مطالبة الملك غازي بضم الكويت عام 1938
توج الملك غازي ملكا على العراق خلفا لوالده
الملك فيصل الأول عام 1933, وكان عمره حينذاك واحد وعشرون سنة. وكان يتشبع
بالأفكار القومية المناهضة للسياسة البريطانية التي يعتبرها مسؤولة عن تقسيم
البلاد العربية. لذا كان لا يخفي كره للانكليز الذين أخلوا بتعهداتهم لجده الشريف
حسين في جعل البلاد العربية مملكة واحدة, ويكون الشريف ملكا عليها. كذلك كان يشعر
بمرارة الاستعمار الفرنسي الذي بسط نفوذه على سوريا, وكذلك هجرة اليهود الى فلسطين
بتشجيع من الانكليز (1).
في الحقيقة ان تنصيب فيصل الأول ملكا على العراق
كان بإرادة بريطانية, لكن مع ذلك كان يعلن كرهه لهم, حتى أنه نقل عنه قوله "
أمنيتي أن أكون جيشا أحارب به الانكليز"(2).
لقد
عاصر الملك غازي أحداثا عصفت بأوربا قبل الحرب العالمية الثانية منها ضم المانيا
للنمسا, وكذلك ضم اقليم " السوديت "
العائد الى جيكسلوفاكيا لكون السكان
في هذا الاقليم يتحدوثون الالمانية ولأنهم من الجنس الالماني فأثارت فيهم رغبة
الانضمام الى الوطن الأم المانيا, فعبر الجنود الألمان الحدود في أول أكتوبر/تشرين
الأول 1938. كما طالبت بولندا بمدينة
" تشن " من جيكسلوفاكيا. أما الايطاليون فقد هتفوا في مجلس
النواب ( تونس- كوستريكا- جيبوتي ) (3).
ولعل هذه المطالبات قد حفزت الرغبة عند الملك
غازي بالمطالبة بالكويت على أساس أنها جزء من أراض العراق وكانت تتبع للبصرة في
العهد العثماني.
أو ربما ورث المطالبة بالكويت من أبيه الملك
فيصل الأول أبن الشريف حسين عام 1922, عندما عمل على ارساء أول دولة حديثة في
العراق, وتأسيس جيش وطني, بعدها شجع رئيس وزرائه ياسين الهاشمي عام 1924 بالمطالبة
بعودة الكويت للعراق (4).
(1) العاني, د. عبد الكريم, مصدر سابق, ص162
(2) مؤسسة آفاق للدراسات والأبحاث العراقية , 4 تشرين الأول , لعام 2011
(3) العلوي, حسن, أسوار الطين " في عقدة الكويت
وآيدولوجية الضم " دار الكنوز الأدبية , بيروت , 1995, ص61
(4) البزاز, سعد, حرب تلد أخرى, الأهلية للنشر والتوزيع , عمان , 1993 ,ص 294
لكن ياسين الهاشمي الذي تزعم حزب الاتحاد الوطني
عام 1933, وكان المنطلق الذي تحرك منه رجال الحزب هو منطلق وحدوي, حيث يدعو الى
اتمام الوحدة العربية بعيدة عن دعاوي الضم, وانما يرون أن الوحدة تتم بشكل من
أشكال القبول الشعبي (1). وعندما وجد الملك غازي أن تحقيق الوحدة بين العراق
والكويت بالشكل الذي تبناه ياسين الهاشمي لا يتحقق طالما الانكليز يسعون الى تجزئة
الوطن العربي, ويقفون عائقا في طريق هكذا وحدة, أعلن صراحة بعائدية الكويت الى
العراق.
وظهرت دعوة اخرى في نيسسان 1938, أثارها توفيق
السويدي وزير خارجية العراق مع السفير مورس بيترسون سفير بريطانيا في بغداد طالب
فيها بعودة الكويت الى العراق, وربما كان
بتشجيع من الملك غازي. كما وجه السويدي مذكرة الى وزير خارجية بريطانيا, ذكر فيها
أن العراق قد ورث الحكومة العثمانية في ولاياته الثلاث, وأن الكويت كانت جزء من
ولاية البصرة, وان الكويت الان مركز لتهريب السلاح الى عشائر الفرات الأوسط
الناقمين على الحكومة, وأن عودة الكويت الى البصرة سيقضي على تجارة تهريب السلاح.
كما طالب أيضا بتزحيف الحدود لأن اطلالة العراق على الخليج تحول دون اتصال ميسر
نحو الخليج (2).
مطالبة أعضاء المجلس التشريعي الكويتي بالانضمام
الى العراق:
تأسس المجلس التشريعي في الكويت في 19 يونيو/
حزيران 1938, وكان عدد أعضاء المجلس أربعة عشر عضوا, واستمر في عمله ستة أشهر, وقد
وضع خلالها القانون الأساسي للحكم في الكويت. الا أن شيخ الكويت أحمد الجابر قام
بحل المجلس, وكان الدافع لحل المجلس هو أعتراض البريطانيين على تدخل المجلس
بالأمور المالية بعد اكتشاف النفط فيها حيث كان هذا لا يروق لهم من ناحية استخراج
النفط وتصديره. وهناك سبب اخر ربما كان أكثر ترجيحا في حل المجلس, وهو أن أعضاء
المجلس كانوا يراسلون الملك غازي يطالبونه بضم الكويت للعراق (3).
لقد تفاقم
الوضع السياسي في الكويت بعد حل المجلس, حيث سجن عدد من أعضائه وهرب آخرون إلى
خارج الكويت, ولم تستقر الأوضاع السياسية بعدها, ففي عام 1939 خرجت مظاهرات ضد شيخ
الكويت, وقد هتفت بحياة الملك غازي " ملكا للوحدة العربية ", ورفع
المتظاهرون العلم العراقي , ولافتات كتب عليها " الكويت جزء من العراق
". فاعتقل الشيخ أحمد العناصر البارزة ونفى عدد منهم, ومنع الاستماع إلى إذاعة
قصر الزهور(4).
(1) مركز البحوث والدراسات الكويتية , الكويت وجودا وحدودا, الكويت , 1991,
ص93
(2) الفيل, د. محمد رشيد, مصدر سابق, ص185
(3) المصدر السابق
(4) فرج, د. لطفي جعفر, الملك
غازي, بغداد, 1987, ص218
وقد استقبل العراق المعارضة الكويتية الرافضة
للوجود البريطاني التي ظهرت بعد حل المجلس التشريعي 1938, واتخذ العراق من حل
المجلس التشريعي ذريعة للتدخل في الكويت.
يقول خالد العدساني سكرتير المجلس التشريع لسنة
1938 في مذكراته : " طلب رفاقنا من السياسيين الكويتيين الموجودين حينها في
العراق أن يقوم أعضاء المجلس بتحرير رسالة شكر الى رئيس حكومة العراق نوري السعيد
وجلالة الملك غازي على موقف العراق الطيب من قضية الحرية في الكويت. وقد حرر أعضاء
المجلس التشريعي في 9 محرم 1385 برقية للملك غازي قالوا فيها ( ان أول واجبات
أعضاء مجلس الأمة التشريعي وممثلي البلاد الشرعيين ان يرفعوا الى السدة الملكية
أسمى عواطفهم الطافحة بالشكر والامتنان الخالص للمساعي الجليلة المستوحاة من روحكم
الهاشمية ونخوتكم العربية لتأييد قضية الكويت ونصرة أبنائها الاحرار في سبيل تحقيق
الأماني المشتركة للوصول الى الهدف الاكبر) "
(1).
العوامل التي شجعت الشباب الوطني الكويتي للأنضمام
للعراق:
1- العراق في ذلك الوقت كان يمثل احد الأنظمة
الديمقراطية في المنطقة, وكان الشباب الكويتي ينظر للعراق النموذج المثالي لإدارة الحكومة الحديثة
التي يتمنون تطبيقها في الكويت.
2- أغلب الشباب المثقف الكويتي مع قلتهم قد
اتموا تعليمهم في العراق, وهؤلاء برزوا في مجتمع تسوده الأمية, وقد أخذوا يدفعون
باتجاه العراق من ناحية نظم التعليم او النظام الحكومي ككل.
3- يمتلك العديد من التجار والأسر الحاكمة
بساتين كبيرة للتمر في البصرة بشكل خاص والعراق بشكل عام, وقد كان اعتماد الكثير
من هؤلاء الملاك على محاصيل تلك البساتين كبيرا, وهكذا يتضح لنا بأن الفئات
الاجتماعية ذات النفوذ الأعلى في البلاد لها صلات اقتصادية بالعراق, وبالتالي
تأثير ما يحدث في العراق يكون مباشرا عليها (2).
4- لعبت الصحافة العراقية دورا بارزا ومؤثرا في
انتقادها للنظام الحاكم في الكويت مع التركيز على الشيخ أحمد الجابر , كما قامت
بنشر الكثير من آراء ووجهات نظر كتلة الشباب الوطني أزاء الأوضاع المتردية في
الكويت, وكانت أول صحيفة نشرت برنامج كتلة الاصلاح الكويتي هي صحيفة " الزمان
" التي كانت تصدر في البصرة (3).
(1) الغنام, عبد الله, جريدة عالم اليوم, الكويت, العدد 5432 , بتاريخ
4/10/2010
(2) النجار, د.غانم, مدخل التطور السياسي للكويت, دار قرطاس, الكويت, 1994,
ص20-21
(3) المصدر السابق
دعوة الملك غازي لضم الكويت:
لعب
الملك غازي دورا فاعلا في إثارة الشباب الكويتي المتحمس للتغيير من خلال اذاعته
التي نصبها في قصر الزهور, وكان هدف الملك غازي في بداية الأمر هو مساعدة الشعب
الكويتي في الاصلاح والتغيير على غرار ما حصل للعراق بعد انتهاء الفترة العثمانية
, و بعدها فترة الأنتداب البريطاني, وحصوله على الاستقلال وانظمامه الى عصبة
الأمم.
أضف إلى ذلك مطالبة الشباب الكويتي للملك غازي
بالإنضمام الى العراق على اعتبار ان الكويت هي جزء من أرض العراق وكانت تابعة
لولاية البصرة في الزمن العثماني. كما نشط في ذلك التاريخ الوازع القومي العربي
نتيجة لهيمنة الاستعمار البريطاني وتفتيت
الوطن العربي إلى دويلات ومحميات بريطانية, كل ذلك وغيرها قد فرضت المطالبة
بالتوحد مع العراق.
أقتنع أخيرا الملك غازي أمام الدعوات المتكررة
من الشباب الكويتي , ومن اعضاء المجلس التشريعي المنحل, علاوة على دعم التيار
السياسي العراقي المناهض للانكليز من القيام بعمل عسكري لأحتلال الكويت وضمها
للعراق بالقوة. أستغل الملك غياب نوري السعيد رئيس الوزراء في لندن لحضور مؤتمر
بخصوص فلسطين, فعزم على أحتلال الكويت. يقول ناجي شوكت نائب رئيس الوزراء في وزارة
نوري السعيد في مذكراته " كان للملك غازي محطة بث لاسلكية يستعملها من قصر
الزهور, وتحيط به عصبة فيها القومي القح, وفيها الجاسوس الألماني المتردي باللباس
القومي, وفيها السافل الغر, والظاهر ان هذه الجماعات كانت تؤثر فيه وتوجهه الوجهة
التي تريدها. وفي إحدى الليالي المعروفة قرر الملك غازي احتلال الكويت, فأصدر
أوامره الى رئيس أركان الجيش بتنفيذ هذا الأمر بالاحتلال. وفي الوقت نفسه أتصل
بمتصرف لواء البصرة على محمود الشيخ علي هاتفيا, وطلب اليه أن يسند قطعات الجيش
العراقي المرابطة في البصرة لاحتلال الكويت.
وكنت ما أزال قائما بوكالة رئاسة الوزراء لأن
نوري السعيد ما زال في لندن, وفي صبيحة اليوم الثاني من الإيعاز, طلبت للحضور في
البلاط الملكي, فلما حضرت وجدت في غرفة رئيس الديوان رشيد عالي, كلا من وزير
الدفاع طه الهاشمي, ووكيل رئيس أركان الجيش. فبادرني طه بالكلام قائلا: ان الملك
أتصل برئيس الجيش وأمره أن يحتل الكويت, كما طلب إلى متصرف البصرة تيسير هذا
الاحتلال. وأضاف طه الى كلامه هذا, ولكننا لم ننفذ الأمر لعلمنا أنه صدر في
الأمسيات المعروفة, وعليك الآن أن تتدارك الأمر وتعالجه.
وصل الملك إلى البلاط الساعة العشرة على عادته,
فدخلت عليه بعد الاستئذان الأصولي, فاستقبلني بأدبه المعهود,ثم سألني ماذا فعلتم
لاحتلال الكويت؟ قلت له إنك لم تكلمني ياسيدي في هذا الموضوع, وإنما كلمت رئيس
أركان الجيش رأسا, كما أتصلت بمتصرف البصرة هاتفيا, وجلالتك تعلم أن الملك مصون
غير مسؤول , لا سيما في مثل هذه الأمور الخطيرة, ورئيس الوزراء ما يزال في لندن من
أجل قضية فلسطين, وأنا بغيابه لا استطيع ان أقدم على مثل هذا الاجراء الخطر
والخطير لأن المسؤول الأصلي غائب, فأن كنت مصرا على تنفيذ ما امرت به فأني سأبرق
الى لندن حالا ليعود الى بغداد فورا, ولكن من واجبي أن ألفت نظر جلالتك الى نقطتين
هامتين في الموضوع, أولهما أنه ليس من المصلحة أن يستدعي نوري من لندن لأنه قائم
بمهمة خطيرة, والثانية ان في الامكان احتلال الكويت خلال 24 ساعة. ولكن هل تعتقد
جلالتك ان كلا من بريطانيا وايران والسعودية سيقفون مكتوفي الأيدي ويرحبون بهذا
العمل الجسيم ؟ أنهم سينقمون علينا أشد النقمة ويقومون بإجراءات لا قبل لنا عليها,
فهل جلالتك مستعد لمحاربة ثلاثة دول في آن واحد ؟
لم تكن هناك ضرورة لكلام أطول, فقد قال جلالته
قولا وجيزا: طيب لننتظر عودة نوري ولا حاجة للاستعجال. فعدت الى غرفة رئيس الديوان
وقصصت على الموجودين ما حدث, فارتاح الجميع وانتهت القضية بسلام (1).
وهكدا أسدل الستار على أول عملية ضم للكويت عن
طريق التدخل العسكري, قادها شاب قليل الخبرة والتجربة أمام حدث جسيم كهذا,على
الرغم من مناداة الكويتيين المتكرره له بضم الكويت للعراق.
العوامل التي أفشلت مشروع الملك غازي بضم
الكويت:
1- موقف رئيس الوزراء العراقي نوري السعيد
الموالي لللبريطانيين, وقد وقف بوجه الملك غازي, وقد اشار العدساني في مذكراته
الذي حمل نوري السعيد مسؤولية اخفاق الملك غازي في قضية الكويت, ويقول " وقف
نوري السعيد في طريق المتحمسين, يخوفهم تارة من عواقب الحركة المندفعة, ويمني
الملك غازي بأن قضية الكويت من السهل حلها ولكن بالدبلوماسية السلمية مع الانكليز
بدلا من الحركات العسكرية المجهولة النتائج" (2).
2- الانزعاج البريطاني من تصرفات الملك غازي الذي
ألب الشباب الكويتي من خلال اذاعة قصر الزهور, حيث خلق معارضة فاعلة في الكويت
تنوي بالإطاحة بحكم آل الصباح. وقد تعرض الملك غازي لضغوط من الانكليز يساندهم
نوري السعيد في وقف بث اذاعة قصر الزهور, وقد تم فعلا وقف الاذاعة و قررعدم
التعامل مع البرقيات المرسلة له بهذا الخصوص. ثم توفي بعد اسابيع قليلة من وقف بث
الاذاعة بحادث اصطدام سيارته بعمود كهرباء في منطقة الحارثية حيث يقع قصر الزهور.
وقد وجه الاتهام في حينها الى الانكليز والى نوري السعيد, فانطلقت المظاهرات في
العراق تندد بالحادث, وقتل المتظاهرون القنصل البريطاني في الموصل (3).
Post a Comment