يوم الفرقان
                   حسان بن ثابت

1- عَرَفْتُ دِيار زيـنب بالكثـيبِ      **       كخـطِّ الـوحْي في الرَّقِّ القشيبِ
(البيت) تشبيه تمثيل ؛ صوّر آثار أطلال ديار زينب في صورة الكتابة على جلد جديد رقيق ، ووجه الشبه صورة شئ بارزفي وسط متجانس، والأداة هي (الكاف) . (عرفت) توحي بقوة العلاقة ؛ التي تجعله يعرف ولا يتوهم الأطلال. البداية بالنسيب (الغزل – الوقوف على الأطلال ) أمر مألوف لم يخالفه حسّان في هذه القصيدة . (زينب) اسم محبوبته .
نثر البيت : استطعت أن أميز- بوضوح شديد بقايا ، ورسوم أهل محبوبتي زينب بالكثيب ، حيث بدا مثل حروف الكتابة على جلد رقيق جديد .
2-   فدعْ عنك التذكُّر كلَّ يومٍ  **      ورُدَّ حرارة الصدر الكئيبِ
(دع – رد) يخاطب الشاعر نفسه آمراً إياها، وهو ما يسمى التجريد (أي يجرد الشاعر من نفسه شخصاً آخر ويخاطبه). في انتقاله- من ضمير المتكلم (عرفتُُ) إلى ضمير المخاطب (دع) فاعله تقديره (أنت)- التفات، غرضه- هنا- التخلص من موضوع الغزل إلى موضوع القصيدة الرئيس ؛ بذلك يصبح الغرض البلاغي من الأمر تأنيب وعتاب ؛ يعاتب الشاعر نفسه على الانغماس في أمر الغزل ، وهناك ما هو أهم للإخبار به كما سيلي . (حرارة الصدر) يقصد بها مشاعر الحزن ؛ لفراقها. (الصدر) مجاز مرسل علاقته المحلية ، فالمراد القلب ؛ لأنه موضع المشاعر، والصدر محل يحل فيه القلب مثل قوله تعالى :﴿ألم نشرح لك صدرك ﴾. وبلاغته في أنه يوحي بكثرة تلك المشاعر التي تغطي القلب ، وتفيض منه إلى الصدر.
نثر البيت :
          فاترك ذلك التعلق الدائم والمستمر، وادفع عن نفسك تلك المشاعر الملتهبة حزناً على فراق من تحب .
3-   وخبِّر بالذي لا عيبَ فيه      **       بصدقٍ غير أخبارَ الكَذُوْبِ
(خبِّر) ما زال الشاعر يخاطب نفسه ، لكن في الأمر هنا تشجيع ، وحث على حدوث الفعل . (الذي لاعيب فيه) مقصود بها أخبار الرسول، والمسلمين ، وهو ما يفصله لاحقاً. (الكذوب) صفة لموصوف محذوف ، وهو زينب ؛ وفي حذف الموصوف تقوية للوصف . الكذب هنا المماطلة في مواعيد الوصل (صدق – كذوب) طباق إيجاب .
نثر البيت :
          ثم انقلْ تلك الأخبارَ التي لا يعاب قائلها ، ولا ناقلها ، وعبِّرْ عنها صادقاً متجاهلاً  أخبار المُمَاطِلة في مواعيد وصلها ،  كثيرة الوعد والخلف .
4- بما صنع المَلِيـْكُ غـداةَ بـدرٍ **    لنـا في المشركين من النصيبِ
(المليك) صفة لموصوف محذوف ؛ بغرض تقوية الوصف . (صنع المليك- النصيب من المشركين) هو ذلك الانتصارالذي تحقق يوم بدر، والنصيب كان قتل المشركين ، وأسرهم ، وتكليلهم بعار الهزيمة .
نثر البيت :
           بالذي حققه لنا مالك كل شئ يوم بدر ، من قتل للمشركين ، وغنم لأموالهم ، وأسر لأبنائهم ، وهزيمة نكراء لجيشهم ، تستحق منك الإخبار عنها ، والفخر بها .
5-   غداةَ كأنَّ جمعُهم حَرَاءٌ   **   بدَتْ أركانه جُنح الغُروبِ
(البيت) تشبيه تمثيل ، فيه صوّر الشاعر جيش المشركين - في ضخامته، وكثرة عدده  ، وهيبته - بجبل حراء الضخم لحظة اختفاء الشمس في لحظة الغروب ، وقد ظهرت أطراف . والصورة - كما ترى - تعظِّم من شأن جيش الأعداء ؛ حتى تعظِّم من شأن الثبات في وجههم ؛ ومن ثمّ الانتصار عليه . في اختيار وقت الغروب تعميق لإحساس الهيبة في الجبل ، الذي يخفي الشمس من خلفه .
نثر البيت :
           يوم جاء المشركون في جيش عرمرم  ، مهيب ، ظهروا وكأنهم جبل حراء ، وقد ظهرت أطرافه لحظة أنْ غيّب الشمس خلف ظهره  .
6- فلاقيـناهُـمُ منـّا بِجمـعٍ **  كـأُسْدِ الغـابِ مِنْ مُـرْدٍ وشِيْبِ
(لاقيناهم) تؤكد عدم تهيبهم ذلك الجيش الضخم . (بجمع كأُسد الغاب) شبّه جيش المسلمين - في شجاعتهم، وجرأتهم ، وبسالتهم- بأسود الغابة، وذكر الأداة وهي الكاف؛ فهو تشبيه مفرد . في إضافة الأُسْدِ إلى الغاب تأكيد على شراستها ، مقابل الأسود التي يمكن أنْ تستأنس . (مرد) كناية عن موصوف ، هم صغار السن الذين لم ينبت لهم شعر في وجوههم. (شيب) كناية عن موصوف ، هم كبار السن الذين ابيضّ شعر رأسهم، وفي الجمع بينهما (مرد – شيب) إشارة إلى اتصاف جميع المسلمين بالجرأة ، والقوة، صغاراً وكبارا . ومن ناحية بديعية بين الكلمتين (مرد – شيب) طباق إيجاب . راجع في الفكرة (قيم ومثل – إنّ الكرام قليل) .
نثر البيت :
           لم نجبن عن مواجهة ذلك الجيش الضخم ، المهيب ، وإنما انطلقنا لمواجهتهم - بجيش جميع أفراده- صغاراً وكباراً- كما أسود الغابة جرأة ، وشجاعة ، وقوة ،  وبسالة .
7-  أمام  محَمـّدٍ  قـد   آزروه  **    عـلى الأعداء في رَهَـج الحروب
(أمام محمد (ص)) إشارة إلى أنهم يفتدونه بأنفسهم ؛ لذا هم بينه وبين الأعداء . وقد عبّر كعب عن هذا المعنى في قوله : (الباذلين نفوسهم...الخ البيت راجع هم الأنصار). (رهج الحروب) دلالة على اشتدادها ، وإثارتها للغبار ، والمساندة في هذا الظرف ، دليل صدق وشجاعة .
نثر البيت :
           وقفنا حائلاً بين أعداء الرسول (ص) وبينه ، نعاونه على هزيمة الأعداء ، في وقت اشتدت فيه الحرب ، وحمي وطيسها ، وامتلأ الجو بغبارها .
8- فغادرْنا  أبا جهلٍ  صريعاً    ** وعُتبة قد  ترَكْنا  في  الجبُوبِ
9- وشيْبة قد ترَكْنا في رِجالٍ    ** ذوي حسبٍ إذا انتسبوا حسيبِ
(عتبة قد تركنا– شيبة قد تركنا) الأسلوب البلاغي المستخدم تقديم وتأخير ؛ إذا قدّم المفعول به (عتبة – شيبة) على الفعل (تركنا) ، والغرض البلاغي من ذلك بيان أهمية المقدّم ؛ إذ لا قيمة بلاغية للقصر هنا. وفي كلتا الجملتين ، استعمل أداة توكيد واحدة هي قد ؛ لذا يصبح ضرب الخبر طلبياً في كل جملة ، والواو هنا لعطف الجمل . (أباجهل – عتبة – شيبة) هم رؤوس الكفر؛ لذا ذكرت أسماؤهم هنا. (ذوي حسب حسيب) وصف الأعداء بهذا الوصف له سببان هما: 1/ أنهم أهل الرسول ؛ وذمهم في نسبهم ذمٌّ للرسول والمهاجرين . 2/ الانتصار على العظام من الناس يجعل الانتصار عظيما ، ولا معنى - ذا بال - للانتصار على قليلي الشأن . في حذف جواب شرط (إذا)تركيز على الشرط المذكور وهو (انتسبوا) .
نثر البيتين :
            فانتقلنا من ميدان المعركة ، مخلفين وراءنا أبا جهل مجندلاً ، قد ألقي به في حفر بدر ، وشيبة مع مجموعة من الرجال ، إنْ حاولنا توضيح نسبهم ؛ فسنجدهم أصحاب نسب رفيع الشأن ، وها نحن نهزمهم اليوم -  لكفرهم وعنادهم .
10-  يناديهـم  رسول  الله   لـمّا **  قذفناهم كبَـاكِبَ في القَلِـيْبِ
11-  ألمْ تجـدوا حديثي كان حـقاً  **    وأمر  الله  يأخذ  بالقـلوبِ
(قذفناهم كباكب) تعني عدم الانتظام ؛ مما يوحي بالكثرة مع المهانة للمقذوفين كيفما اتفق . الضمير(هم) يعود للمشركين . الشاعر يحيل إلى حادثة تاريخية : وهي مناداة الرسول (ص) المشركين في ذلك اليوم بالاسم ، حتى أنّ بعض الصحابة ذكروا للرسول : أنْ كيف للموتى أنْ يسمعوا ، فأجاب بأنهم يسمعون ، ولكن لا يردون ( أو كما قال ). (ألم) الغرض من الاستفهام هو التقرير ؛ أي لقد وجدتم . ولا يخفى ما يحمل في طياته من توبيخ لهم على كفرهم . (أمر الله يأخذ بالقلوب) كناية عن موصوف هو لحظة الموت ، ومقابلة الحق جلََّّ وعلا . (حديثي) المقصود به دعوة الرسول (ص) للتوحيد ، والإسلام ، التي رفضها المشركون. (لمّا قذفناهم) حذف جواب الشرط ؛ للإيجاز أيضاً ، والتركيز على مقول القول وهو (ألم تجدوا) .
نثر البيتين :
            يخاطبهم الرسول (ص) ، حيث رمينا إياهم جماعات جماعات  - كيفما اتفق  ، ودون مراعاة لعزهم السابق  -  على البئر ويقول لهم منادياً  إياهم بأسمائهم  :  ألم تتيقنوا من أنَ دعوتي لكم كانت صدقاً  ، وأنتم تواجهون الله سبحانه في تلك اللحظة الحاسمة ، الكاشفة ؟ .









بعض الملاحظات النحوية والصرفية
 1/ زينب : ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث ؛ لذا جرت بالفتحة نيابة عن الكسرة .
  2/ (دع) على وزن عَلْ  ، حذفت فاء الكلمة (ودع) فَعَل .
 3/ كلَّ تعرب ظرف زمان ، ومضاف ؛ لأنّ المضاف إليه يوم دال على الزمان . (كل، بعض، غير، سوى ، ذو، ،الأعداد) يتحدد إعرابها دائماً بما بعدها ، فتأخذ إعرابه ، ومابعدها يعرب  مضاف إليه .
4/ (صريعاً) في الثامن تعرب حال ، صاحبه المفعول به(أبا جهل) ، كذلك كباكب في العاشر ، صاحبه(هم) مفعول به .
تمرين (1)
        بما صنع المليك غداة بدر  ** لنا في المشركين من النصيب
هذا البيت من قصيدة بعنوان (1) للشاعر (2) بن (3) بن (4) يكنى (5) شاعر (6) عاش في (7) دهراً ثم (8) وكان شاعر (9) وشاعر المسلمين (10) و (11) و (12) توفي (13) .

تمرين (2) :

وضح معنى المفردات التالية: ـ
1)        الكثيب
8)       الكئيب
15)      بدت
22)       غادرنا
29)       القليب
2)        خط
9)       خبِّر
16)      أركانة
23)       أباجهل/عتبة/شيبة
30)       أمر الله
3)        الوحي
10)      صنع
17)   جنح الغروب
24)       صريعاً
31)       يأخذ
4)        الرق
11)      غداة
18)      مرد
25)       الجبوب
32)       القلوب
5)        القشيب
12)      بدر
19)      شبب
26)       حسيب

6)        دع
13)      النصي
20)      آزروه
27)       قذفناهم

7)        ردَّ
14)      حراء
21)      رهج
28)       كباكب





تمرين (3)
أجب عن الأسئلة التالية مستفيداًمنتعليق الكتاب.
(1) كيف بدأ الشاعرقصيدته وضِّح مناقشاً؟
(2) ما هو الموضوع الأساس في القصيدة ؟
(3) كيف صوّر الشاعر جيش المشركين " وضِّح الصورة " وماذا أراد بذلك؟
(4) وكيف صوّرجيش المسلمين ؟ وضِّح ما لجأ إليه الشاعر من أساليب البيان ، والبديع ؛لإبراز الصورة التي أرادها .
(5) " تشبيهات الشاعر ليس فيها جديد ومالوفة في الشعر " ناقش مستشهداً بالنص ".
(6) ما الغرض من الاستفهام في قوله " ألم تجدوا " ؟ وما هي الحادثة التي يُحيل إليها هذا القول ؟
(7) ما المقصود بلاغياً بالأمر " فدع عنك التذكر
(8) ما المعنى الذي يستفاد من عبارة "فذقناهم كباكب " بدلاً من جماعات ؟
(9) وصف الشاعر القتلى من المشركين بأنهم ذوو حسب ، فلمَ فعل ذلك ؟ وضِّح .
تمرين (4)
أسئلة امتحانات المدرسة
نظامي أدب 17/1 :
(د) يقول حسان بن ثابت :
غداة كأنَّ جمعهم حراء   **بدت  أركانه جنح  الغروب
                 فلاقيناهم مِنَّـا  بجمع   **كأُسْدِ الغاب من مرد وشيب
1- صوّر الشاعر المشركين في صورة (..) وهذا يدل على (...)
2- كما صور جيش المسلمين في صورة (..) وهذا يدل على (..)
شامل رقم (3) س2 ج :
  ألم تجـدوا حديـثي كان حقا      **         وأمـر الله يأخـذ بالقلـوب
1- من المستفهِم ؟ ومن المستفْهَم ؟ 2- ماهو غرض الاستفهام في البيت؟
3- ما معنى عبارة (أمر الله يأخذ بالقلوب) ؟



تمرين (5)

أسئلة الشهادة
مارس 2006م :
س2 (أ) : قال حسّان بن ثابت :
فدع عنك التذكر كل يوم   *    ورُدّ  حرارة   الصدر   الكئيب
  وخبِّر بالذي لا عيب فيه  *    بصدق  غير   أخبار   الكذوب
بما صنع المليك غداة بدر *    لنا في المشركين من  النصيب
غداة  كأنّ جمعهم حراءُ   *    بدت  أركانه    جنح   الغروب
 فلاقيناهم   منّا   بجمع    *   كأسد  الغاب  من مُرد وشيب
- أجب عمّا يأتي :
1- وضِّح معنى ما يأتي : الكئيب جُنح الغروب .
2- أي شئ أضرب الشاعر عن ذكره ؟
3- ما الخبر الصادق الذي حمله الشاعر للمسلمين ؟
4- كيف صوّر الشاعر كثرة جيش المشركين ؟
5- بمَ شبّه جيش المسلمين ؟
6- ما الذي تفيده عبارة (من مُردٍ وشيب) ؟

Post a Comment

Previous Post Next Post