إلى عقد بيع نهائي بعدما يكون المكتري قام بسداد جميع أقساط الوجيبة الكرائية.[15]
و بما أن هذا النوع من الإيجار أي الإيجار المفضي إلى تملك العقار جاء من أجل تخفيف من أزمة السكن التي يعرفها المعرب و الرفع من المستوى الاقتصادي للمنعشين العقاريين و المساهمة في التنمية الاقتصادية عن طريق تشجيع أرباب العمل في الاستثمار في قطاع السكن , حتى تكون دينامية اقتصادية تتماشى ما أصبح  يرمي هذا القانون من خلال تشجيع و تحقيق الاستثمار.
وهذه العملية تعود بشكل كبير بالنفع على الاقتصاد بشكل كبير بالنفع على الاقتصاد , وتحريك آلية الاستثمار من خلال حث البنوك على منح قروض لتمويل السكن بشروط تفضيلية, بالإضافة إلى خلق صناديق لضمان القروض الممنوحة للموظفين وكذلك الأجراء و أصحاب الدخل المحدود أو الضعيف. [16]
وهذا النوع من العقود من الناحية الاقتصادية بل حتى الاجتماعية فهو ساهم بشكل كبير في التخفيف من أزمة السكن وحرك آلية الاقتصاد فهذا على سبيل المثال كلنا نعلم ماذا رمزية أو بعبارة أخرى ما هي قيمة العقار عند المغاربة فكلنا نعلم أن العقار يعتبر حملا ثقيلا على أفراد هذا المجتمع و حينما يكتسب أو يشتري الشخص عقار و ذلك بعض النظر عن  طريقة اكتسابه فهو يعطي لهذا الأخير شعورا جميلا الشيء الذي يعود بالإيجاب على نفسيته . وكلنا نعلم أن اغلب أشخاص الذي قاموا بإبرام عقود خاضعة لهذا القانون من فئة الأجراء أي الطبقة الشغيلة وبالتالي إذا كان لهذا الأخير عقارا فحتما سيقوم ببذل مجهودا مضاعفا في عمله حيث تستفيد مقاولته بصفة خاصة و الاقتصاد الوطني بصفة عامة.
فهو من جهة أتاح لأصحاب ذوي الدخل المحدود اكتساب ملكية المساكن المكراة بعد انصرام مدة متفق عليها. حتى يتم إبرام عقد بيع نهائي تنتقل بموجبه ملكية تلك المساكن إلى المكتريين المتملكين . أما  من جهة المستثمرين و المنعشين العقاريين فهذا النوع من العقود المركبة يعتبر آلية كبرى أو وسيلة هامة لتصريف المنتوج على أرض الواقع. وفي هذا نفع للاقتصاد الوطني بشكل كبير و استفادة للعلاقة المركبة التي تجمع بين البائع و المكتري . فمصلحة البائع و استفادته تتمثل في كونه يستطيع تصريف منتوجه بشروط مريحة تضمن له حقوق الأساسية تحت إطار قانوني محكم. أما مصلحة المكتري تتجلى في تملكه لمسكنه عبر أداء أقساط خلال مدة معينة متفق عليها و ينتفع فيها بالسكن.[17]
   الفقرة الثانية: عقد الائتمان الايجاري   
     يعتبر القانون من مقومات وتطور التعاون التجاري و الاقتصادي ذي المنفعة العامة المتبادلة. ويلعب القانون في هذا المجال دورا هاما في إرساء الضمانات و سياجا يقي العلاقات القانونية. و نظرا لما يعرفه النشاط التجاري و الاقتصادي من تغييرات مستمرة بسبب التطور العلمي و التكنولوجي , وهذا التطور فرض على المقاولات و التجار مواكبة هذه الوضعية, ومن أجل الوصول إلى هذا الهدف وبأبسط الطرق  وبأقل تكلفة. فقد تمكن رجال الاقتصاد و القانون من إبداع طريقة جديدة للائتمان لتمويل ما يحتاج إليه المنعيشون الاقتصاديون من بنايات موسعة واليات و تجهيزات متطورة.
وهذه التقنية التمويلية هي عقد الائتمان الايجاري  باعتباره نوعا من أنواع العقود المركبة التي تساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية نظرا للعلاقة التي تجمع بين أطرافه. وكما سبق القول بأن هذا النوع من العقود تحكمت في ظهوره العديد من الوسائل و لعلا أبرزها التطور العلمي و التكنولوجي. وهذا النوع من العقود يقوم على تقنية تمويلية متعددة الصور تقوم في أبرزها صورها مؤسسة مالية لشراء المعدات أو أدوات التجهيز لفائدة مقاولة تتسلم هذا المنقول من أجل استغلاله لمدة معينة تسمى بالمدة المحتومة مقابل مبلغ كرائي يؤذي بصفة دورية خلال المدة تبقى فيها مؤسسة التمويل مالكة للمنقول شريطة أن تقدم للمقاولة و عدا من جانب واحد يبيع هذا المنقول بعد انتهاء المدة المتفق عليها وذلك لقاء ثمن المتفق عليه.
وبما أن عقد الائتمان الايجاري من العقود المركبة فلا بد من إعطاء تعريف لهذا التعريف حيث لم يتم الاتفاق على تعريف موحد له من الناحية الاقتصادية  انه من عمليات التمويل حيث تقوم المؤسسة بتمويل المشاريع التجارية و الصناعية و المهنية و في هذا تحقيق التنمية الاقتصادية . وهذا يعود بالطبع بالفائدة على التنمية الاقتصادية من خلق فرص للاستثمار.
أما المشرع المغربي فقد عرفه في المادة 431 من مدونة التجارة 1. كل عملية إكراء للسلع التجهيزية أو المعدات أو الآلات التي تمكن المكتري كيفما كان تكييف تلك العمليات من أن يمتلك في تاريخ يحدده مع الملك كل أو بعض السلع المكراة لقاء ثمن متفق عليه يراعي فيه جزء على الأقل من المبالغ المدفوعة على سبيل الكراء "الائتمان الايجاري للمنقول".
2.كل عملية اكراء للعقارات المعدة لغرض مهني, تم شراؤها من طرف المالك او بناءا عن طريق الوكالة إذا كان من شأن هذه العملية كيفما كان تكييفها أن تمكن المكتري من أن يصير مالكا لكل أو بعض الأموال على أبعد تقدير عند انصرام أجل الكراء "الائتمان الإيجار العقاري"
وعقد الائتمان الايجاري من العقود المركبة نظرا للعلاقة الثلاثية التي تجمع أطرافه, فهناك عقد التأجير بين مؤسسة الائتمان الايجاري و المكتري , وعقد التوريد الذي يتم بين المنتج أو المورد
أو الممول و مؤسسة الائتمان الايجاري التي تحتفظ بملكية الشيء كضمانة للذين ويستفيد منه مباشرة المستعمل رغم أنه لم يكن طرفا فيه .[18]
و عقد الائتمان الايجاري من العقود المتطورة التي جاءت لمواكبة التطورات الاقتصادي الكبرى حيث يساهم بشكل كبير في خلق تنمية اقتصادية و مساعدة الاقتصاد الوطني على التطور و النمو من خلال العلاقة الثلاثية التي تجمع بين أطرافه فالكل  يستفيد من هذا العقد إذا ما تم إبرامه وفق النصوص و الضوابط القانونية التي جاءت بها مدونة التجارة.
2 - عقد الفندقة
عقد الفندقة من العقود الرضائية، هذا من حيث الأصل في هذا العقد انه يبرم بمجرد اتفاق طرفيه على تحديد مضمون الالتزامات الناشئة عنه وحقوق اطرافه المتعاقدة وكيفية تنفيذ تلك الالتزامات وانقضائها، بيد انه ليس لهذا العقد نظام قانوني متكامل يحكم كيفية إبرامه وتنفيذه وانقضائه، اذ ان الغالب الأعم ما يكون من العقود غير المسماة Contrats inommes
تمهيد:
     يعد عقد الفندقة من مقومات الاقتصاد في البلاد المتقدمة، حيث لا توجد دولة لا تمارس صناعة الفنادق فهي من الصناعات القديمة التي ارتبط ظهورها بظهور الضيافة ، بحيث كانت الضيافة قاصرة على إشباع حاجات المسافر، غير إن التطور الذي حدث بعد الثورة الصناعية وما استتبعه من اتساع شبكة الطرق والرغبة في توطيد العلاقات بين المدن المختلفة، قد أدى إلى كثرة الأسفار الأمر الذي تطلب إنشاء العديد من النزل السكنية وهي ما تعرف الآن بالفنادق([1]).

      وبذلك يتبين لنا، أن عقد الفندقة يعتبر وسيلة من وسائل تطور السياحة، هذا من جهة،ومن جهة أخرى، فأنه يهيئ للفرد الإقامة مع تقديم الخدمات الأخرى، سواء كانت تتمثل في تقديم الطعام والشراب أم خدمة مراسلة أم اتصالات أم غيرها من الخدمات المتاحة مما يتمكن به الفرد من الحصول على المتعة والراحة التي يبتغيها من وراء هذا العقد([2]).هذا وتبقى صناعة الفنادق مرتبطة في الواقع بالسياحة بسبب اعتماد النشاط السياحي بشكل أساسي على الفنادق، فالسائح عموماً والسائح الأجنبي على وجه الخصوص، يحتاج إلى الإقامة في إحدى المنشآت أو المؤسسات الفندقية أياً كانت التسمية التي يطلقها عليها القانون([3]).

      وهذا المفهوم يجسد لنا أركان عقد الفندقة من تراضي أطرافه ومحله من سكنى وتقديم خدمة في مقابل عوض (مبلغ إجمالي) وسببه الدافع إلى التعاقد، ولكننا نستشكل في طبيعته القانونية وعليه من اجل بيان مفهوم عقد الفندقة بدقة فان الأمر يتطلب منا تقسيم هذا الفصل إلى مبحثين سنتناول في المبحث الأول منه التعريف بعقد الفندقة أما في المبحث الثاني فسنتطرق فيه إلى أركان عقد الفندقة وطبيعته القانونية.
التعريف بعقد الفندقة
The definition of Hospitality Contract
     يتسم عقد الفندقة بكونه من العقود التي لم تنظمها اغلب التشريعات المقارنة. لذا فلا نجد له تعريفاً محدداً جامعاً لأركانه وصفاته.
خصائص عقد الفندقة
Hospitality properties Held
     يمتاز عقد الفندقة بخصائص غالباً ماتتصف بها بقية العقود كما سنرى، إلا أنّ هذا العقد، باعتباره يمثل نظاماً قانونياً متميزاً ينفرد ويتميز بخصائص تميزه عن غيره من العقود يمكن أن يعرض لها وكالآتي:-
الفرع الأول: عقد الفندقة عقد رضائي
     تنقسم العقود عموماً من حيث تكوينها الى عقود رضائية أو شكلية أو عينية([43]). فالعقود الرضائيةContrat Consensuel: هي تلك العقود التي يكفي مجرد الرضا في انعقادها أي اقتران الايجاب بالقبول([44]).
     ولعل الغالب الاعم من العقود تبرم بمجرد اتفاق الطرفين(اقتران الإيجاب بالقبول) ولا يحتاج انعقاده الى أي إجراء شكلي([45]).
     اما ما يعد من العقود الشكلية(Formel Contract): فهي تلك العقود التي لا يكفي لانعقادها مجرد التراضي بين الطرفين، وإنما يجب أن يفرغ في شكل خاص يحدده القانون، ومثال ذلك العقود الواردة على نقل ملكية العقار، فلا تتم هذه العقود اذا لم تسجل في الدائرة المختصة،
     بينما يعرف العقد العيني Aini decade: بأنه ذلك العقد الذي لا يكفي لتمامه مجرد تراضي الطرفين، بل يجب فضلاً عن التراضي توافر وحصول القبض أو التسليم للعين محل العقد ايضاً.
     فالقبض أو التسليم يعتبر ركناً جوهرياً لانعقاد العقد ومثاله عقد هبة المنقول([47]). وهكذا فان عقد الفندقة يعتبر من قبيل العقود الرضائية ، اذ يكفي لانعقاده مجرد التراضي بين صاحب الفندق وبين النزيل دون حاجة لاشتراط شكل معين، فيتم التراضي على المكان تأجيره سواء كان غرفة أو جناحاً وكذا على المدة والمقابل. أي بمجرد طلب الحجز فمنذ هذه اللحظة يلزم صاحب الفندق إعداد المكان وتهيئته حتى يكون جاهزاً لاستقبال النزيل عند وصوله كما يلزم الأخير بدفع المقابل منذ تاريخ الاتفاق([48]).
الفرع الثاني: عقد الفندقة عقد ملزم للجانبين
     لا شك في أن طبيعة الأثر هو الذي ينقسم بموجبه العقد إلى عقد ملزم للجانبين والى طائفة أخرى ملزمة لجانب واحد، فالعقد الملزم للجانبينBinding contract for both sides:هو ذلك العقد الذي يلزم فيه كل من المتعاقدين تجاه الأخر على وجه التبادل بمقتضى ما هو متفق عليه بينهما ويكون كل متعاقد دائناً ومديناً في الوقت نفسه، اما بالنسبة للعقد الملزم لجانب واحد : Binding contract to onside هو ذلك العقد الذي يلتزم فيه طرف واحد أي متعاقد واحد فقط تجاه المتعاقد الأخر بأداء معين، ويسمى هذا الطرف الملتزم مديناً والطرف الأخر دائناً مثل عقد الوديعة والهبة([49]).
     من هنا يلاحظ وبحق، أن عقد الفندقة، هو عقد ملزم للجانبين كونه من العقود التبادلية الملزمة للجانبين، حيث تنشأ التزامات متبادلة في ذمة المتعاقدين فصاحب الفندق يلتزم بتوفير الإقامة الهادئة الآمنة، والمأكل والمشرب... وغير ذلك من الالتزامات في مقابل التزام النزيل بدفع الأجرة خلال مدة إقامته([50]).

     وبناءً على ذلك، فان السؤال الذي ينقدح في الذهن : ما هي ابرز الآثار التي يمكن أن تترتب على اعتبار هذا العقد - موضوع البحث- من العقود الملزمة للجانبين؟ للإجابة عن هذا التساؤل نقول:إن من اخطر تلكم الآثار هي ما يتعلق بمسائل فسخ العقد وتبعة الهلاك بل وحتى من إمكانية الدفع بعدم التنفيذ، ففي عقد الفندقة اذ لم يقم احد المتعاقدين بتنفيذ التزامه فانه يحق للطرف الأخر طلب فسخ العقد
     أما من حيث تبعة الهلاك، إذا استحال على احد المتعاقدين سواء كان صاحب الفندق أم النزيل تنفيذ التزامه بسبب أجنبي لا يد له فيه يسقط التزامه ومن ثم تسقط الالتزامات المتقابلة، وهذا مما يترتب عليه، إن المدين سينقضي التزامه لاستحالة تنفيذه بسبب أجنبي يتحمل مع ذلك تبعة استحالة التنفيذ ولا يتحملها الدائن كما سيتحملها في العقد الملزم لجانب واحد([52]).
       ولعل مما تجدر الإشارة إليه أن الارتباط الوثيق او تقابل التزامات طرفي عقد الفندقة مما يقود إلى القول بأن عدم قيام احدهما بتنفيذ التزامه يؤدي إلى امتناع الأخر عن التنفيذ أي التمسك بالقاعدة المعروفة - الدفع بعدم التنفيذ - أوالامتناع المشروع عن تنفيذ العقد التي لا تخرج عن كونها كما هو معلوم حق بالحبس([53]).
الفرع الثالث: عقد الفندقة عقد معاوضة
     يعد عقد الفندقة من عقود المعاوضة Netting Contracts : بحيث يأخذ فيه كل من المتعاقدين مقابلاً لما يعطي ويعطي مقابلاً لما يأخذ، فالمؤجر"صاحب الفندق" يسمح للمستأجر"النزيل" بالانتفاع بالعين المؤجرة في مقابل أخذ الأجرة ، والمستأجر يدفع الأجرة في مقابل الانتفاع بالعين المؤجرة، وبهذا فلا تظهر تماماً نية التبرع في هكذا عقود فالعقود التبرعيةDonation Contracts: هي العقود التي لا يأخذ فيه المتعاقد مقابلاً لما يعطي ولا يعطي مقابلاً لما يأخذ، ومثاله عقد عارية الاستعمال([54]).
     وليس أبلغ في الدلالة على كون عقد الفندقة من عقود المعاوضة، هو أن صاحب الفندق يأخذ مقابلاً لما يعطيه، فأنه يأخذ الأجرة من النزيل مقابل تقديم المأوى والمأكل والمشرب له، كذلك الشأن بالنسبة للنزيل حيث انه يتلقى مقابلاً لما يعطيه، فيعطي الأجرة مقابل أن يقدم له صاحب الفندق المأوى والمأكل والمشرب([55]).
الفرع الرابع: عقد الفندقة عقد محدد المدة ومستمر التنفيذ
      يعد عقد الفندقة في الغالب من العقود المحددة المدة ، مع صاحب الفندق على استئجار غرفة او جناح لمدة معينة من الزمن طالت هذه المدة ام قصرت([56]).
     من جانب أخر، فان عقد الفندقة عقد يكون الزمن فيه عنصراً جوهرياً والعقد الزمني نوعين أما أن يكون عقد زمني مستمر التنفيذ أو أن يكون عقد زمني دوري التنفيذ([57]). ومن أمثلة العقود الزمنية المستمرة التنفيذ ، عقد الإيجار لان الانتفاع بالشيء لا يتصور إلا ممتداً في الزمان، والأجرة تحسب على أساس المدة، ومن أمثلة العقود الزمنية دورية التنفيذ عقد التوريد، كالعقد الذي يلزم بتوريد مواد غذائية لمدرسة أو ناد في فترات منتظمة([58]).
     بناءً على ما سبق، فان عقد الفندقة عقد زمني مستمر التنفيذ كما يبدو لنا، يلعب فيه الزمن دوراً هاماً، لانه هو الذي يحدد مقدار المنفعة او الخدمات المعقود عليها، حيث انه يحدد مدة الخدمة او المنفعة التي ينتظرها النزيل من صاحب الفندق وهي لا تقاس بالزمن وبالتالي معرفة مقدار الأجرة المستحقة الواجب على النزيل دفعها([59]).
الفرع الخامس: عقد الفندقة عقد غير مسمى
     بدءاً يمكننا القول بان المقصود بالعقود المسماةContrats nommes: وهي تلك العقود التي وضع المشرع لها تنظيم قانوني خاص وخصها بتسمية معينة وذلك لكثرة شيوعها بين أفراد المجتمع([60]).
     أما بالنسبة للعقود غير المسماة Contrats innommes : وهي تلك العقود التي لم يخضعها المشرع لتنظيم قانوني خاص ولم يخصها باسم معين وذلك راجع إلى أنها لم تكن معروفة وقت وضع التشريع، وهذا ما ينطبق على عقدنا - عقد الفندقة- فضلاً عن كثير من العقود الأخرى مثل عقد النشر الذي يتم بين المؤلف والناشر وعقد النزول في الفندق الذي يتم بين النزيل وصاحب الفندق، وعقد التعلم الذي يتم بين المتعلم( أو وصيه أو وليه) وبين معهد العلم([61]).
     وتبدو أهمية تقسيم العقود إلى مسماة وغير مسماة في تحديد الأحكام القانونية واجبة التطبيق على العقد([62]).
     ولا تُثار مشكلة بالنسبة للعقد المسمى حيث يرجع القاضي بخصوصه إلى الأحكام القانونية الخاصة به، فإن لم يجد ففي القواعد العامة للعقود الواردة في كتاب القانون المدني ، فان لم يجد فعن طريق القياس على اقرب العقود المسماة للعقد موضوع النزاع.
       اما بخصوص عقد الفندقة على اعتباره من العقود غير المسماة، فتبدو مهمة القاضي أكثر صعوبة حيث يجب عليه أولاً الرجوع إلى القواعد العامة للعقود مباشرة، فان لم يجد توجه إلى القواعد الخاصة بأقرب العقود المسماة عن طريق القياس، وذلك ما لم يكن هناك اتفاق أو عرف بطبيعة الحال(
     والواضح من خلال تعريف العقود غير المسماة أن عقد الفندقة يدخل في هذه الطائفة لان المشرع لم يضع له أحكاما خاصة به ولم يخصص له اسماً معيناً نعرفه من خلال هذا الاسم، ولكنه يخضع في تنظيمه للقواعد العامة باستثناء بعض النصوص الخاصة التي تنظم مسؤولية أصحاب الفنادق، والتقادم في حقوق أصحاب الفنادق، وامتياز صاحب الفندق على أمتعة النزيل([64]).
      من هنا فان الممارسات العملية التطبيقية لعقود الفندقة وما عليها من أحكام وصيغ مختلفة قد تثير المنازعات، تدعو المشرع إلى ضرورة أن يعالج تشريعياً هذا العقد بحيث يخضعه لأحكام تفصيلية تحيط به([65]).
أركان عقد الفندقة وطبيعته القانونية
     يعد عقد الفندقة من العقود الملزمة للجانبين، يستلزم توافر أركانه الثلاثة (التراضي بين طرفي عقد الفندقة ومحله والباعث الدافع لهذا التعاقد).
     وبما أن عقد الفندقة يولد التزامات متباينة ومترابطة ناتجة عن العلاقات القانونية المتشابكة بين أطرافه، يقودنا بالضرورة الى تحليل طبيعته القانونية، فهل هو عقد ينتمي إلى احد العقود المسماة حتى تطبق أحكامه عليه؟ أم أنه عقد مستقل بذاته وله أحكام وطبيعه خاصة به، وللإجابة عن ذلك كان لزاماً علينا أن نتعرض لبيان أركان عقد الفندقة ابتداءً في مطلب أول، فإذا تم ذلك، فسنبحث في الطبيعة القانونية لهذا العقد في مطلب ثان.
أركان عقد الفندقة
      يتوجب لانعقاد عقد الفندقة  توافر أركان التعاقد طبقاً للقواعد العامة، فلابد من تراضي طرفيه وهما (صاحب الفندق والنزيل)، وبما أن تراضي طرفيه ينصرف الى إنشاء التزامات عديدة فان هذه الالتزامات بدورها تحتاج الى محل تنصب عليه وباعث دافع للتعاقد.
     لذا يستوجب الخوض في معرفة هذه الأركان، وهذا ما سنبحثه في الفروع الثلاثة، الأول منه سنتناول فيه التراضي بين طرفي عقد الفندقة، أما في الفرع الثاني فسنبين المحل في عقد الفندقة، أما في الفرع الثالث فسنتحدث عن الباعث الدافع الى التعاقد.
الفرع الأول: التراضي بين طرفي عقد الفندقة
       يعتبر التراضي ركناً أساسياً في العقد، فإذا لم يوجد فان العقد لا يتم ، ويشترط لانعقاد العقد أن يصدر إيجابا يصادفه قبولاً من الطرف الأول، فالإيجاب يكون من النزيل والقبول من صاحب الفندق
     وهكذا فالتراضي، في عقد الفندقة: هو اتفاق ارادتي الطرفين المذكورين على إحداث اثر قانوني معتد به، أي توافق إرادة الموجب والموجه إليه الإيجاب بقصد إحداث الأثر القانوني المنشود من الإيجاب، ووجود التراضي يكفي لوجود العقد مع وجود الأركان الأخرى بطبيعة الحال، ولكنه لا يكفي لصحته، فلكي يكون العقد صحيحاً يجب أن يكون رضا المتعاقدين صحيحاً وغير مشوب بعيب    

     فمما تقدم ذكره، ينبغي أن نتطرق إلى مسألتين: الأولى منها هي:- وجود التراضي في عقد الفندقة والمسألة الثانية صحة هذا التراضي، وهل يحتاج الى عوامل خاصة بعقد الفندقة أم لا؟
أولاً : وجود التراضي في عقد الفندقة
     لا شك ان التراضي في هذا العقد يتم بتطابق إرادتي طرفيه، ويقصد بالإرادة أن يدرك الشخص أمر التعاقد وان يقصده وهما (صاحب الفندق والنزيل)
     وعليه يتوجب تطابق الإيجاب مع القبول على ماهية العقد، أهو عقد إقامة أم عقد إيجار، أم عقد آخر؟ وكذا يتم التطابق والتراضي على الشيء المعد للإقامة، هل هو غرفة أم جناح؟ أم غير ذلك؟ وأيضا على مدة العقد هل هو يوم أو أسبوع أو شهر أو أكثر وهكذا ، وعلى الأجرة([69]). فمثلاً هل هي عشرة دنانير في اليوم الواحد أم أكثر أم اقل من ذلك([70]).
     وهذا يعني مطابقة القبول للإيجاب تمام المطابقة، فإذا اختلف القبول عن الإيجاب بالزيادة أو النقصان أو التغير أو التعديل اعتبر ذلك رفضاً يتضمن إيجابا جديداً([71]). مما يثير في الذهن، كما هو معروف، مسار تناسخ الإيجاب، ويكون التعبير عن الإرادة باللفظ والكتابة وبالإشارة المتداولة عرفاً([72]). ومثال ذلك الموافقة الصريحة من صاحب الفندق على إعطاء الغرفة للنزيل، وكذا يكون التعبير عن الإرادة باتخاذ موقف لا تدع الظروف شكاً في دلالته على حقيقة المقصود  كترك الفندقي أحد النزلاء ينزل في إحدى الغرف دون أن يعترض فهذا الموقف دليل على انعقاد العقد (عقد الفندقة)([73]).
     ويجوز أن يكون التعبير عن الإرادة ضمنياً،إذا لم يتفق الطرفان صراحةً. ومثال ذلك بقاء النزيل في الغرفة المؤجرة بالرغم من انتهاء مدة الحجز فيكون هذا بمثابة إيجاب وقبول من النزيل وصاحب الفندق لتجديد إيجار الغرفة([74]).
    وهكذا فان التعبير عن الإرادة قد يكون تعبيراً صريحاً كما قد يكون تعبيراً ضمنياً.
    وعادةً ما ينعقد هذا العقد في صورة حجز غرفة او جناح في المنشأة الفندقية ولا يصبح الحجز نهائياً إلا بعد حصول النزيل على مستند كتابي من صاحب الفندق. ويلاحظ أن طلبات الحجز تقيد في دفتر يعد لهذا الغرض يوضح فيه تاريخ شغل الغرفة وتاريخ مغادرة النزيل لها، كذلك يصبح الاتفاق الخاص بالحجز ملزماً للطرفين ما لم يتنازل أيهما بمحض إرادته ورضاه للأخر عن جزء من حقه وبهذا يذهب البعض في الفقه المقارن إلى القول بأنه لا يجوز للنزيل أن يتنازل عن حجزه لأي شخص أخر إلا بعد حصوله على موافقة كتابية من المنشأة الفندقية يتم إثباتها بسجلات المنشأة([75]).

    بيد أن الأصل في عقد الفندقة انه يتم بين صاحب الفندق والنزيل دون أن يكون بينهم نائب أو وكيل، إلا انه أحياناً قد يتم هذا العقد بين صاحب الفندق والنزيل أو بين صاحب الفندق ونائب النزيل، ويكون عادة شركة أو إحدى شركات السفر والسياحة، وهنا ينصرف اثر العقد إلى الأصيل وليس للنائب، كما هو معلوم
     هذا، ويلاحظ وبحق، أن عقد الفندقة هو من العقود الرضائية، إذ ينعقد بمجرد تلاقي إرادتي صاحب الفندق والنزيل، فيكون لصاحب الفندق الحق في أن يقبل التعاقد مع النزيل من عدمه لأن هذا يتصل بالحرية العقدية، وهكذا فان الرفض لابد من أن يكون له مسوغ قانوني، فالفقه الفرنسي يرى أن صاحب الفندق يتحمل المسؤولية المدنية إذا رفض التعاقد مع عميل معين بدون مسوغ قانوني([77]).
     ويبدو لنا إن الواقع العملي يثبت أن الحجز في عقد الفندقة قد يتم عن طريق الهاتف، أو عن طريق التلكس، أو عبر شبكة الانترنت.
     ومما تجدر ملاحظته، أن التعبير عن الإرادة بواسطة الهاتف يعد ضمن طريقة التعبير عن الإرادة باللفظ، وهو تعبير شفهي صريح.
      وليس أبلغ في الدلالة، على كون التعبير عن الإرادة باستخدام التلكس اقرب ما يكون الى الكتابة على الآلة الطابعة حيث يترك التلكس أثراً مادياً، وهو عبارة عن نبضات (الكترونية).
     هذا وان مفهوم التعاقد عبر شبكة الانترنت يقترب جداً من مفهوم التعاقد عن طريق الهاتف، فالتعاقد عن طريق الكومبيوتر هو تعاقد بين حاضرين من حيث الزمان وما بين غائبين من حيث المكان([79]). ولعل التعاقد لا يتم إلا اذا كان هناك وسيلة اتصال بين هذه الأجهزة الالكترونية أي وجود شبكة كومبيوتر يستطيع المشترك في تلك الشبكة الاتصال مباشرة مع أي مشترك أخر يمتلك الجهاز ذاته وفقاً لرقم أو إشارة أو كلمة معينة([80]).
     ومن هنا فان عقد الفندقة ينعقد أيضا إذا تم بأحد هذه الوسائل المذكورة، أي متى تبادل الطرفان التعبير عن إرادتهما ومتى تطابق الإيجاب مع القبول، انعقد العقد وأصبح باتاً ملزماً لطرفيه(صاحب الفندق والنزيل). ويلاحظ أحياناً أن يدفع النزيل مبلغاً من المال عند إبرام عقد الفندقة ويسمى هذا المبلغ العربون فإذا عدل النزيل عن الإقامة في الفندق بعد دفعه العربون يضيع أو وجب عليه تركه، هذا وإذا كان صاحب الفندق هو الذي عدل فانه يلزم برد العربون ومعه مبلغ مساوٍ
     وبناءً على ذلك، إن لم يعدل احد الطرفين عن عقد الفندقة أصبح العقد باتاً، وأعتبر دفع العربون تنفيذاً جزئياً لهذا العقد
عقد الفندقة عقد وديعة Deposit Contract
     يذهب جانب اخر من الفقه إلى القول، بأنه يمكن تحديد الطبيعة القانونية لعقد الفندقة على أنّه عقد وديعة، نظراً لوجود التقارب بين أحكام العقدين(
     ويتبن لنا من خلال التعريف ، بان الوديعة هي عقد رضائي ملزم لجانب واحد إذا كان بدون اجر، يلتزم به المودع لديه بحفظ الأشياء المودعة لديه([137]).
     ويتوجب أن يكون الالتزام بحفظ الشيء المودع هو الغرض الأساسي من عقد الوديعة([138]).
      اذ بينت بان صاحب الفندق انما هو مودع لديه وقد استؤمن ولو باجرة، على تلكم الأشياء والمتعلقات للنزيل، وهو بذلك -صاحب الفندق- مسؤول مسؤولية تعاقدية عن الأضرار التي قد تلحق بالنزيل في كل ما يرتبط بعلاقته بالنزيل.

      من الواضح أن كلاً من النصين قد شددا على مسؤولية صاحب الفندق بحيث يكونا مسؤولين عن كل فعل رائح أو غاد في الفندق.
     وفي الوقت ذاته يتوجب على النزيل أن يخطر صاحب الفندق بسرقة الشيء أو ضياعه أو تلفه متى علم بذلك([141]).
     حيث يحدث أحيانا أن يقوم صاحب الفندق بإعفاء نفسه من المسؤولية ويتم الإعفاء أما قبل العقد أو خلال انعقاد العقد، وهنا يستلزم من الأخير، أن يجلب انتباه النزيل لذلك وإشعاره بفقرة الإعفاء من المسؤولية، وفي هذا الشأن صدر الحكم في القضية: [ Olley V.Marlborough Court ltd (1949) ]حيث ذهبت المدعية وزوجها إلى أحد الفنادق للإقامة فيه مدة أسبوع وقد دفعا قيمة المأكل والمسكن مقدماً، وعند صعودهما الى غرفتيهما لاحظا لافتة معلقة على احد جدران الغرفة تقول(أن أصحاب الفنادق لا يعدون أنفسهم مسؤولين عن الأشياء التي تفقد أو تسرق إلا إذا كانت قد سلمت إلى المديرين لإيداعها في مكان أمين)، وبسبب إهمال موظفي الفندق تسلل لص إلى غرفة المدعية وزوجها أثناء غيابهما وسرق قسماً من ممتلكاتهما.
    فحكم من قبل محكمة الاستئناف، بان اللافتة المعلقة في الغرفة لا تعد جزءً من العقد، لان العقد قد تم قبل أن يصعد الزوجان الى غرفتيهما، وعليه يكون المدعي عليه مسؤولاً عن الفقدان([142]).
     وهذا يعني أن صاحب الفندق كالمودع في عقد الوديعة فانه يلتزم بحفظ أمتعة النزلاء، وهذا هو ما حدا بالفقه  كما يبدو، أن يذهب إلى القول: بان عقد الفندقة عقد وديعة، ولكن هذا الاتجاه لم يسلم من النقد ، نظراً لكون الالتزام الرئيسي في عقد الوديعة هو قيام المودع بحفظ الأشياء المودعة، إذاً لا توجد وديعة اذا لم يكن هناك التزام عقدي بالحفظ.
     بيد أن الالتزام الرئيسي في عقد الفندقة، هو إعداد وتهيئة المكان الذي يقيم فيه النزيل وكذا يلتزم بالتزامات اخرى من بينها التزامه بحفظ أمتعة النزلاء، وهذا يعني أن التزام صاحب الفندق بحفظ الأمتعة هو التزام ثانوي وليس رئيسي، ذلك أن النزيل عند نزوله في فندق ما، فانه من الطبيعي إن يجلب معه أمتعته ومتعلقاته الشخصية التي قد يحتاجها خلال فترة إقامته([143]).
          وفي واقع الحال أن هذين العنصرين لا يوجدان باستمرار في عقد الفندقة، هذا وأن أجهزة النشر ووسائل الاتصال ووكالات السفر والسياحة تسمح للنزيل او المسافر باختيار المكان الذي يريد الذهاب إليه([144]).
     وإذا أمعنا النظر في الوديعة الاضطرارية، نجد أن للمودع لديه مطلق الحرية في قبول الوديعة أو رفضها وهذا يتفق مع مبدأ رضائية العقود، بيد أن هذا الأمر يختلف في عقدنا هذا فصاحب الفندق لا يملك رفض الوديعة الفندقية، إذ إنها جزء لا يتجزأ من عقد الفندقة([145]).
الفرع الرابع: عقد الفندقة عقد مقاولة
     يتجه جانب من الفقه، للاعتقاد، بان عمل صاحب الفندق يعد مقاولةً، وخاصة في التزامه بعمل معين في مواجهة النزيل([146]).
     نظراً لكون عقد المقاولة عقداً يتعهد فيه احد طرفيه أن يصنع شيئاً أو يؤدي عملاً، بمقابل اجر يتعهد به الطرف الأخر([147]).
     والجدير بالملاحظة، أن الالتزام الرئيسي في عقد المقاولة هو أن يؤدي عملاً أو يصنع شيئاً([148]).
     من هنا، فان السؤال الذي ينقدح في الذهن هو: ما الذي حدا بالفقه إلى أن يكيف عقد الفندقة على انه عقد مقاولة؟ وللإجابة عن هذا التساؤل يمكن القول: نظراً للخدمات التي تقدم من صاحب الفندق للنزيل كخدمات البريد، والاتصالات، والغسيل، وغير ذلك من الخدمات الأخرى، فان صاحب الفندق يلتزم بالقيام بعمل معين في مواجهة النزيل يتمثل هذا العمل بمجموعة من الاداءات التي يلتزم بها صاحب الفندق، وتأسيساً على ذلك، فعقد صاحب الفندق مع النزيل هو عقد مقاولة، ولكنه مقاولة من نوع خاص([149]).
     بيد أن عقد الفندقة يتضمن طائفة من الالتزامات لا توجد في عقد المقاولة فمثلاً يلتزم صاحب الفندق بضمان سلامة نزيله، وهذا الالتزام تشير اليه وتؤكده محكمة بوردو الفرنسية في حكمها:
     حيث قضت أن نادي الإجازاتClub devacances  يعتبر في حكم صاحب الفندق، ويكون مسؤولاً عن واقعة غرق احد أعضائه في حمام السباحة،على الرغم من حصوله على إذن من المدرب المسؤول بينما كان الحمام في غاية من الخطورة، وكذا اعتبر مسؤولاً أيضا عن غرف اثنين آخرين من الأعضاء حاولا إنقاذ الأول([150]).
الفرع الخامس: عقد الفندقة عقد إذعان
     في الأصل أن المتعاقد يملك حرية مناقشة شروط التعاقد، حيث تخضع العملية التعاقدية لمبدأ المساومة من التفاوض والإبرام Conclusion ، أما الآن وبعد اتساع دائرة النشاط الاقتصادي وظهور المشروعات والشركات الاحتكارية، أصبح احد المتعاقدين يستقل غالباً بوضع شروط التعاقد مقدماً وبشكل لا يسمح بقبول المناقشة فيها من الطرف الأخر، حيث يقتصر دور الأخير أما على قبول الصفقة كلها برمتها وأما إن يرفض دون إن يكون له الحق في تعديلها([151]).
     وغالباً ما يضطر المتعاقد الأخر إلى هذا القبول لتعلق موضوع التعاقد بسلع ضرورية او بمرفق أساسي لا غنى عنه وتلك هي عقود الإذعان ، ومثالها عقود النقل التي تبرمها هيئة السكك الحديد والعقود الخاصة بتوريد الكهرباء والمياه والغاز... الخ([152]).
     وعليه يمكن ان يوصف عقد الفندقة من عقود الإذعان، وذلك عندما يسلم فيه احد طرفيه بالشروط التي يمليها عليه المتعاقد الأخر، وليس أمام الطرف المذعن إلا القبول بالشروط التي تعرض عليه، ولا يسمح له من الناحية القانونية والعملية مناقشة هذه الشروط، وأما أن يقبلها كلها فيتم العقد، وأما أنها لا تحضى بقبوله فلا ينعقد العقد([153]).

     والقبول في هذه العقود إنما هو إذعان من القابل لإرادة الموجب ، فالموجب يعرض إيجابه بشكل نهائي لا يقبل فيه مناقشة ولا يسع الطرف الأخر إلا إن يقبل فهو مضطر للقبول لحاجته للعقد([154]).
     ويقال لهذه العقود في الفرنسية(عقود الانضمام) لان من يقبل العقد إنما ينظم إليه دون إن يناقش شروطه، فقد ترجم الأستاذ الدكتور السنهوري هذه التسمية بـ(عقود الإذعان) لما يشعر به هذا التعبير من معنى الاضطرار في القبول، والتي لاقت هذه التسمية رواجاً كبيراً لدى فقهاء القانون ورجال القضاء([155]).
     ويبدو لنا أن عقد الفندقة هو عقد إذعان، وذلك كون (النزيل) وهو الطرف المذعن ليس له إلا التسليم والقبول بالشروط التي يضعها الطرف القوي والمتمثل بصاحب الفندق أو تضعها المنشأة  الفندقية دون أن يكون له حق المناقشة والتعديل لهذه الشروط فعلى سبيل المثال فان اجر الغرفة في اليوم الواحد ثابت للجميع ولا مجال للمساومة([156]).هذا وقد
     ولكن حتى لا يضار الطرف المذعن في عقود الإذعان فقد وضعت المادة/ 149 من القانون المدني الحماية التشريعية الخاصة والعامة لكافة عقود الإذعان([157]). حيث نصت هذه المادة على أنه ((إذا تم العقد بطريق الإذعان وكان قد تضمن شروطاً تعسفية جاز للقاضي إن يعدل هذه الشروط أو أن يعفي  الطرف المذعن سواء أكان دائناً أو مديناً، ... ويقع باطلاً كل اتفاق خلاف ذلك)).
الفرع السادس: عقد الفندقة عقد سياحي Tourist Contract
     من جانب آخر، يمكن القول بان عقد الفندقة عقد سياحي، فالعقد السياحي: هو العقد الذي يبرم بين وكالتين للسفر والسياحة احدهما وطنية والأخرى أجنبية، تقوم فيه الأولى بدور الوكيل المنظم، حيث تتولى إعداد برنامج الرحلة والإعلان عنه وإرساله إلى وكالة السياحة الأجنبية التي تقوم بتوزيع البرنامج والدعاية له والتعاقد مع النزلاء.
     ويشمل إضافة إلى العقد المبرم بين وكالتين للسفر والسياحة، أيضاً العقد المبرم بين وكالة السفر والسياحة والنزيل، سواء كان وطنياً أم أجنبياً، ويتعلق بتقديم خدمات سياحية سواء بناء على تنظيم مسبق من وكالة السفر والسياحة أو اقتراح من النزيل.

     وعليه فالعقد السياحي، قد يبرم بين وكالتين للسفر والسياحة وقد يبرم بين وكالة السفر والسياحة والنزيل مباشرة([158]).
     ومما تجدر الإشارة إليه، أن هناك خصائصاً يشترك بها العقدان  فكلاهما من العقود الرضائية، وكذا من العقود التجارية، بالنسبة لصاحب الفندق في عقد الفندقة أو وكالة السفر والسياحة في العقد السياحي([160]).
     ومن جانب أخر، فان العقد السياحي تتعدد فيه العلاقات القانونية بحيث لا تتعامل وكالة السفر والسياحة شأنها في ذلك شأن المنشأة الفندقية مع النزيل فحسب، بل مع وكالات السفر والسياحة الأخرى، وشركات النقل، والفنادق، والمطاعم. والحال كذلك بالنسبة للمنشات الفندقية، فهي تتعامل مع النزيل مباشرة أو عن طريق وكالات السفر والسياحة، وكذا تتعامل مع شركات النقل وموردي الأغذية وغيره([161]).
     يبدو لنا، أن لا محل لاعتبار عقد الفندقة عقداً سياحياً وذلك كون عقد الفندقة الهدف منه ينصب على الإقامة، بيد أن العقد السياحي الهدف منه ينصب على الرحلة Flight هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فان الطبيعة القانونية لعقد الفندقة هو عقد مركب(ذو طبيعة خاصة) كما سنرى لاحقاً، بينما العقد السياحي طبيعته القانونية تختلف بحسب الدور الذي تقوم به وكالة السفر والسياحة، فهي تارة تقوم بدور وكالة وتارة بدور نقل وتارة أخرى دورها مقاولة]).
 المسؤولية في عقد الفندقة
      تثير العلاقة الناشئة في عقد الفندقة بين صاحب الفندق والنزيل العديد من المشاكل، لذا فإن الاهتمام بهذا العقد قد تصاعد وتزايد للحاجة الضرورية والأكيدة إليه، على النحو الذي يوجب تقرير المسؤولية، وذلك لتوفير الحماية اللازمة لهذا العقد ليتم تنفيذه بشكل دقيق وسليم وبكل بنوده التعاقدية، حيث أن المسؤولية تهدف الى جبر الضرر للمتضرر وتحقيق الردع بالنسبة للغير]).

      وبهذا فإن التصدي لموضوع المسؤولية في عقد الفندقة يتطلب عرض التعريف بالمسؤولية وبيان أركانها في مطلب أول، بينما يُعقد المطلب الثاني لبيان التعويض عن المسؤولية ووسائل دفعها.

Post a Comment

Previous Post Next Post