دور مجلس الأمن في تسوية المنازعات الدولية :
يعتبر مجلس الأمن من بين أهم أجهزة الأمم المتحدة, وقد خوله الميثاق سلطات على قدر كبير من الأهمية نتيجة اضطلاعه بمهمة حفظ الأمن والسلم الدوليين, وقد شملت اختصاصات مجلس الأمن الدولي أنشطة الأمم المتحدة السياسية من خلال مظهرين من مظاهر حفظ الأمن والسلم بين أعضاء الأمم المتحدة. فالمظهر الأول هو العمل على تسوية المنازعات الدولية بالطرق السلمية. والثاني اتخاذ التدابير اللازمة اذا استفحلت هذه المنازعات وتطورت الى ما يمكن ان يهدد السلم والأمن الدوليين, او يخل به ويؤدي الى أعمال عدوانية(1).

فالمنازعات الدولية شأنها شأن المسائل الدولية الأخرى, إحدى العوامل التي من الممكن ان تزعزع الأمن والسلم الدولي اذا لم يتم تسويتها عن طريق احد الوسائل السلمية المختلفة طبقا للمادة (33) من الميثاق ضمانا لعدم تفاقمها وتحولها الى حروب مدمرة (2).
لقد تضمن الفصل السادس من الميثاق النصوص التي تتعلق باختصاصات المجلس وسلطاته فيما تتعلق بالحل السلمي للمنازعات, فاذا وجد نزاعا من شأنه ان يعرض الأمن والسلم الدولي للخطر, يسعى المجلس بحله من خلال دعوة أطراف النزاع للجوء الى الطرق السلمية في حل المنازعات طبقا لأحكام الفصل السادس من الميثاق, أو يقوم مجلس الأمن نفسه بتحديد الطريقة الواجب عليهما اتباعها , أو يقترح عليهما الحل المناسب (3).








 
(1) أبو هيف, د. علي صادق, مصدر سابق, ص649
(2) أنظر نص المادة (33) من الميثاق
(3) أنظر نص المادة (39) من الميثاق

أما اذا كان النزاع مما يهدد السلم مباشرة, فأن المجلس لا يكتفي بالتوصية, بل يصدر أوامره بفرض تدابير مؤقته كأيقاف القتال وهذا ما حصل في الحروب العربية الاسرائلية  في فلسطين سنة 1948 , وفي سنة 1973 , أو قراره في سحب القوات الكورية الشمالية التي اجتازت حدود كوريا الجنوبية سنة 1950, والتي طالبها مجلس الأمن بسحب قواتها لما وراء خط عرض (38), كما من صلاحياته ايضا أن يأمر بتطبيق الجزاءات الأقتصادية والعسكرية المنصوص عليها في الفصل السابع(1), كما لجأ الى التعامل به مع العراق طبقا لأحكام الفصل السابع بسبب احتلاله للكويت عام 1990.

وفي حالة عجز مجلس الأمن عن تحمل مسؤليته في ردع العدوان واستباب السلم, فالجمعية العامة هي التي تتولى هذه المسؤولية وذلك استنادا الى القرار المرقم (377) والصادر في 3 تشرين الثاني 1950 والمعروف باسم " الاتحاد من أجل السلام" (2).

كما لا يحق للمجلس أن يفرض على الدول المتنازعة طريقة معينة لتسوية منازعاتها, لأن اطراف النزاع هي الأدرى بطبيعته, ومن ثم هي الأدرى بوسائل تسويته. الا أن ممارسة دور مجلس الأمن يقضي ألمرور بمرحلتين أساسيتين:














 
(1) أنظر المادة (41) من الميثاق
(2) العطية, د. عصام, مصدر سابق, 597

أولا- اختصاص المجلس في حل المنازعات بالطرق السلمية:
من مهام المجلس الأساسية هي دعوة الدول المتنازعة الى التماس حله بالوسائل السلمية المذكورة في المادة (33) من الميثاق, أما اذا أخفقت أطراف النزاع في إيجاد تسوية لحلها بالطرق السلمية وجب عليها ان تعرض الأمر على مجلس الأمن, وللمجلس ان يوصي بما يراه ملائما من شروط لحل النزاع كما نصت المادة (37 ) "على أنه يجوز للمتنازعين أن يتفقوا على عرض نزاعهم مباشرة على مجلس الأمن "(1). وفي هذه الحالة يقدم المجلس توصياته لحل النزاع سلميا حسب المادة (38) وعلى المجلس وهو يقدم توصياته في أي نزاع ان يراعي ما اتخذه المتنازعون من اجراءات سابقة لحل النزاع. وان المنازعات القانونية يجب ان يقوم اطرافها بعرضها على محكمة العدل الدولية وفقا لأحكام النظام الأساسي لهذه المحكمة طبقا للمادة (36) (2).

كما للمجلس فيما تقدم, له أيضا ان يفحص في أي نزاع أو أي موقف قد يؤدي الى احتكاك دولي أو يثير نزاعا, من خلال انشائه ( لجان تحقيق ) و( لجان توفيق) استنادا الى المادة(34) من الميثاق التي تؤكد حق المجلس في التحقيق في أي موقف أو نزاع يمكن أن يؤدي استمراره الى احتكاك دولي أو الى نزاع . ومن الأمثلة على ذلك تشكيل مجلس الامن للجان تحقيق في المجازر التي ارتكبتها القوات الصهيونية في مخيم جنين بحق العشرات بل المئات من المدنيين الفلسطينيين اثر اجتياح القوات الصهيونية للأراضي الخاضعة للسلطة الوطنية الفلسطينية, غير أن المجلس ونتيجة للضغوط الأمريكية المتمثلة بالتهديد باستخدام الفيتو (ضد أي قرار يصدر ضد الكيان الصهيوني) اضطر الى اصدار قرار أوكل بموجبه للأمين العام للأمم المتحدة مهمة تشكيل لجنة تقصي الحقائق (بدلا من لجنة التحقيق) وقد رفض الكيان الصهيوني أيضا بعد تشكيل اللجنة استقبالها ، وهذا الأمر اضطر الأمين العام في النهاية الى اصدار قرار بحل هذه اللجنة(3) .



 
(1) توفيق, د. سعد حقي, مصدر سابق, ص380
(2) أبو هيف, د. علي صادق, مصدر سابق, ص734-735
(3) الموقع الرسمي للجيش اللبناني, العدد 205, تموز/ 2002
 www. Lebarmy.gov.lb
كما ان لكل عضو في الامم المتحدة أن ينبه المجلس أو الجمعية العامة الى أي نزاع حتى وان لم يكن طرفا فيه, والأمثلة على ذلك عديدة منها, اجتماع مجلس الأمن للنظر في النزاع المسلح بين العراق وايران بطلب من المكسيك والنيروج. كما أن لكل دولة ليست عضوا في الأمم المتحدة لها ان تنبه المجلس أو الجمعية العامة ايضا الى أي نزاع تكون طرفا فيه اذا كانت تقبل مقدما في خصوص هذا النزاع التزامات الحل السلمي المنصوص عليها في الميثاق المادة (35)(1).

وقد خول مجلس الأمن نوعين من الاختصاصات , فالأول وقائي ويمثل التدخل بصورة غير مباشرة وذلك بهدف كبح جماح النزاع والحيلولة دون تفاقمة كما مر بنا, والثاني تخويل مجلس الأمن سلطة تجعله يتخذ اجراءات القمع بعد أن يستنفد الوسائل السلمية, وفي هذه الحالة يعد التدخل عاجلا أو تأديبيا, كما سنعرضه فيما يأتي من سلطة مجلس الامن في هذا المجال.

ثانيا- سلطة مجلس الأمن في حالة تهديد السلم والأمن الدوليين:
يتضمن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة العديد من الاجراءات التي من الممكن ان يتخذها مجلس الأمن الدولي اذا وقع تهديد للأمن والسلم الدوليين, وعلى المجلس قبل ان يتخذ أي اجراء ان يقرر فيما اذا كانت المسألة تشكل تهديدا للأمن والسلم أو اخلالا به وذلك طبقا للمادة (39) من الميثاق والتي تخول المجلس سلطة تقديرية لا حدود لها في تقدير الحالات التي يرى المجلس أنها تشكل تهديدا للأمن والسلم الدوليين(2).







 
(1) المهنا, د.فخري رشيد, مصدر سابق, ص288-289
(2) أنظر نص المادة (39) من الميثاق
وقد ورد النص على هذه السلطات التي خولها الميثاق لمجلس الأمن الدولي في الحالات المشار اليها في الفصل السابع من الميثاق , ومن هذه النصوص كما ورد في المادة (39) التي خولت مجلس الأمن صلاحيات كاملة في تكييف ما اذا كان قد وقع يمثل تهديدا للسلم أو اخلالا به أو عملا من أعمال العدوان, وسلطة المجلس التقديرية في هذا المجال كاملة ولا معقب عليها(1).
واذا قرر مجلس الأمن ما اذا كان قد وقع تهديد للسلم أو اخلال به أو كان ما وقع عملا من أعمال العدوان , ويقدم في ذلك توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير طبقا لاحكام المادتين (41-42) من الميثاق(2).
ومنعا لتفاقم الموقف, يملك مجلس الأمن الصلاحية باتخاذ التدابير الملائمة , أن يدعو المتنازعين بما يراه ضروريا أو مستحسنا من تدابير مؤقته, ولا تخل هذه التدابير بحقوق المتنازعين ومطالبهم أو بمركزهم(3).فاذا لم يأخذ المتنازعون بهذه التدابير المؤقتة أو رأى المجلس من أول الأمر أن لا وجه لها, فانه يلجأ الى التدابير المباشرة التي لها صفة الجزاء وهي على نوعين:
النوع الأول:
 تدابير لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قرارات مجلس الأمن, لكنه يطلب من اعضاء الأمم المتحدة بتطبيق تدابير على الدولة المعتدية, من بينها وقف الصلات الأقتصادية والمواصلات الجوية والحديدية وغيرها من وسائل الاتصالات والمواصلات وقفا جزئيا أو كليا, كذلك قطع العلاقات الدبلوماسية مع الدولة المعتدية  كما جاء في المادة (41).




 
(1) السيد عارف رشاد, مصدر سابق, ص108
(2) المادة (93) من الميثاق
(3) المادة (40) من الميثاق
 كما أن أي قرار يصدره مجلس الأمن في هذا الشأن يعتبر قرارا ملزما ليس فقط للدول الأعضاء في الأمم المتحدة فقط. وكما أن الدول غير الأعضاء في الأمم المتحدة ايضا ملزمة بقرار مجلس الأمن, حيث أن مفهوم الأمن الدولي هو شامل للأسرة الدولية جميعا(1).
النوع الثاني:
وهو قيام مجلس الأمن باللجوء الى التدابير العسكرية اذا وجد أن غيرها من التدابير لا تفي بالغرض التي تقتضي ضرورة حفظ السلم أو اعادته الى نصابه. وقد نصت المادة (42) " اذا رأى مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها في المادة (41) لا تفي بالغرض أو ثبت أنها لم تف به, جاز له أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته الى نصابه. ويجوز أن تتناول هذه الأعمال المظاهرات والحصر والعمليات الأخرى بطريق القوات الجوية أو البحرية أو البرية التابعة لأعضاء الأمم المتحدة"(2).
 لذلك يطلب مجلس الأمن من جميع أعضاء الأمم المتحدة ان يضعوا تحت تصرفه ما يلزم من القوات المسلحة والمساعدات الضرورية الاخرى ليقوم بواجبه في قمع العدوان واعادة السلام والامن الدولي الى نصابه. وضمانا لسرعة هذه التدابير أوجب الميثاق على الدول الاعضاء ان يكون لها قوات مستعدة لهذا الغرض(3).
كما يتعهد جميع أعضاء الأمم المتحدة في سبيل حفظ السلم والأمن الدولي, أن يضعوا تحت تصرف مجلس الأمن بناء على طلبه, وطبقا لاتفاق أو اتفاقات خاصة ما يلزم من القوات المسلحة والمساعدات الضرورية لحفظ السلم والأمن الدوليين ومن ذلك حق المرور(4).





 
(1) المهنا, د . فخري رشيد , د. صلح ياسين داوود, مصدر سابق, ص290
(2) السيد, د. عارف رشاد, مصدر سابق, ص228
(3) أنظر المادة ( 45) من الميثاق
(4) أنظرالفقرة (1) المادة (43) من الميثاق
وقد أقرت الأمم المتحدة الحق للدول المعتدى عليها في ممارسة الدفاع عن النفس الفردي أو الجماعي حتى يتسنى لمجلس الأمن اتخاذ التدابير اللازمة  لحفظ السلم والأمن الدوليين(1).

والجدير بالذكر ان مجلس الأمن في اتخاذه التدابير العقابية ضد الدول المعتدية الواردة في المواد (41-42) من الميثاق, هو أمر مرهون باتفاق الأعضاء الدائمين في المجلس , فاذا عارضت احدى الدول دائمة العضوية في المجلس, فهذا يؤدي الى فشل المجلس في اتخاذه التدابير في ردع الدولة المعتدية. فالشواهد على ذلك كثيرة ومن امثلتها العدوان الاسرائيلي المتكرر على الاراضي الفلسطينية والعربية دون ان يتخذ مجلس الأمن تدابير رادعة للكيان الصهيوني بسبب الفيتو الامريكي الذي ساعد اسرائيل على المضي في تحدي المجتمع الدولي وعدم الاعتراف بقرارات الأمم المتحدة.

Post a Comment

Previous Post Next Post