ابن سحنون
أولاً : ابن سحنون وآراؤه التربوية : محمد بن سعيد بن حبيب ، التنوخي القيرواني ، ( وُلِدَ 202هـ ) بالقيروان بتونس ، و( ت 256هـ ) ، ودُفِنَ بجوار أبيه بالقيروان .
وقد نشأ ابن سحنون في بيئة مثقفة متدينة ؛ فقد كان أبوه الإمام سحنون عالمًا متدينًا ذائع الصيت ، وقاضيًا متنورًا عادلًا ، تولى القضاء في عهد الأمير أبي العباس أحمد بن الأغلب ، وباشر الحسبة والمظالم بنفسه ، واستحق أن يلقب بسراج القيروان ، وقد تلقى ابنه محمد العلم عنه وعن غيره من علماء عصره . وارتحل إلى الشرق حبًّا في الاستزادة في طلب العلم
مؤلفاته : وقد ألّف محمد بن سحنون كتبًا كثيرة تزيد عن العشرين مصنفًا في مختلف العلوم، إلا أنشهرة ابن سحنون بالنسبة لدراسة التربية الإسلامية ترتبط بكتابه المعروف ( آداب المعلمين ) ويتضمن الكتاب
عشرة أبواب على الترتيب هي :
1- ما جاء في تعليم القرآن العزيز .
2- ما جاء في العدل بين الصبيان .
3- باب ما يكره محوه من ذكر الله تعالى .
4- ما جاء في الأدب ، ما يجوز في ذلك وما لا يجوز .
5- ما جاء في الختم ، وما يجب في ذلك للمعلم من حيث الأجر .
6- ما جاء في القضاء بعطية العيد .
7- ما ينبغي أن يخلي الصبيان فيه " العطلات الرسمية " .
8- ما يجب على المعلم من لزوم الصبيان .
9- ما جاء في إجازة المعلم ، ومتى تجب " أجر المعلم " .
10- ما جاء في إجازة المصحف وكتب الفقه وما شابهها .
وهناك تداخل أحيانًا وتكرار أيضًا في الآراء التي يوردها تحت هذه العناوين ، بل أنه قد يرد تحت العنوان
كلام لا يدخل في بابه أو موضوعه .
سنعرض لأهم الآراء والمبادئ التي أوردها ابن سحنون بترتيبها كما هي ، ولا يعتبر ذلك نقدًا أو تقليلًا لأهمية الآراء التي أوردها ، فهو يعتبر أول من ألف في التربية الإسلامية من العرب والمسلمين ، فلم يرد قبله كتاب تناول هذا الموضوع ، وقد اعتمد عليه من ألف بعده في نفس الموضوع ومنهم القابسي في رسالته عن أحوال المعلمين والمتعلمين ، قد كان ينقل أحيانًا نقلًا حرفيًّا عن ابن سحنون ، وأحيانًا أخرى كان ينقل بتصرف في العبارة دون إخلالٍ بالمعنى  .
أهم الآراء التي وردت في رسالة ابن سحنون : لا يورد ابن سحنون آراء وأحكامًا مستقلة تعبر عن رأيه ، وإنما يورد هذه الآراء منسوبة إلى الأحاديث النبوية أو القرآن الكريم أو الروايات المدققة .
1. فضل تعليم القرآن وتعلمه : كان أول ما أكده ابن سحنون فضل تعلم القرآن الكريم وتعليمه ، ويقتبس لذلك أحاديث للنبي كقوله -صلى الله عليه وسلم : " أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه " .
2. العدل بين الصبيان : في إشارته إلى العدل المؤدب بين الصبيان يورد ابن سحنون حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي يقول : " أيما مؤدب ولي ثلاثة صبية من هذه الأمة ، ولم يعلمهم بالسوية فقيرهم مع غنيهم ، وغنيهم مع فقيرهم حشر يوم القيامة مع الخائنين " .
3. ما يكره محوه من ذكر الله تعالى : يستدل ابن سحنون في كلامه عن ما يكره محوه من ذكر الله تعالى بما ورد عن أنس بن مالك قوله : "إذا محت صبية الكتاب" "تنزيل رب العالمين" من ألواحهم بأرجلهم ؛ نبذ المعلم إسلامه خلف ظهره ، ثم لم يبال حين يلقى الله على ما يلقاه عليه .
ويورد على لسان أنس تفسيره للطريقة التي كانت تُمحى بها الألواح وما عليها من القرآن أيام الخلفاء الأربعة فيقول : "كان للمؤدب إجانة ، وكان صبي يأتي يوم نوبته بماء طاهر يصاحبه فيها ، وتمحى الألواح بغمسها في الإجانة المملوءة بالماء ، ثم يوضع الماء بعد الانتهاء من غسل الألواح في حفرة في أرض يصب فيها لينشف ، كما يمكن مسح الألواح بلعقها أو بمسحها بالمنديل وما أشبهه .
4. ما يجوز في الأدب وما لا يجوز : يورد ابن سحنون تحت هذا العنوان روايات تتضمن أقوالًا للنبي -صلى الله عليه وسلم- تحدد مدى ما يجوز للمعلم في عقاب الصبيان وتأديبهم منها قول النبي -صلى الله عليه وسلم- : "لا يضرب أحدكم أكثر من عشرة أسواط إلا في حد" ، وهذا يعني أن ضرب المعلم الصبيان بهدف منفعتهم لا بسبب غضب المؤدب ولا يجوز للمؤدب أن يزيد في ضربه على ثلاث درر في تأديب الصبي على قراءة القرآن ، ويجب أن يكون التأديب على قدر الذنب دون إسراف .
5. وفي ختمة القرآن ، وما يجب للمعلم : يفهم مما يورده ابن سحنون أن ختمة القرآن تكون حسب قدرة المتعلم ، ولا يجوز للمعلم أن يحمل المتعلم فوق ما يريد أن يحفظه من القرآن إلا بإذن أبيه ، كما يجوز للمعلم أن يأخذ هدايا من الصبيان في مناسبة الختمة ، وفي الأعياد فقط ، ولا يجوز له أن يأخذ
منهم هدايا فيما عدا ذلك إلا بإذن الآباء .
6. وفي عطية العيد : لا يجوز للمعلم أن يكلف الصبيان فوق أجره شيئًا من هدية أو غير ذلك ، ولا جناح عليه أن يقبل الهدية إذا جاءت منهم بدون سؤال ، ولا يجوز له أن يعاقبهم على عدم إهدائهم ، كما لا يحل له أن يخليهم إذا أهدوا إليه ؛ لأن التخلية داعية إلى الهدية وهو أمر مكروه .
7. وفيما ينبغي أن يخلى الصبيان فيه : يُفهم مما يذكره ابن سحنون أن إجازة الصبيان في الأعياد تكون من يوم إلى ثلاثة في عيد الفطر ، ومن ثلاثة أيام إلى خمسة في عيد الأضحى ، ولا يجوز للمعلم أن يرسل أحدًا من صبيانه في طلب من تغيب منهم إلا بإذن أولياء الأمور، وعليه أن يتعهد المتغيبين من الصبيان بنفسه ، وأن يخبر آباءهم بتغيبهم ، ومن الأفضل ألا يكلف أحد صبيانه في القيام بالضرب وألا يجعل لهم عريفًا عليهم إلا إذا كان قد ختم القرآن وأصبح مستغنيًا عن التعليم ، فلا بأس من أن يستعين به في التعليم لما في ذلك من منفعة للصبي ، وله أن يستأذن والده في ذلك ، ويجوز له أن يستأجر من يعينه إذا كان في مثل كفاءته .
8. ما يجب على المعلم من لزوم الصبيان : مما يورده ابن سحنون تحت هذا العنوان ما يلي :
أ. لا يحل للمعلم أن ينشغل عن الصبيان وهو يقوم بتعليمهم ، اللهم إلا في الأوقات التي تتخلل عمله ، فلا بأس من أن يتحدث وهو يتفقدهم وعينه عليهم .
ب. يعرض ابن سحنون لتحريم رمي الفاكهة على الناس عند الاحتفال بختم القرآن ؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم نهى - عن أكل الطعام النهبة .
ج. يجب على المعلم أن يتفرغ لتلاميذه ، ولا يترك عمله إلا في حالات الضرورة ، وينبغي أن يخصص المعلم لتلاميذه وقتًا لتعليمهم الكتابة ، والقراءة والتوقيف والترتيل ، أما تعليم الحساب ونحو ذلك ؛ ليس واجبًا عليه إلا إذا اشتُرط عليه ذلك .
د. لا يجوز للمعلم أن يضرب الصبي على رأسه أو وجهه، ولا يجوز له أن يمنع من طعامه وشرابه إذا أرسل في طلبه .
هـ. لا يجوز للمعلم أن يوكل تعليم الصبية لبعض ، بل يجب أن يتولى ذلك بنفسه .
و. على المعلم أن يختبر مدى تقدم صبيانه في التعليم وأن يخصص وقتًا معلومًا لمراجعة حفظ القرآن ، لا يجوز للمعلم أن يعلم صبيانه قراءة القرآن بالألحان والغناء ؛ لأنه مكروه .
ز. يجوز للمعلم أن يجعل صبيانه يملي بعضهم بعضًا ، ويجب أن يتفقد إملاءهم أو يفحصها .
ح. لا يجوز للمعلم أن ينقل الصبي من سورة إلى سورة إلا إذا حفظها بإعرابها وكتابتها ، لا يجوز للمعلم أن يرسل الصبيان في قضاء حوائجه .
ط. يجب على المعلم أن يأمر الصبي بالصلاة ، وعليه أن يعلمهم الوضوء والصلاة ، ويعلمهم أيضًا سنن
الصلاة والابتهال إلى الله ، لا يجوز تعليم الصبيان في المسجد لأنهم لا يتحفظون من النجاسة ، ولم ينصب المسجد لتعليم الصبيان .
ي. لا يجوز للمعلم أن يعلم أولاد النصارى القرآن ، من المكروه تعليم الجواري باختلاطهن بالغلمان ؛ لأن ذلك فساد لهم .
9. ما جاء في إجازة المعلم ، ومتى تجب ؟ : من أهم المبادئ التي أوردها ما يأتي :
أ. يجوز أن يؤجر المعلم شهريًّا أو سنويًّا أو يدفع له الأجر حسب الاتفاق يستحق المعلم الأجر المتفق عليه، ولو كان لمدة سنة في حالة مرض الصبي أو خروجه مع والده في سفر.
ب. يجوز أن يستأجر المعلم لجماعة من الصبيان إذا تراضى الآباء بذلك ، ويقوم كل منهم بدفع نصيبه ، يمنع المعلم من التعليم إذا عُرف عنه التفريط أو التقصير في تعليم تلاميذه .
ج. يجوز للمعلم أن يعلم مع صبيان استأجر على تعليمهم صبيان آخرين بحيث لا يضر بتعليمهم .
10. ما جاء في إجازة المصحف وكتب الفقه : من أهم المبادئ التي أوردها ما يأتي:
أ. يجوز أن يستأجر المصحف للقراءة فيه ، كما يجوز بيعهم ؛ لأن ما يباع هو الحبر والورق .

Post a Comment

Previous Post Next Post