اهمية القناعة في حياتنا
فوائد القناعة
تعريف القناعة لغة واصطلاحا
مفهوم القناعة في الاسلام
آثار القناعة
فوائد القناعة 
فوائد القناعة

1_ إنّ القناعة مع الجدّ والطموح دليل على الإيمان الصادق والثقة بالنفس , أما القناعة التي يندرج تحتها الخمول والكسل فهي مذمومة يرفضها الإسلام. كالطالب المؤمن المجتهد ويطمح بمعدّل عال ٍ عند التخرّج فهذا مؤّيّد من الله " يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ " , والطالب الكسول غير المجتهد فيسعى للغش ليعوّض نقصه عند الامتحان ناسياً قوله صلى الله عليه وسلم: (منْ غشّ فليس منا ).

2_ لأنها تُزيّن المعروض في أعين الناس لدرجة أنها تقنعه أنّ ما لديه لا يعمل وسيبطل عند طرح المنتج الجديد في الأسواق فيبادر إلى رمي ما لديه ويشتري الجديد بأغلى سعر ليجاري الواقع ونظرة الناس. كالهاتف الجوّال والسيارة والمنزل والكمبيوتر....الخ.
ص62 :
3_ 1- الإيمان الصادق بأنّ الله تعالى هو الرزاق وأنه مالك الملك يؤتي الملك مَن يشاء.
2- نعمة الرزق مقدّرة من الله وفيها حق للغير, من تواضع لله وحق صدقة لدوامها وبركتها وإن قلت.
3- تحديد الحاجات الضرورية للإنسان عن التحسينية والكمالية أولاً بأول بعداً عن إنفاق الفساد والإسراف.
فمثلاً ساعة اليد لتحديد الوقت ولا يهم إن كانت عادية بسيطة وأصلية أو مرصّعة بالماس والذهب , ولا يهم الشكل إنْ كانت مربعة أو دائرية أو بيضوية ولا اللون , فساعة المائة درهم تؤدي وظيفة ساعة المليون درهم.

4_ ليس هناك أيّ تعارض فالقناعة هي الرضا بما لديك دون تمني ما عند الغير, والغنى نعمة من الله وابتلاء , والإسلام يدعو إلى العمل والنماء في كسب والعبادة , فنعم العبد الغني المؤمن القنوع في الدنيا والآخرة, وبئس العبد الغنيّ الطماع الذي سيخسر الدنيا والآخرة.
إن للقناعة فوائد كثيرة تعود على المرء بالسعادة والراحة والأمن والطمأنينة في الدنيا، ومن تلك الفوائد:
1- امتلاء القلب بالإيمان بالله- سبحانه تعالى- والثقة به، والرضى بما قدر وقَسَم، وقوة اليقين بما عنده- سبحانه وتعالى- ذلك أن من قنع برزقه فإنما هو مؤمن ومتيقن بأن الله- تعالى- قد ضمن أرزاق العباد وقسمها بينهم حتى ولو كان ذلك القانع لا يملك شيئًا.
يقول ابن مسعود "إن أرجى ما أكون للرزق إذا قالوا: ليس في البيت دقيق ".
وقال الإمام أحمد - رحمه اللّه تعالى-: "أسرُّ أيامي إليَّ يوم أصبح وليس عندي شيء ".
وقال الفضيل بن عياض - رحمه اللّه تعالى-: "أصل الزهد الرضى من الله ".
وقال أيضًا: "القُنُوع هو الزهد وهو الغنى".
وقال الحسن - رحمه الله تعالى-: "إن من ضعف يقينك أن تكون بما في يدك أوثق
- تحقيق شكر المنعم- سبحانه وتعالى- ذلك أن من قنع برزقه شكر اللّه- تعالى- عليه، ومن تقالّه قصَّر في الشكر، وربما جزع وتسخط- والعياذ بالله- ولذا قال النبي {كن ورعا تكن أعبد الناس، وكن قنعًا تكن أشكر الناس }( ) ( ) .
ومن تسخط من رزقه فإنما هو يسخط على من رزقه، ومن شكا قلّته للخلق فإنما هو يشكو خالقه- سبحانه وتعالى- للخلق. وقد شكا رجل إلى قوم ضيقًا في رزقه فقال له بعضهم: "شكوت من يرحمك إلى من لا يرحمك" ( ) .
4- الفلاح والبشرى لمن قنع: فعن فضالة بن عبيد أنه سمع رسول الله يقول: "طوبى لمن هدي إلى الإسلام، وكان عيشه كفافًا، وقنع"( ) وعن عبد اللّه بن عمرو - رضي الله عنهما- أن رسول الله قال: {قد أفلح من أسلم ورزق كفافًا، وقنعه اللّه بما آتاه}( ) ( ) .
5- الوقاية من الذنوب التي تفتك بالقلب وتذهب الحسنات:
كالحسد، والغيبة، والنميمة، والكذب، وغيرها من الخصال الذميمة والآثام العظيمة؛ ذلك أن الحامل على الوقوع في كثير من تلك الكبائر غالبًا ما يكون استجلاب دنيا أو دفع نقصها. فمن قنع برزقه لا يحتاج إلى ذلك الإثم، ولا يداخل قلبه حسد لإخوانه على ما أوتوا؛ لأنه رضي بما قسم له.
قال ابن مسعود : "اليقين ألا ترضي الناس بسخط الله؛ ولا تحسد أحدًا على رزق الله، ولا تلم أحدًا على ما لم يؤتك الله؛ فإن الرزق لا يسوقه حرص حريص، ولا يرده كراهة كاره؛ فإن الله تبارك وتعالى- بقسطه وعلمه وحكمته جعل الرَّوْح( ) والفرح في اليقين والرضى، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط"( ).
وقال بعض الحكماء: "وجدت أطول الناس غما الحسود، وأهنأهم عيشًا القنوع"( ).
6- حقيقة الغنى في القناعة: ولذا رزقها الله- تعالى- نبيه محمدا وامتن عليه بها فقال- تعالى- {   }( ) [الضحى: 8]. فقد نزلها بعض العلماء على غنى النفس؛ لأن الآية مكية، ولا يخفى ما كان فيه النبي قبل أن تفتح عليه خيبر وغيرها من قلة المال( ).
وذهب بعض المفسرين إلى أن الله- تعالى- جمع له الغنائين: غنى القلب، وغنى المال بما يسر له من تجارة خديجة.
وقد بين- عليه الصلاة والسلام- أن حقيقة الغنى غنى القلب فقال {ليس الغنى عن كثرة العَرَض ولكن الغنى غنى النفس}( ) ( ).
وعن أبي ذر قال: قال رسول اللّه {يا أبا ذر، أترى كثرة المال هو الغنى؟  قلت: نعم يا رسول الله، قال: "فترى قلة المال هو الفقر؟ " قلت: نعم يا رسول اللّه. قال: إنما الغنى غنى القلب، والفقر فقر القلب}. الحديث ( ) .
 وتلك حقيقة لا مرية فيها؛ فكم من غني عنده من المال ما يكفيه وولدَه، ولو عُمِّر ألف سنة؛ يخاطر بدينه وصحته، ويضحي بوقته يريد المزيد! وكم من فقير يرى أنه أغنى الناس؛ وهو لا يجد قوت غدِه! فالعلة في القلوب: رضًى وجزعًا، واتساعًا وضيقًا، وليست في الفقر والغنى.
ولأهمية غنى القلب في صلاح العبد قام عمر بن الخطاب خطيبًا في الناس على المنبر يقول: "إن الطمع فقر، لان اليأس غنى، وإن الإنسان إذا أيس من الشيء استغنى عنه"( ) .
وأوصى سعد بن أبي وقاص ابنه فقال: "يا بني، إذا طلبت الغنى فاطلبه بالقناعة؛ فإنها مال لا ينفد" ( ).
وسئل أبو حازم فقيل له: "ما مالك؟" قال: "لي مالان لا أخشى معهما الفقر: الثقة باللّه، واليأس مما في أيدي الناس" ( ) .
وقيل لبعض الحكماء: "ما الغنى؟" قال: "قلة تمنيك، ورضاك بما يكفيك" ( ).
7- العز في القناعة، والذل في الطمع: ذلك أن القانع لا يحتاج إلى الناس فلا يزال عزيزًا بينهم، والطماع يذل نفسه من أجل المزيد؛ ولذا جاء في حديث سهل بن سعد مرفوعًا: {شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس} ( ) .
وكان محمد بن واسع - رحمه اللّه تعالى- يبل الخبز اليابس بالماء ويأكله ويقول: "من قنع بهذا لم يحتج إلى أحد" ( ).
وقال الحسن - رحمه الله تعالى- : "لا تزال كريمًا على الناس، ولا يزال الناس يكرمونك ما لم تَعَاطَ ما في أيديهم، فإذا فعلت ذلك استخفوا بك وكرهوا حديثك وأبغضوك" ( )
وقال الحافظ ابن رجب - رحمه الله-: "وقد تكاثرت الأحاديث عن النبي بالأمر بالاستعفاف عن مسألة الناس، والاستغناء عنهم؛ فمن سأل الناس ما بأيدهم كرهوه وأبغضوه؛ لأن المال محبوب لنفوس بني آم، فمن طلب منهم ما يحبونه كرهوه لذلك " ( )
والإمامة في الدين، والسيادة والرفعة لا يحصلها المرء إلا إذا استغنى عن الناس، واحتاج الناس إليه في العلم والفتوى والوعظ.
قال أعرابي لأهل البصرة: "من سيد أهل هذه القرية؟" قالوا: " الحسن "، قال: "بم سادهم؟" قالوا: "احتاج الناس إلى علمه، واستغنى هو عن دنياهم" ( )

أسباب تحول دون القناعة
ذكر الماوردي - رحمه الله تعالى- الأسباب التي تمنع القناعة بالكفاية، وتدعو إلى طلب الزيادة وهي- على سبيل الاختصار-:
1- منازعة الشهوات التي لا تنال إلا بزيادة المال وكثرة المادة، فإذا نازعته الشهوة طلب من المال ما يوصله إليها، وليس للشهوات حد متناهٍ، فيصير ذلك ذريعة إلى أن ما يطلبه من الزيادة غير متناه، ومن لم يتَناهَ طلبه، استدام كده وتعبه، فلم يفِ التذاذه بنيل شهواته بما يعانيه من استدامة كده وأتعابه، مع ما قد لزمه من ذم الانقياد لمغالبة الشهوات، والتعرض لاكتساب التبعات، حتى يصير كالبهيمة التي قد انصرف طلبها إلى ما تدعو إليه شهوتها فلا تنزجر عنه بعقل، ولا تنكف عنه بقناعة.
2- أن يطلب الزيادة ويلتمس الكثرة ليصرفها في وجوه الخير، ويتقرب بها في جهات البر، ويصطنع بها المعروف، ويغيث بها الملهوف؛ فهذا أعذر، وبالحمد أحرى وأجدر، متى ما اتقى الحرام والشبهات، وأنفق في وجوه البر؛ لأن المال آلة المكارم وعون على الدين، ومتألف للإخوان. قال قيس بن سعد: "اللهم ارزقني حمدًا ومجدًا؛ فإنه لا حمد إلا بفعال، ولا مجد إلا بمال". وقيل لأبي الزناد: "لم تحب الدراهم وهي تدنيك من الدنيا؟ فقال: هي وإن أدنتني منها فقد صانتني عنها". وقال بعض الحكماء: "من أصلح ماله فقد صان الأكرمين: الدين والعرض ".
3- أن يطلب الزيادة ويقتني الأموال ليدخرها لولده، ويخلفها لورثته، مع شدة ضنه على نفسه، وكفه عن صرف ذلك في حقه، وإشفاقًا عليهم من كدح الطلب، وسوء المنقلب. وهذا شقي بجمعها، مأخوذ بوزرها، قد استحق اللوم من وجوه لا تخفى على ذي لب، منها:
أ- سوء ظنه بخالقه: أنه لا يرزقهم إلا من جهته.
ب- الثقة ببقاء ذلك على ولده مع نوائب الزمان ومصائبه.
ج- ما حُرم من منافع ماله، وسلب من وفور حاله، وقد قيل: "إنما مالك لك أو للوارث أو للجائحة؛ فلا تكن أشقى الثلاثة".
د- ما لحقه من شقاء جمعه، وناله من عناء كده حتى صار ساعيًا محرومًا، وجاهدا مذمومًا.
هـ- ما يؤاخذ به من وزره وآثامه، ويحاسب عليه من تبعاته وإجرامه. وقد حُكي أن هشام بن عبد الملك لما ثَقَل بكى ولده عليه، فقال هلمَّ: "جاد لكم هشام بالدنيا وجِدْتُم عليه بالبكاء، وترك لكم ما كسب، وتركتم عليه ما اكتسب، ما أسوأ حال هشام إن لم يغفر الله له!" وقال رجل للحسن - رحمه الله تعالى-: "إني أخاف الموت وأكرهه، فقال: إنك خلفت مالك، ولو قدّمته لَسَرك اللحاق به ".
4- أن يجمع المال ويطلب المكاثرة استحلاء لجمعه، وشغفا باحتجانه، فهذا أسوأ الناس حالا فيه، وأشدهم حرمانا له، قد توجهت إليه سائر الملاوم،

السبيل إلى القناعة
التزام القناعة عسير على بني آدم- إلا من وفقه اللّه للهدى وكفاه شر نفسه وشحها وطمعها- لأن بني آدم مفطورون على محبة التملك والتمون؛ ولكن مجاهدة النفس مطلوبة لتخفيف طمعها وتقريبها من الزهد والقناعة. ولذلك طرق إذا سلكها العبد مع إخلاصه تحققت له القناعة بإذن الله تعالى، فمن ذلك:
1- تقوية الإيمان بالله تعالى، وترويض القلب على القناعة والغنى؛ فإن حقيقة الفقر والغنى تكون في القلب؛ فمن كان غني القلب نعم بالسعادة وتحلى بالرضى، وإن كان لا يجد قوت يومه، ومن كان فقير القلب؛ فإنه لو ملك الأرض ومن عليها إلا درهما واحدا لرأى أن غناه في ذلك الدرهم؛ فلا يزال فقيرًا حتى يناله.
2- اليقين بأن الرزق مكتوب والإنسان في رحم أمه، كما في حديث ابن مسعود وفيه: "ثم يبعث إليه الملك فيؤذن بأربع كلمات، فيكتب: رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد " ( ) فالعبد مأمور بالسعي والاكتساب مع اليقين بأن الله هو الرازق وأن رزقه مكتوب.
3- تدبر آيات القرآن العظيم ولا سيما الآيات التي تتحدث عن قضية الرزق والاكتساب. يقول عامر بن عبد قيس: "أربع آيات من كتاب الله إذا قرأتهن مساء لم أبال على ما أمسي، وإذا تلوتهن صباحًا لم أبال على ما أصبح
5- الإكثار من سؤال اللّه- سبحانه وتعالى- القناعة، والإلحاح بالدعاء في ذلك فنبينا محمد وهو أكثر الناس قناعة وزهدًا ورضى، وأقواهم إيمانًا ويقينًا؛ كان يسأل ربه القناعة. فعن ابن عباس - رضي الله عنهما- أن رسول الله كان يدعو: {اللهم قنعني بما رزقتني، وبارك لي فيه، واخلف على كل غائبة لي بخير } ( )
ولأجل قناعته فإنه ما كان يسأل ربه إلا الكفاف من العيش، والقليل من الدنيا كما قال- عليه الصلاة والسلام-: { اللهم اجعل رزق آل محمد قوتًا }( ) ( ).
6- العلم بأن الرزق لا يخضع لمقاييس البشر من قوة الذكاء، وكثرة الحركة، وسعة المعارف، وإن كان بعضها أسبابًا؛ إلا أن الرزق ليس معلقًا بها بالضرورة. وهذا يجعل العبد أكثر قناعة خاصة عندما يرى من هو أقل منه خبرة وذكاء أو غير ذلك وأكثر منه رزقا فلا يحسده ولا يتبرم من رزقه.
7- النظر إلى حال من هو أقل منك في أمور الدنيا، وعدم النظر إلى من هو فوقك فيها؛ ولذا قال النبي {انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة اللّه}( ) ( ) ،في لفظ آخر قال- عليه الصلاة والسلام-: {إذا رأى أحدكم من فوقه في المال والحسب فلينظر إلى من هو دونه في المال والحسب}( )
وليس في الدنيا أحد لا يجد من هو أفضل منه في شيء، ومن هو أقل منه في أشياء؛ فإن كنت فقيرا ففي الناس من هو أفقر منك! وإن كنت مريضًا أو معذبا ففيهم من هو أشد منك مرضا وأكثر تعذيبًا، فلماذا ترتفع رأسك لتنظر من هو فوقك، ولا تخفضه لتبصر من هو تحتك؟!
إن كنت تعرف من نال من المال والجاه ما لم تنله أنت وهو دونك ذكاءً ومعرفة وخلقًا، فلم لا تذكر من أنت دونه أو مثله في ذلك كله وهو لم ينل بعض ما نلت؟! ( )
8- قراءة سير السلف الصالح وأحوالهم مع الدنيا، وزهدهم فيها، وقناعتهم بالقليل منها، وهم قد أدركوا الكثير منها فرفضوه إيثارا للباقية على العاجلة. وعلى رأسهم محمد وإخوانه من الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- ثم الصحابة الكرام- رضي اللّه عنهم- والتابعون لهم بإحسان؛ فإن معرفة أحوالهم، وكيف كانت حياتهم ومعيشتهم تحفز العبد إلى التأسي بهم، وترغبه في الآخرة، وتقلل عنده زخرف الحياة الدنيا ومُتَعِها الزائلة.
9- العلم بأن عاقبة الغنى شر ووبال على صاحبه إذا لم يكن الاكتساب والصرف منه بالطرق المشروعة، وقد قال النبي :{ لا تزول قدما عبد حتى يسأل: عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم فعل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه}( ) ( ) . فمشكلة المال أن الحساب عليه من جهتين: جهة الاكتساب ثم جهة الإنفاق، وهذا ما يجعل تبعته عظيمة، وعاقبته وخيمة إلا من اتقى اللّه فيه وراعى حدود الله اكتسابًا وإنفاقًا.
ثم ليتفكر في أنه كلما تَخفف من هذا المال وكان أقل كان حسابه أيسر، وأسرع، وذلك كمن سافر في الطائرة وحمل متاعا كثيرًا؛ فإنه إذا بلغ مقصده احتاج وقتًا طويلًا لاستلامه وتفتيشه بخلاف من كان خفيفًا ليس معه شيء، وحساب الآخرة أعسر، والوقوف فيها أطول.
ولينظر أيضا إلى من كان المال والجاه سبب شقائه وأمراضه وهمومه وغمومه؛ فهو يشقى ويتعب في جمع المال ونيل المناصب، ثم يحمل هم الحفاظ على المال والمنصب فيقضي عمره مهتمًا مغتما.
ثم انظر ماذا يحدث له إذا خسر ماله أو أقيل من منصبه! وكم من شخص كان ذلك سببا في هلاكه وعطبه! نسأل الله العافية.
10- النظر في التفاوت البسيط بين الغني والفقير على وجه التحقيق؛ فالغني لا ينتفع إلا بالقليل من ماله، وهو ما يسد حاجته. وما فَضَلَ عن ذلك فليس له، وإن كان يملكه. فلو نظرنا إلى أغنى رجل في العالم لا نجد أنه يستطيع أن يأكل من الطعام أكثر مما يأكل متوسط الحال أو الفقير؛ بل ربما كان الفقير أكثر منه!!
وبعبارة أخرى: هل يستطيع الغني أن يشتري مائة وجبة فيأكلها في آن واحد، أو مائة ثوب فيلبسها في آن واحد؛ أو ألف مركبة فيركبها في آن واحد؛ أو مائة دار فيسكنها في وقت واحد؟! كلا؛ بل له من الطعام في اليوم ثلاث وجبات تزيد قليلًا أو تنقص، وللمستور كذلك مثله، وله من اللباس ثلاث قطع تزيد قليلًا أو تنقص، ولا يستهلك من الأرض في وقت واحد إلا مترا في مترين سواء كان قائما أم قاعدا أم مضطجعًا، فعلامَ يحسد وهو سيحاسب على كل ما يملك؟!
وقد فهم هذا المعنى حكيم هذه الأمة أبو الدرداء حينما قال: "أهل الأموال يأكلون ونأكل، ويشربون ونشرب، ويلبسون ونلبس، ويركبون ونركب، ولهم فضول أموال ينظرون إليها وننظر إليها معهم، وحسابهم عليها ونحن منها برَاء". وقال أيضًا: "الحمد للّه الذي جعل الأغنياء يتمنون أنهم مثلنا عند الموت، ولا نتمنى أننا مثلهم حينئذ، ما أنصفنا إخواننا الأغنياء: يحبوننا على الدين، ويعادوننا على الدنيا" ( )
بل جاء هذا المعنى في السنة النبوية، قال عبد الله بن الشخير { أتيت النبي وهو يقرأ: {  }( ) يقول: "يقول ابن آدم: مالي مالي! وهل لك يا ابن آم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت؟ }( ).
إن القانع قد لا ينال من الطعام أطيبه، ولا من اللباس أحسنه، ولا من العيش أرغده؛ ولكنه ينعم بالرضى أكثر من الطماع وإن كان الطماع أرغد عيشا منه؛ لأن القانع ينظر إلى الموسر وما يملك، فيراه لا ينتفع إلا بقليل مما يملك؛ لكنه سيحاسب عن كل ما يملك.
ثم ليعلم العاقل أن كل حال إلى زوال، فلا يفرح غني حتى يطغى ويبطر، ولا ييأس فقير حتى يعصي ويكفر، فإنه لا فقر يدوم ولا غنى يدوم!! وكم من رجال نشؤوا على فرش حرير وشربوا بكؤوس الذهب، وورثوا كنوز المال، وأذلوا أعناق الرجال، وتعبدوا الأحرار! فما ماتوا حتى اشتهوا فراشًا خشنا يقي الجنب عض الأرض، ورغيفًا من خبز يحمي البطن من قرص الجوع!! وآخرون قاسوا المحن البلايا، وذاقوا الألم والحرمان، وطووا الليالي بلا طعام! فما ماتوا حتى ازدحمت عليهم النعم، وتكاثرت الخيرات، وصاروا من سراة الناس!! وسيسوي الموت بين الأحياء جميعا: الغني والفقير؛ فدود الأرض لا يفرق بين المالك والأجير، ولا بين الصعلوك والأمير ولا بين الكبير والصغير، فلا يجزع فقير بفقره، ولا يبطر غني بغناه( ) وما أجمل القناعة! من التزمها نال السعادة، وما أحوج أهل العلم والدعوة للتحلي بها؛ حتى يكونوا أعلام هدى ومصابيح دجى. ولو تحلى بها العامة لزالت منهم الضغائن. والأحقاد، وحفت بينهم الألفة والمودة؛ إذ أكثر أسباب الخلاف والشقاق بين الناس بسبب الدنيا والتنافس عليها، وما ضعف الدين في القلوب إلا من مزاحمة الدنيا له، وصدق رسول الله حينما قال: {والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تبسط الدنيا عليكم؛ كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم}( ) ( ) فهل من مدّكر؟ وهل من معتبر يجعل ما يملك من دنيا في يديه، ويحاذر أن تقترب إلى قلبه فتفسده؟
{ ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب}( ) ( ).
أسأل الله تعالى أن يرزقنا القناعة بما رزقنا، وأن يجعل حسابنا يسيرا، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا ونياتنا، إنه سميع مجيب. والحمد للّه رب العالمين ( )


قالت الحكماء : اقنع تشبع .
وخير من قول الحكماء ، قول سيد الحكماء ، عليه الصلاة والسلام في الأرض والسماء :
عن عُبيْدِ الله بنِ محْصن الأَنصَارِيِّ الخطميِّ ، قَالَ : قَالَ رسول الله ( مَنْ أصْبَحَ مِنْكُمْ آمِناً في سربِهِ ، مُعَافَىً في جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ  يَوْمِهِ ، فَكَأنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا ) رواه الترمذي .
والقناعة هي دعاء النبي .
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتاً ) رواه مسلم .
قال ابن حجر : أي اكفهم من القوت بما لا يرهقهم إلى ذل المسألة ، ولا يكون فيه فضول تبعث على الترفه والتبسط في الدنيا .
وقال النووي : القوت ما يسد الرمق ، وفيه فضيلة التقلل من الدنيا ، والاقتصار على القوت منها ، والدعاء بذلك .
روت عائشة رضي الله عنها- تخاطب عروة بن الزبير - رضي الله عنهما- فقالت: « ابن أختي! إن كنا لننظر إلى الهلال ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقدت في أبيات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم نار، فقلت: ما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان؛ التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم جيران من الأنصار كان لهم منائح، وكانوا يمنحون رسول اللّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم من أبياتهم فيسقيناه » .
وعنها- رضي اللّه عنها- قالت: « لقد مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وما شبع من خبز وزيت في يوم واحد مرتين » .
وعن قتادة - رضي الله عنه- قال: « كنا نأتي أنس بن مالك وخبازه قائم، وقال: "كلوا؛ فما أعلم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم رأي مرقاً حتى لحق بالله، ولا رأى شاة سميطًا بعينه قط » .
القناعة فيها العز والذل في الطمع .
ذلك أن القانع لا يحتاج إلى الناس فلا يزال عزيزاً بينهم، والطمّاع يُذل نفسه من أجل المزيد .
جاء في حديث سهل بن سعد مرفوعاً: (شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس ) .
وكان محمد بن واسع رحمه الله تعالى يبل الخبز اليابس بالماء ويأكله ويقول : من قنع بهذا لم يحتج إلى أحد .
وقال الحسن رحمه الله : لا تزال كريماً على الناس، ولا يزال الناس يكرمونك ما لم تغاط ما في أيديهم، فإذا فعلت ذلك استخفوا بك وكرهوا حديثك وأبغضوك .
كما أن الإمامة في الدين والسيادة في الدنيا والرفعة في الذكر لا يحصّلها المرء إلا إذا استغنى عن الناس وما في أيديهم، واحتاج الناس إليه في العلم والوعظ والإحسان .
قال أعرابي لأهل البصرة: من سيد أهل هذه القرية ؟ قالوا: الحسن، قال: بم سادهم ؟ قالوا: احتاج الناس إلى علمه، واستغنى هو عن دنياهم .
قال بعض الحكماء : وجدت أطول الناس هماً الحسود واهنأهم عيشاً القنوع .
قيل : للذل من أبوك ؟ قال : الطمع ، وقيل : للعز والكرامة من أبوك ؟ قال : الرضا والقناعة .
من طمع ذل ، ومن قنع عز .
قال سعد لابنه : يا بني إذا طلبت الغنى فاطلبه بالقناعة ، فإنها مال لا ينفد ، وإياك والطمع فإنه فقر حاضر ، وعليك باليأس مما في أيدي الناس .
قيل للحسن للبصري : وقيل له : ما الذي زهدك في الدنيا ، ما سر زهدك ، فقال : علمت أن رزقي لا يأكله غيري فاطمأن قلبي ، وعلمت أن عملي لا يقوم به غيري فاشتغلت به ، وعلمت أن الموت ينتظرني فانا في استعداد له .
وقال ابن حبان : مِن أكثر مواهب الله لعباده وأعظمها خطرًا القناعة، وليس شيء أروح للبدن من الرضا بالقضاء، والثقة بالقسم، ولو لم يكن في القناعة خصلة تُحمد إلا الراحة، وعدم الدخول في مواضع السوء لطلب الفضل، لكان الواجب على العاقل ألا يفارق القناعة على حالة من الأحوال .
وكان محمد بن واسع يبل الخبز اليابس بالماء ويأكل ويقول: "من قنع بهذا لم يحتج إلى أحد .


أن القناعة عز وشرف ، وهناك أسباب تؤدي إلى القناعة :
منها : أن يعلم أن النفس سبب للمصائب والمهالك وأنها لو تركها ولم تجاهد لارتكبت كل المحارم .
فعلى المسلم أن يجاهد نفسه ويلزمها الصبر والقناعة والتقوى .
ويدل لذلك أن النبي كان يقول في خطبه : اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا .
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( لَوْ كَانَ لاِبْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لاَبْتَغَى وَادِياً ثَالِثاً وَلاَ يَمْلأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلاَّ التُّرَابُ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَاب ) متفق عليه .


مظاهر القناعة
ما اثر القناعه في حياتنا
مظاهر الرضا
ماهي مظاهر القناعة
مفهوم القناعة

Post a Comment

Previous Post Next Post