من أعلام الشعر الأندلسي يحيى الغزال، ابن درَّاج القسطلي، الأعمى التُّطِيلي

مادة أدب ونصوص العصر العباسي والأندلسي

من أعلام الشعر الأندلسي (يحيى الغزال، ابن درَّاج القسطلي، الأعمى التُّطِيلي)

مدخل:

الحمد لله والصّلاة والسّلام على رسول اللّه وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد أخي الطَّالب، سلامُ الله عليكَ ورحمته وبركاته، ومرحبًا بك في الدرس السابع عشر من سلسلة الدُّروس المقرَّرة عليك في إطار مادَّة أدب ونصوص العصر العباسي والأندلسي، لهذا الفصل الدِّراسيّ، آملينَ أن تجدَ فيها كلّ المُتعة والفائدة، وكنا قد تناولنا معًا في الدرس السابق الكلام عن (الموضوعات الفنية في الشعر الأندلسي (رثاء المدن والممالك، الحنين والغربة))، وإليك هذا الدرس الذي تتعرف فيه على (من أعلام الشعر الأندلسي (يحيى الغزال، ابن دراج القسطلي، الأعمى التُّطِيلي))، فأهلًا وسهلًا بك.

ثمرات الدّرس:

عند نهاية هذا الدرس تستطيع بإذن الله أن:

أولًا: تتعرف على (يحيى الغزال، ابن دراج القسطلي، الأعمى التُّطِيلي).

ثانيًا: تتعرف على نماذج من شعرهم.

عناصر الدّرس:

17.1 التعريف بهؤلاء الشعراء.

17.2 نماذج من شعرهم.

التّعريفات:

1     الثواء  الإقامة.

2     التوى  الهلاك.

17.1 التعريف بهؤلاء الشعراء:

1- يحيى بن حكم الغزال:

ولد يحيى بن حكم الملقب بالغزال لوسامته وظرفه سنة 156هـ، وينسب إلى أسرة تنتمي إلى بكر بن وائل، ونشأ نشأة علمية وأدبية، وكان ذا مواهب خَلْقية وخُلُقية مكَّنته من أن يتبوأ منزلة مرموقة في قرطبة في عهد عبد الرحمن الأوسط، لكن ميله إلى التحرر كان يجر عليه المتاعب –أحيانًا- وحال بينه وبين المناصب الكبرى.

قام الغزال بمهمة السفارة بين قرطبة وإمبراطورية البيزنطيين، وقد وردت عن هذه السفارة أخبار تدل على ذكائه وفطنته، وحرصه على كرامة نفسه وتقاليد دينه. ومن ذلك أنه أخبر بأن تقاليد البلاط الملكي في بيزنطة تقضي بأن يسجد الزائر للإمبراطور عند الدخول عليه، فرفض الغزال هذا الأمر مستندًا في ذلك إلى دينه، فتحايل القوم، وجعلوا سقف الباب الذي يدخل منه على الإمبراطور منخفضًا حتى يضطر الغزال إلى دخوله على هيئة الراكع، فلما رأى ذلك جلس على أليتيه ومدّ قدميه، ودخل زاحفًا، ثم استوى قائمًا، وحيَّا الإمبراطور بكلمة ترجمت له، فأعجب بها وقال: هذا حكيمٌ من حكماء القوم وداهية من دهاتهم، أردنا أن نذله فقابل وجوهنا بتعليه.

ومن أخباره في هذه السفارة أيضًا أنه أعجب بالإمبراطورة وأعجبت به، وقال شعرًا يصف فيه جمالها وظرفها.

وكان للغزال رحلة إلى المشرق، عاد بعدها إلى الأندلس، وظل بها حتى مات سنة 255هـ.

وتنقسم حياة الغزال إلى ثلاث مراحل، هي:

المرحلة الأولى مرحلة الشباب: ويتسم فيها شعره بغلبة موضوعات الخمر والغزل والفكاهة والمجون.

والمرحلة الثانية مرحلة الكبر والتعقل: وتغلب على شعره فيها موضوعات النقد الاجتماعي والأخلاقي مع سخرية لاذعة، وإحساس شديد بالمرارة.

والمرحلة الثالثة مرحلة الضعف والزهد: وتغلب على شعره فيها موضوعات الشكوى من تقدم السن، وذكر الموت، والتعبير عن التخفّف من متاع الدنيا.

ويتسم شعر الغزال من الناحية الفنية بعدة خصائص، هي:

الاتجاه إلى القصّ والحوار، والميل إلى التحليل والتعليل، والتشبع بروح السخرية والنقد، وإيراد الفكرة المبتكرة والصورة الجديدة أحيانًا، واتضاح النظرة الحكيمة واللمحة الفلسفية في بعض شعره.

2- ابن درَّاج القسطلي:

اسمه أحمد، وكنيته أبو عمر، ولقبه القسطلي، ويعرف بابن درَّاج. وُلد سنة 347هـ في بيت ذي مكانة من بيوت "قسطلة درَّاج" نسبة إلى جد الشاعر.

يدل شعره على ثقافة لغوية وأدبية متينة، ويبدو أنه تتلمذ على الشعر الجاهلي والإسلامي، وتأثر بشعر المتنبي وابن هانئ الأندلسي.

ارتحل ابن دراج –بعد أن اشتد عوده، وآنس في نفسه التمكن الأدبي- إلى قرطبة، واتصل بالمنصور بن أبي عامر ومدحه، والتحق بديوان الإنشاء، وترك قرطبة بعدما كثرت فيها القلاقل والفتن واتجه إلى سبتة خارج الأندلس، ثم عاد إلى الأندلس وانتقل بين بعض مدنها باحثًا عن الاستقرار، وانتهى به الترحال إلى سرقسطة التي توفي بها سنة 421هـ.

وأهم ما كان يميز ابن درَّاج من الناحية الخلقية والنفسية استقامته وبعده عن التحرر؛ بسبب ما طُبع عليه من الجد والحساسية، وإحساسه العميق بالأسرة وتعلقه بزوجه وأولاده، وشعوره الواضح بالحاجة إلى الأمن والاستقرار.

ويعد ابن دراج من أغزر شعراء الأندلس، بل من أغزر شعراء العرب، فقد ترك ديوانًا ضخمًا أكثره من القصائد الطوال، والموضوع الغالب على شعره هو المدح. وله مع ذلك شعر كثير في وصف الأسفار والرحلة وأهوال البحار والسفن، ووصف المعارك الحربية التي خاضها الأمراء والقادة الذين اتصل بهم، وهو في كل هذه الموضوعات يصف حالته النفسية، ويتحدث عن قلقه وانشغاله بأسرته.

وتبرز في شعره من الناحية الفنية عدة سمات، هي:

اللون المحلي، والشعور الأسري، والتحليل المعنوي، والوصف النفسي، والنضج الثقافي

3- الأعمى التُّطِيلي:

هو أبو جعفر أحمد بن عبد الله، المعروف بالأعمى التُّطِيلي –بضم التاء وكسر الطاء- نسبة إلى تُطِيلة، وهي مدينة أندلسية في شرق قرطبة. وكان من أكبر الوشاحين، وبجهده مع آخرين غيره من أمثال: محمد بن عبادة بن القزاز، وعبادة بن ماء السماء، وابن زُهر، وابن زمرك، وابن سهل الإسرائيلي، ولسان الدين ابن الخطيب، وصل فن الموشحات إلى مرحلة النضج والاكتمال.

ومنزلة الأعمى التُّطِيلي في هذا الفن منزلة كبيرة، اعترف بتفوقه وسبقه معاصروه ومنافسوه؛ فقد روي أن جماعة من الوشَّاحين اجتمعوا في أحد المجالس في إشبيلية، وقد استحضر كل واحد منهم موشحة ألفها وتأنق فيها، فتقدم الأعمى التطيلي لإنشاد موشحته التي مطلعها:

ضاحك عن جمان

سافر عن بدر

ضاق عنه الزمان

وحواه صدري

فما كاد ينتهي منها، حتى قام كل وشَّاح بتمزيق موشحه؛ إجلالًا للتطيلي واعترافًا بفضله وإعجابًا بموشحه.

نشاط 17.1:

لكي تعمّق فهمك لهذا الدرس، قم بهذا النّشاط، ثمّ قارن ما تتوصل إليه بالإجابات النموذجية أدناه:

ضع علامة (√) أمام العبارة الصحيحة وعلامة (×) أمام العبارة الخاطئة:

1- من السمات الفنية التي اتسم بها شعر يحيى الغزال القص والحوار.

2- لم يكن للغزال تميز خَلْقي أو خُلُقي يؤهله للمناصب الكبرى.

3- يعد ابن درَّاج القسطلي من أغزر شعراء العرب.

4- لم يكن للأعمى التطيلي تفوق، أو تميز في فن الموشحات.

الإجابات النموذجية:

1- ()، 2- (×)، 3- ()، 4- (×).

17.2 نماذج من شعرهم:

1- من شعر يحيى بن حكم الغزال:

قال مصورًا مشكلة زواج الفتاة من شيخ كبير غني، أو شاب فقير:

وخيرها أبوها بين شيخ

كثير المال أو حدث فقير

فقالت خطئًا خسف وما إن

أرى من خطوة للمستخير

ولكن إن عزمت فكل شيء

أحب إلي من وجه الكبير

لأن المرء بعد الفقر يثري

وهذا لا يعود إلى صغير

ومن شعره –أيضًا- في شكوى ما أحدثه به الكِبَر:

أَلستَ تَرَى أنّ الزَّمانَ طواني

وبدَّل عقلي كلّه وبَرَاني

تَحَيَّفَني عُضْواً فَعُضْواً فلم يَدَع

سوى اسمي صحيحاً وحدَه ولِساني

ولو كانت الأسماء يَدْخُلها البِلَىِ

إذاً بَليَ اسمي لامتدادِ زَمانِي

وما ليَ أَبْلَى لِسَبْعِينَ حجَّةَ

وَسبع أَتَتْ مِن بعدها سَنَتان

2- من شعر ابن درَّاج القسطلي:

قال في تصوير موقف وداعه لزوجه وأولاده، وما دار بينه وبينها من الحوار:

دعي عزمات المستضام تسير

فتنجدُ في عرض الفلا وتغور

لعل بما أشجاك من لوعة النوى

يعز ذليل أو يفك أسيرُ

ألم تعلمي أن الثواء هو التوى

وأن بيوت العاجزين قبورُ

ثم يقول:

ولما تدانت للوداع وقد هفا

بصبري منها أنة وزفيرُ

تناشد في عهد المودة والهوى

وفي المهد مبغوم النداء صغيرُ

عييٌّ بمرجوع الخطاب ولفظه

بموقع أهواء النفوس خبيرُ

تبوأ ممنوع القلوب ومهدت

له أذرع محفوفة ونحورُ

3- من موشح للأعمى التطيلي في الغزل:

قال:

ضاحك عن جمان .... سافر عن بدر

ضاق عنه الزمان .... وحواه صدري

    آه مما أجدْ.... شفَّني ما أجد

  قام بي وقعد... باطش متئد

كلما قلت قدْ ... قال لي: أين قدْ؟

وانثنى خوط بان .... ذا مهز نَضِرْ

عابثته يدان .... للصبا والقطر

نشاط 17.2

لكي تعمّق فهمك لهذا الدرس، قم بهذا النّشاط، ثمّ قارن ما تتوصل إليه بالإجابات النموذجية أدناه:

ضع علامة (√) أمام العبارة الصحيحة وعلامة (×) أمام العبارة الخاطئة:

1- تبدو في شعر يحيى بن حكم الغزال سمة القص والحوار.

2- تدل الأبيات السابقة: (وخيرها أبوها... إلخ) على روح النقد الاجتماعي.

3- يتضح الملمح الأسري في أبيات ابن درَّاج القسطلي السابقة.

4- العاطفة القوية واضحة في موشح الأعمى التطيلي.

الإجابات النموذجية:

1- ()، 2- ()، 3- ()، 4- (×).

ملخّص الدّرس:

- قدمت في هذا الدرس عددًا من الشعراء الذين أسهموا بإبداعهم في ديوان الشعر الأندلسي، وهم: يحيى بن حكم الغزال، وابن دراج القسطلي، والأعمى التطيلي.

- وكل واحد من هؤلاء يتميز شعره بخصائص موضوعية وفنية، تجعله علمًا من أعلام الشعر في الأندلس.

كما قدمت نماذج من أشعار هؤلاء الثلاثة تدل على السمات، والخصائص الموضوعية والفنية لكل واحد من هؤلاء الشعراء.

تمارين الدّرس:

لكي تعمّق فهمك لهذا الدرس، قم بهذا النّشاط، ثمّ قارن ما تتوصل إليه بالإجابات النموذجية أدناه:

ضع علامة (√) أمام العبارة الصحيحة وعلامة (×) أمام العبارة الخاطئة:

1- كان يحيى بن حكم الغزال ذا مواهب خَلْقية، وخُلُقيةٍ تؤهله للمناصب الكبرى.

2- لم ينجح الغزال في مهمة السفارة بين قرطبة وبيزنطة.

3- تنقسم حياة الغزال إلى ثلاثة أقسام، لكل قسم منها شعر يناسبه.

4- لا يدل شعر ابن درَّاج القسطلي على كثرة أسفاره لمدح الأمراء والملوك، من أجل الحصول على ما يكفيه وأسرته من المال.

5- كان ابن دراج بارعًا في وصف مشهد الوداع.

6- موشح الأعمى التطيلي الذي أشير إليه في الدرس غرضه الرثاء.

الإجابات النموذجية:

1- ()، 2- (×)، 3- ()، 4- (×)، 5- ()، 6- (×).

مراجع الدّرس:

1- الأدب الأندلسي، د. أحمد هيكل

2- الأدب الأندلسي، د. مصطفى الشكعة.

خاتمة:

بهذا نكون قد وصلنا أخي الدارس إلى ختام الدرس السابع عشر، فإلى لقاءٍ يتجدّد مع الدَّرس الثامن عشر، والّذي ينعقدُ بإذن الله حول: من أعلام الشعر الأندلسي (ابن عبد ربه، ابن زيدون، ابن خفاجة، أبو البقاء الرندي).

هذا، والله وليُّ التَّوفيق. وصلى الله على سيِّدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.