العوامل الجغرافية والبيئية المؤثرة في صحة الإنسان
إذا كان الهدف الرئيس لكل الدراسات البيئية وعلم البيئة،
وغيره من العلوم هو ضمان معرفة البيئة، ومعرفة مكوناتها، وحماية هذه المكونات
بالشكل الصحيح والسليم، بما في ذلك الإنسان، وهذا لا يتم بدون معرفة العلاقة بين
صحة الإنسان وصحة البيئة، وإذا كان من المعروف أهمية هذه العلاقة منذ القدم، فإنها
الآن أصبحت أكثر إلحاحاً، وأكثر أهميةً، بسبب تفاقم المشكلات الصحية وتزايد
الأمراض، وليس تناقصها كما يظن البعض، أو على الأقل بسبب ظهور أمراضٍ جديدةٍ مقابل
اختفاء أمراض أخرى، أضف إلى ذلك تزايد أعداد سكان العالم بشكل كبير، وزيادة
المشكلات البيئية وتفاقمها إلى حدٍ غير مسبوق، ولأسباب كثيرة. ويمكن تصنيف العوامل
البيئية المؤثرة في صحة الإنسان في نوعين من العوامل هما العوامل الطبيعية، والعوامل البشرية.
أولاً
- العوامل البيئية الطبيعية:
إن
العوامل البيئية والجغرافية الطبيعية المؤثرة في صحة الإنسان كثيرة ومتنوعة ومنها:
يعد المناخ بعناصره
المختلفة من أكثر العوامل المؤثرة على صحة الإنسان، سواء بشكل مباشرٍ وما ينجم عنه
من أمراض مباشرة في فصول السنة المختلفة، ومنها ما يسمى بأمراض الصيف، وأمراض
الشتاء، أو بشكل غير مباشر، حيث تشكل
عوامل مساعدة لتكاثر البكتريا والجراثيم والطفيليات المسببة للمرض. وأصبح من المعروف
أن الكثير من الأمراض، مثل أمراض الروماتيزم، والأمراض القلبية، وأمراض الربو
والجهاز التنفسي، وأمراض العيون، والسرطانات، وحتى بعض الأمراض العصبية والنفسية،
جميعها لها علاقة بالمناخ والظروف المناخية، وأهم العوامل المناخية المؤثرة في صحة
الإنسان هي:
ج
- الرطوبة الجوية:
للرطوبة
الجوية تأثير مباشر على جسم الإنسان الذي يحتاج إلى معدل مناسب منها، ونقص أو
زيادة رطوبة الجو عن الحد المعقول يؤثر في صحة الإنسان بشكل أو بآخر، فنقص الرطوبة
مثلا يؤدي إلى حدوث تشققات في الغشاء المخاطي للأنف، بينما زيادة الرطوبة في الجو
الحار تسبب الإجهاد والتعب، والإحساس بالضيق والإرهاق الحراري وصعوبة التنفس.
د
- الضغط الجوي:
يؤثر
الضغط الجوي في صحة الإنسان، وخاصة على عمل القلب والرئتين، فمثلاً انخفاض الضغط
الجوي مع الارتفاع (في الجبال أو في الطائرات أو غيرها) يؤدي إلى تخلخل الهواء
وتناقص محتواه من الأكسجين، وهذا ينعكس على الجهاز التنفسي وبالتالي على الدورة
الدموية وعمل القلب، وقد يؤدي إلى آلام في البطن، وتورم الأقدام وغير ذلك.
2 -
الموقع الجغرافي:
إن
كلاً من الموقع الفلكي والموقع الجغرافي يؤثر في صحة الإنسان سلباً أو إيجاباً،
بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فالموقع الفلكي يؤثر في الصحة بحسب علاقته بعناصر
المناخ والأمراض المرتبطة به التي ذكرنا بعضها آنفاً، والموقع الجغرافي يؤثر في
صحة الإنسان بحسب قربه أو بعده عن مناطق توطن الأمراض، الوبائية منها بشكل خاص،
وظروف انتقال هذه الأمراض من موقع إلى آخر.
3
- نوعية الصخور والتربة:
توجد علاقة قوية بين انتشار بعض الأمراض، وبين نوعية الصخور
والتربة، وتركيبهما المعدني والكيميائي، والتي تؤثر بدورها في خصائص الماء
والغذاء، حيث يعتقد أن سرطان المعدة مثلاً يكثر في مناطق الصخور النارية المكونة
من السيانيت والإندسيت، والترب الفقيرة باليود تسبب مرض تضخم الغدة الدرقية، كما
أن نوعية الصخور والمعادن الموجودة فيها تحدد خصائص المياه، وهذه بدورها لها علاقة
بانتشار بعض الأمراض، بينما يوجد في التربة الكثير من الكائنات الحية الدقيقة
والبكتريا والطفيليات، وقد تسبب أمراضاً مختلفة بشكل مباشر لمن يتعرض لها، مثل مرض
القرحة السيبيرية، ومرض الانسمام الوشيقي (Botulisme)،
والغنغرينا الغازية التي تؤدي إلى النخر العضلي، أو إنتان الدم، أو تأثيرات عصبية
مختلفة، أو بشكل غير مباشر عن
طريق تلوث الماء والغذاء.
4
- التضاريس:
تؤثر التضاريس على صحة الإنسان بشكل مباشر أو غير مباشر،
فعندما تكون مرتفعة تسبب تناقص قيم الضغط
الجوي وما ينتج عنه، أو تعيق تكاثر طفيليات الكوليرا والملاريا والبلهارسيا (ثبت
أن هذه الطفيليات لا تتكاثر في المناطق المرتفعة)، وكذلك فإن المناطق المرتفعة
تساعد في الشفاء من بعض الأمراض الجلدية، وتخفض من معدل السكر في الدم لدى مرضى
السكري([1]).
5 -
نوعية المياه:
إن خصائص مياه الشرب ونوعيتها تؤثر بشكل كبير في صحة
الإنسان، وأعتقد أنه في كثير من الأحيان يجب البحث عن دور المياه وعلاقتها
بالأمراض والصحة، حتى إن البعض يربط بين نوعية المياه، ونوعية الصوت، والحيوية
والنشاط والنمو وغير ذلك، ويقدر أن المياه اليسرة الخالية من عنصري الكالسيوم
والمنغنيز قد تزيد من الإصابة بأمراض سرطان المعدة، وأمراض القلب والأوعية الدموية
والنوبات القلبية، وللمياه علاقة بأمراض لين العظام وتخلخلها، وتلف الأسنان
وتسوسها وتبقعها، وهذا يرتبط بمعدل الفلور في الماء، ونقص اليود في المياه كما هو
الحال في التربة، يزيد من احتمال الإصابة بتضخم الغدة الدرقية، كما أن استعمال
المياه الملوثة أو غير الصالحة لأغراض لها علاقة بصحة الإنسان مثل غسيل الخضار
والفاكهة واللحوم وتنظيفها، أو سقاية الحيوانات، أو تصنيع الأغذية أو غيرها، كل ذلك
يضاعف من التأثير السلبي للمياه على صحة الإنسان.
6 - الكائنات
الحية المتمثلة بالنباتات والحيوانات والحشرات والطفيليات:
هذه
الكائنات تسمى المسببات الحيوية للأمراض، وتوجد علاقات معقدة ومتشابكة بين كل من
المجموعة النباتية (الفلورا)، والمجموعة الحيوانية (الفاونا)، والكائنات الدقيقة
والطفيليات، وبين صحة الإنسان، فبعض النباتات سامة وضارة، وبعضها نافعة ومفيدة،
والكثير من الحيوانات البرية أو الأهلية، وكذلك الطيور والحشرات تشكل مصدراً لعدوى
الإنسان وإصابته بالكثير من الأمراض، أما الكائنات الدقيقة والطفيليات التي تتطفل
على الإنسان وتصيبه بالمرض، فحدث ولا حرج ومنها، ديدان البلهارسيا والانكلوستوما
والإسكارس وغيرها.
(§)
لمزيد من المعلومات راجع كتاب د . جهاد علي
الشاعر : تغير المناخ وأثره في الصحة البشرية، منشورات جامعة دمشق 2005 - 2006 م،
خاصةً الفصل الخامس.
لقد قدمتم لنا معلومات قيمة وجميلة جدا شكرا لكم على مجهودكم الجبار
ReplyDeletePost a Comment