وسائل التغلُّب على الواسطة والمحسوبية والرشوة في مكان العمل
يعود السبب في تفشي ظاهرة الواسطة إلى أسباب عدة منها الاجتماعي المتعلق بترابط أفراد المجتمع وما تقتضيه من (الفزعة) والمساعدة ومد يد العون وهو أمر حميد إذا لم يسبب ضررا لأحد ولكن الواقع يشير إلى عكس ذلك، ومن الأسباب البيروقراطية الإدارية في عمل الأجهزة الحكومية من تعقد وطول الإجراءات والشروط للخدمات المقدمة وعدم وضوح الأنظمة وتضاربها والتهاون في تطبيقها وغياب الشفافية والرقابة على أعمالها.
ومشكلة الواسطة الرئيسية لا تكمن في المساعدة وإلا كان هذا الفعل من أفعال الخير، بل ان الأمر يتعدى ذلك باقتناص من حقوق الآخرين وإعطاء حقهم لمن لا يستحق مسببة لهم أضرارا عدة، فتضيع المعايير للعدالة المفترضة في المساواة بين الناس أمام أحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة. لذا لا غرو أن تعد الواسطة وبالصورة السلبية لها ضرباً من ضروب الفساد الإداري الذي يجب أن يحارب وبشدة، ففي الشريعة الإسلامية لا جدال في حرمة الواسطة المذمومة والتي تؤدي إلى الإضرار بالآخرين. أما في القانون فهي مجرمة بصور معينة، وقد لا يدرك الكثير من الناس أن في المملكة تم النص على تجريم حالة من حالات الواسطة وذلك في نظام مكافحة الرشوة الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/ 36وتاريخ 1412/12/29، فقد نصت المادة الرابعة من النظام على ما يلي: "كل موظف عام أخل بواجبات وظيفته بأن قام بعمل أو امتنع عن عمل من أعمال تلك الوظيفة نتيجة لرجاء أو توصية أو وساطة يعد في حكم المرتشي ويعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات وبغرامة لا تزيد عن مائة ألف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين". والكثير من حالات الواسطة في المملكة ينطبق عليها حتماً نص هذه المادة ولكن بطبيعة الحال تظل المادة حبراً على ورق، فمن النادر جداً أن نسمع عن حالة تم تجريمه بناء على هذا النص، بل كثير من حالات الواسطة تنطبق عليها وصف جريمة الرشوة بشروطها وأركانها، فنظام مكافحة الرشوة لم يشترط لمقابل الرشوة أن يكون فقط مادياً ملموساً بل يمكن أن يكون أمورا غير مادية، فبحسب نص المادة الثانية عشرة من هذا النظام "يعتبر من قبيل الوعد أو العطية في تطبيق هذا النظام كل فائدة أو ميزة يمكن أن يحصل عليها المرتشي أياً كان نوع هذه الفائدة أو تلك الميزة أو اسمها سواء كانت مادية أو غير مادية" لذا لا تعدو أن تكون الواسطة في كثير من الحالات سوى وجه من أوجه الرشوة المجرمة قانوناً، فالكثير من الموظفين يحصلون على فوائد ومزايا غير مادية ولكن تظل هذه الجريمة ومرتكبها في مأمن من العقاب وكان مقابل الرشوة يقتصر فقط على قبض المال.

Post a Comment

Previous Post Next Post