المخفي
كثيراً ما يتوارى المجرمون عن وجه العدالة، ويخفون الأشياء المتعلقة بجريمتهم، كالأدوات المستعملة في الجريمة، أو الأشياء المسروقة، أو الأوراق المزورة .. الخ. وقد عاقب الشارع من يساعد هؤلاء بإخفائهم أو بإخفاء الأشياء المتعلقة بجريمتهم، وسماه المخفي.
وقد سبق وتحدثنا عن الإخفاء كوسيلة من وسائل التدخل، وقلنا أن التدخل بالإخفاء يتم بناء على اتفاق سابق بين الفاعل والمخفي، أما الإخفاء بوصفه جريمة مستقلة فهو الذي يتم بعد وقوع الجريمة دون اتفاق سابق.
ـ أنواع الإخفاء وأركانه:
الإخفاء على نوعين: إخفاء الأشياء وإخفاء الأشخاص.
وقد عرفت المادة 220 من قانون العقوبات مخفي الأشياء بأنه الشخص الذي يقدم «... وهو عالم بالأمر على إخفاء أو بيع أو شراء أو تصريف الأشياء الداخلة في ملكية الغير والتي نزعت أو اختلست أو حصل عليها بجناية أو جنحة...».
ولا يشمل هذا النص، كما ذكرنا قبل قليل، إخفاء الأشياء بناء على اتفاق سابق، لأن هذا الإخفاء تدخل وليس إخفاء مجرداً.
وعرفت المادة 221 من قانون العقوبات مخفي الأشخاص، بأنه الشخص الذي يقدم على إخفاء شخص يعرف أنه اقترف جناية، أو يساعده على التواري عن وجه العدالة.
والأشخاص المقصودون هنا هم الذين ارتكبوا جناية، أما إخفاء مرتكب الجنحة فلا عقاب عليه (م221).
ويخرج عن نطاق الأشخاص المشمولين بنص المادة 221، الأشخاص المذكورون في الفقرة (و) من المادة 218 وهم: الأشرار الذين دأبهم قطع الطريق، أو ارتكاب أعمال العنف ضد أمن الدولة أو السلامة العامة، أو ضد الأشخاص أو الممتلكات، لأن إخفاء هؤلاء الأشخاص يعد تدخلاً لا إخفاء بنص القانون.
والقصد الإجرامي في الإخفاء ركن من أركان هذه الجريمة. فلا بد من علم المخفي بأن الشيء الذي يخفيه ناجم عن جناية أو جنحة، أو أن الشخص الذي يخفيه مرتكب لجناية. ولابد ثانياً من اتجاه الإرادة إلى إخفاء الأشياء أو الأشخاص. وفي كل ذلك يجب أن تطبق القواعد العامة للقصد الإجرامي.
ـ عقوبة الإخفاء:
يعاقب مخفي الأشياء الناجمة عن جناية بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين، وبالغرامة من عشر ليرات إلى مائتي ليرة سورية (م 220 ف1).
أما مخفي الأشياء الناجمة عن جنحة، فلا يجوز أن تتجاوز عقوبته ثلثي الحد الأعلى لعقوبة الجنحة المرتكبة (م 220 ف 2).
ويعاقب مخفي الأشخاص بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين (م221 ف 1).
هذا وقد وضع المشرع السوري حكماً خاصاً بجريمة إخفاء الأشخاص، يتضمن عذراً قانونياً محلاً، ويقضي بإعفاء المخفين من العقوبة إذا كان الجناة المخبؤون من أصولهم أو فروعهم أو أزواجهم أو زوجاتهم حتى الطالقات، أو أشقائهم أو شقيقاتهم أو أصهارهم من الدرجات نفسها (م221 ف2). وقد أخذ المشرع السوري بهذا العذر المحل استجابة لدوافع إنسانية، ولواقع الحياة الاجتماعية والعلاقات الأسرية.
ولا بد من الإشارة إلى أن هذا الإعفاء خاص بإخفاء الأشخاص ولا ينطبق على إخفاء الأشياء. فإذا أحضر الولد إلى منزل والده مالاً مسروقاً وأخفى الوالد هذا المال  لديه فإنه يرتكب جريمة إخفاء مالٍ مسروقٍ، ولا يستفيد من الإعفاء المنصوص عليه في المادة 221/ الفقرة 2 من قانون العقوبات.
ومن ناحية أخرى فإن حكم المادة 221/ الفقرة 2 من قانون العقوبات ينطبق على الأشخاص الذين يرتكبون جريمة جنائية، كما ينطبق (من باب أولى) على الأشخاص الذين يرتكبون جنحة إخفاء الأشخاص ويعاقبون بنص خاص خلافاً للقاعدة، كما هو الحال في جريمة إخفاء فارٍّ من الجيش المعاقب عليها بعقوبة جنحية في المادة 108 من قانون العقوبات العسكري. وفي ذلك قالت محكمة النقض السورية: «إن المادة 221 عقوبات، التي تعفي من يخبئ قريبه المرتكب جناية ما، تشمل جميع الجرائم على الإطلاق بما فيها الجنح، ومنها جرم الفرار من الجيش»([1]).


ـ ملخص لخطة المشرع السوري في الاشتراك الجرمي أو المساهمة في الجريمة:
لقد تبين لنا مما تقدم أن المشرع السوري وضع لنفسه خطة خاصة في نظرية المساهمة في الجريمة، تبنى فيها القواعد الست الآتية:
1 ـ تبنى المشرع السوري (ومثله المشرعان اللبناني والأردني) نظرية خاصة في المساهمة في الجريمة، تختلف عن النظرية السائدة التي تبنتها أكثر التشريعات الحديثة. فهذه التشريعات (ومنها التشريعان الفرنسي والمصري) تقسم المساهمين في الجريمة إلى قسمين: الفاعل والشريك. ويقصد بالشريك كل من يساعد في ارتكاب الجريمة أو يتفق مع غيره على ارتكابها، ومنهم المحرض والمتدخل. أما الشريك في القانون السوري فهو الذي يرتكب مع غيره فعلاً أو أفعالاً من جريمة، وينفذانها معاً على مسرح هذه الجريمة، فيعد كل واحد منهما شريكاً للآخر. أما الأدوار الأخرى التي يقوم بها المساهمون في الجريمة فهي التدخل والتحريض والإخفاء، ولكل من هذه الأدوار أحكامه الخاصة.
2 ـ تقوم نظرية المساهمة في الجريمة (الاشتراك الجرمي) على مبدأ وحدة الجريمة المادية والمعنوية، وهذه الوحدة هي التي تجمع المساهمين ـ على تعددهم ـ في إطار الجريمة المرتكبة.
3 ـ سمى المشرع الفاعل مع غيره «الشريك»، وميز بينه وبين المتدخل. فالفاعل والشريك يقومان بدور رئيسي في تنفيذ الجريمة، أما المتدخل فيقوم بدور تبعي فيها. كما فرق المشرع بين هؤلاء وبين المحرض، وجعل لهذا الأخير مركزاً قانونياً مستقلاً عن غيره من المساهمين الآخرين  في الجريمة.
4 ـ يستعير المتدخل جرميته من الفاعل، أما المحرض فيستقل عن الفاعل في المسؤولية، وفي العقوبة، وفي ظروف الجريمة أو في ظروف الفاعل. ولكن يستفيد المحرض مع ذلك من تخفيف العقوبة، إذا لم يفض التحريض إلى نتيجة، ويعفى من العقوبة في المخالفة إذا لم يلق التحريض قبولاً.
5 ـ يأخذ المشرع بالاستعارة النسبية بين الفاعل والمتدخل، فيجعل عقوبة المتدخل، من حيث المبدأ، أخف من عقوبة الفاعل. كما أن المتدخل لا يتأثر إلا بالظروف المادية والظروف المشددة الشخصية أو المزدوجة التي سهلت اقتراف الجريمة، أما الظروف الأخرى فلا يتعدى تأثيرها إليه.
6 ـ لا تعدّ المساهمة في الجريمة سبباً عاماً في تشديد العقوبة، وإن شدد الشارع العقاب على تعدد الفاعلين في بعض الجرائم، كالاغتصاب والفحشاء (م 498 ق.ع)، والسرقة (م 626 و 631 ق.ع).


(1) نقض سوري: ج 1751 ق 76 تا 23/1/1963، م . ج، القاعدة 917، ص 833.

Post a Comment

Previous Post Next Post