الدرس الرابع
نعم وبئس
مدخل:
الحمد لله والصّلاة والسّلام على رسول اللّه وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد أخي الطَّالب، سلام الله عليكَ ورحمته وبركاته، ومرحبًا بك في الدرس الرابع من سلسلة الدُّروس المقرَّرة عليك في إطار مادَّة النحو (5)، لهذا الفصل الدِّراسيّ، آملينَ أن تجدَ فيها كلّ المُتعة والفائدة، وكنا قد تناولنا معا في الدرس السابق الكلام عن (صوغ فعلي التعجب)، وإليك هذا الدرس الذي تتعرف فيه على (نعم وبئس)، فأهلًا وسهلًا بك:
ثمرات الدّرس:
عند نهاية هذا الدرس تستطيع بإذن الله أن:
أولًا: تتعرف على أقوال العلماء في فعلية نعم وبئس، والقول المشهور.
ثانيًا: تقف على أنواع فاعل كل من هذين الفعلين.
عناصر الدّرس:
4.1 فعلية نعم وبئس.
4.2 أحوال فاعل نعم وبئس.
التّعريفات:
1
الفعل اللازم:
ما لم يجاوز الفاعل إلى المفعول به، كقعد محمد، وخرج عليٌّ.
2
الفعل المتعدي:
ما يجاوز الفاعل إلى المفعول به بنفسه، نحو: حفظ عليٌّ الدرس، وعلامته: أن تتصل به هاء تعود على غير المصدر، نحو: زيد ضربه عمرو، وأن يصاغ منه اسم مفعول تام، أي: غير مقترن بحرف جر أو ظرف، نحو مضروب
4.1 فعلية نعم وبئس.
- الرأي المشهور (رأي علماء البصرة، والكسائي إمام الكوفة) أن نعم وبئس فعلان، والدليل:
أ– اتصال تاء التأنيث بهما عند جميع العرب. مثل: رواية الحديث الشريف: "من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل".
ب- بناؤهما على الفتح كسائر الأفعال الماضية.
ج- اتصال ضمير الرفع البارز بهما في إحدى لغات العرب.
- والباقون من الكوفيين رأوْا أنهما اسمان، والدليل: دخول حرف الجر عليهما. مثل: قول الأعرابي حين أخبر بأن امرأته ولدت له بنتا "والله ما هي بنعم الولد، نصرها بكاء، وبرُّها سرقة". ومثل قولهم: "نعم السير على بئس العَيْر" أي الحمار".
وأعربوا أسلوب كل من نعم وبئس مُبتدأ وخبرًا، فـ (نعم الرجل) في قولك: "نعم الرجل زيدٌ" اسم واحد مُبتدأ، بمعنى الممدوح، و(زيد) خبره. وكذلك (بئس الرجل) في قولك: " بئس الرجلُ عمرو "اسم واحد مُبتدأ، بمعنى المذموم، و(عمرو) خبره.
وقد رأى البصريون ومن تبعهم أن حرف الجر لم يدخل على الفعلين، وإنما دخل على محذوف، وتأويل المثال الأول: "والله ما هي بمقول فيها نعم الرجل"، وتأويل الثاني: "نعم السير على مقول فيها بئس العَيْر".
- نعم وبئس فعلان، ماضيان، لازمان، جامدان غير مشتقين؛ لا يكون لهما مضارع، ولا أمر، ولا شيء من المُشتقات؛ للزوم "نعم" إنشاء المدح، و"بئس" إنشاء الذم. ويرفعان فاعلًا، ولا ينصبان مفعولًا به.
- نعم وبئس - مع كونهما فعلان ماضيان- متجردان من الدلالة على الزمن، بعد أن تكوّنت من كل منهما وفاعلهما جملة إنشائية غير طلبية، يقصد منها إنشاء المدح العام، أو الذم العام، من غير إرادة زمن ماض أو غيره.
- وقد تعددت اللغات الواردة في كل منهما:
ففي "نعم" أربع لغات هي:
أ - نَعمَ (بفتح النون، وكسر العين)، وهذا هو الأصل.
ب - نَعْمَ (بفتح النون وتسكين العين).
ج - نعمَ (بكسر العين إتباعًا لكسرة النون).
د - نعْمَ (بتسكين العين بعد الإتباع).
أما ترتيب هذه اللغات من حيث الشهرة فتأتي اللغة الرابعة أولًا، يليها الثالثة، فالأولى، فالثانية.
- وأما بئس فقيل: إن فيها اللغات الأربع السابقة لـ"نعم"، وقيل المسموع: (بِئْس) و(بَئس). وقيل: (بيسَ) بإبدال الهمزة ياء. وقيل: (بَيْس).
نشاط: 4.1
لكي تعمّق فهمك لهذا الدرس، قم بهذا النّشاط، ثمّ قارن ما تتوصل إليه بالإجابات النموذجية أدناه:
اختر العبارة الصحيحة مما بين القوسين:
1- نعم وبئس فعلان -على المشهور- بدليل اتصال تاء التأنيث بهما عند: (بعض العرب - جميع العرب).
2- نعم وبئس فعلان -على المشهور- بدليل اتصال ضمير الرفع البارز بهما عند: (بعض العرب - جميع العرب).
3- أسلوب "نعم" أو "بئس" إنشائي: (طلبي - غير طلبي).
4- أشهر اللغات في نعم: (نعِمَ "بكسر العين إتباعا لكسرة النون" - نعْمَ "بتسكين العين بعد الإتباع").
5- أصل اللغات في نعم: (نَعمَ "بفتح النون، وكسر العين" - نَعْمَ "بفتح النون وتسكين العين").
الإجابات النموذجية:
1- جميع العرب. 2- بعض العرب. 3- غير طلبي. 4- نعْمَ "بتسكين العين بعد الإتباع". 5- نَعمَ "بفتح النون، وكسر العين".
4.2 أحوال فاعل نعم وبئس:
يأتي فاعل نعم وبئس على نوعين رئيسين: إما أن يكون ظاهرًا أو مُضمرًا، ونتحدث هنا عن الفاعل الظاهر فأقول: إن له ثلاث حالات مشهورة:
1- أن يكون معرفًا بـ "أل" الجنسية، أو العهدية:
مثال "أل" الجنسية قوله تعالى: {بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} [الكهف: 29].
ومثال "أل" العهدية قوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ} [ص: 3]، وقول الشاعر:
حياة على الضيم بئس الحياة ونعم الممات إذا لم نعزْ
وقول الآخر:
خير أيام الفتى يوم نفع فاتْبع الحق، فنعم المتّبعْ
2- أن يكون مضافا إلى ما فيه "أل":
كقوله تعالى: {وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ} [النحل: 3]، وقوله تعالى: {فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} [النحل: 29].
3- أن يكون مضافًا إلى مضاف إلى المعرف بـ "أل":
كقول أبي طالب يمدح الرسول -صلى الله عليه وسلم- ويعاتب قُريشًا:
فنعم ابن أخت القوم غيرَ مكذب زهيرٌ حساما مفردا من حمائل
هذه هي الحالات الثلاث المشهورة، وجوز بعض العلماء حالات أخرى، منها:
- أن يكون مضافا إلى ضمير ما فيه "أل"، كقول الشاعر:
فنعم أخو الهيجا، ونعم شبابها
- أن يكون نكرة مفردة (غير مُضافة): كقول الشاعر عن محبوبته سلمى:
نيافُ القُرْط، غرَّاء الثنايا، وريدٌ للنساء، ونعم نيمُ
- أن يكون نكرة مُضافة إلى نكرة: كقول كُثيّر بن عبد الله:
 فنعم صاحبُ قوم لا سلاح لهم وصاحب الركب عثمانُ بنُ عفانا
- أن يكون اسم موصول، كقولك: نعم الذي يصون لسانه عما لا يَحسُن. وبئس الذي يغتاب الناس.
وهذه الحالات قليلة، وحكم جمهور العلماء على ما وقع منها في الشعر بالضرورة.
ويجوز أن تلحق نعم وبئس تاء التأنيث جوازًا إذا كان فاعلهما اسمًا ظاهرًا مؤنثًا، ويصح حذفها بكثرة، ولو كان الفاعل مؤنثًا حقيقيًّا، فتقول مثلًا: ( نعم) أو (نعمت) فتاة العمل والنشاط. و(بئس) أو (بئست) فتاة البطالة والخمول.
نشاط: 4.2
لكي تعمّق فهمك لهذا الدرس، قم بهذا النّشاط، ثمّ قارن ما تتوصل إليه بالإجابات النموذجية أدناه:
اختر العبارة الصحيحة مما بين القوسين:
1- فاعل "بئس" في قوله تعالى: {بِئْسَ الشَّرَابُ}: معرف بـ"أل" (الجنسية - العهدية).
2- فاعل "بئس" في قول الشاعر:
حياة على الضيم بئس الحياة ونعم الممات إذا لم نعزْ
         معرف بـ "أل" (الجنسية - العهدية).
 3- فاعل "نعم" في قوله تعالى: {وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ} معرف بـ (أل" - الإضافة إلى ما فيه "أل").
4- فاعل نعم في قول أبي طالب يمدح الرسول -صلى الله عليه وسلم- ويعاتب قُريشًا:
فنعم ابن أخت القوم غيرَ مكذب زهيرٌ حسامًا مُفردًا من حمائل
 معرف بـ (الإضافة إلى ما أُضيف إلى ما فيه "أل" - العلمية).
5- فاعل نعم في قول الشاعر (نعم شبابها):
 فنعم أخو الهيجا، ونعم شبابها
 (مضاف إلى ما فيه "أل" - مُضاف إلى ضمير ما فيه "أل").
الإجابات النموذجية:
1- الجنسية. 2- العهدية. 3- الإضافة إلى ما فيه "أل". 4- الإضافة إلى ما أُضيف إلى ما فيه "أل". 5- مُضاف إلى ضمير ما فيه "أل".
مُلخّص الدّرس:
K الرأي المشهور أن "نعم وبئس" فعلان، بدليل اتصال تاء التأنيث بهما عند جميع العرب، وبنائهما على الفتح كسائر الأفعال الماضية، واتصال ضمير الرفع البارز بهما في إحدى لغات العرب.
K أما معظم علماء الكوفة فرأوْا أنهما اسمان، بدليل دخول حرف الجر عليهما، وأعربوا أسلوب كل منهما مُبتدأً وخبرًا، مع مُلاحظة أن المُبتدأ اسم مركب من "نعم" وما بعدها، أو "بئس" وما بعدها.
وقد رأى البصريون ومن تبعهم أن حرف الجر لم يدخل على الفعلين، وإنما دخل على محذوف.
K نعم وبئس فعلان، ماضيان، لازمان، جامدان غير مشتقين؛ للزوم "نعم" إنشاء المدح، و"بئس" إنشاء الذم. ويرفعان فاعلًا، ولا يُنصبان مفعولا به.
- نعم وبئس - مع كونهما فعلين ماضيين- متجردان من الدلالة على الزمن، بعد أن تكوّنت من كل منهما وفاعلهما جملة إنشائية غير طلبية، يقصد منها إنشاء المدح العام، أو الذم العام.
K تعددت اللغات الواردة في كل منهما:
ففي "نعم" أربع لغات هي:
أ- نَعِمَ (بفتح النون، وكسر العين)، وهذا هو الأصل.
ب- نَعْمَ (بفتح النون وتسكين العين).
ج- نعمَ (بكسر العين إتباعا لكسرة النون).
د- نعْمَ (بتسكين العين بعد الإتباع).
أما ترتيب هذه اللغات من حيث الشهرة فتأتي اللغة الرابعة أولًا، يليها الثالثة، فالأولى، فالثانية.
- يأتي فاعل نعم وبئس على نوعين رئيسين: إما أن يكون ظاهرًا أو مُضمرًا، فإن كان ظاهرًا فله ثلاث حالات مشهورة:
أن يكون مُعرفًا بـ "أل" الجنسية، أو العهدية، أو مُضافًا إلى ما فيه "أل"، أو مُضافًا إلى مُضاف إلى المعرف بـ "أل".
وجوز بعض العلماء حالات أخرى حكم جمهور العلماء على ما وقع منها في الشعر بالضرورة.
ويجوز أن تلحق "نعم وبئس" تاء التأنيث جوازًا إذا كان فاعلهما اسمًا ظاهرًا مؤنثًا، ويصح حذفها بكثرة، ولو كان الفاعل مؤنثًا حقيقيًّا.
تمارين الدّرس:
لكي تعمّق فهمك لهذا الدرس، قم بهذا النّشاط، ثمّ قارن ما تتوصل إليه بالإجابات النموذجية أدناه:
اختر العبارة الصحيحة:
1- دخول حرف الجر على كل من نعم وبئس يثبت اسميتهما عند علماء: (البصرة - الكوفة).
2- المُبتدأ في أسلوب المدح أو الذم في نظر علماء الكوفة: (مُفرد - مركب).
3- من أحوال فاعل نعم وبئس أن يكون اسمًا ظاهرًا مُعرفًا بـ "أل" (الجنسية - الجنسية أو العهدية).
4- فاعل "نعم" في قوله تعالى (نعم العبد): معرف بـ "أل " (الجنسية - العهدية).
5- فاعل "بئس" في قوله تعالى: {فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} مُعرف بالإضافة إلى: (ما فيه "أل" - مضاف إلى المعرف بـ "أل").
6- فاعل نعم في قول الشاعر:                      
خير أيام الفتى يوم نفع فاتْبع الحق، فنعم المتّبعْ
 معرف بـ "أل" (الجنسية - العهدية).
7- فاعل نعم في قول الشاعر (نعم أخو الهيجا):
        فنعم أخو الهيجا، ونعم شبابها
(مُضاف إلى ما فيه "أل" - مُضاف إلى ضمير ما فيه "أل").
8- فاعل نعم في قول الشاعر كُثيّر بن عبد الله:
 فنعم صاحبُ قوم لا سلاح لهم وصاحب الركب عثمانُ بنُ عفانا
 (مضاف إلى ضمير ما فيه "أل" - نكرة مضافة إلى نكرة)
الإجابات النموذجية:
1- الكوفة. 2- مركب. 3- الجنسية أو العهدية. 4- العهدية. 5- ما فيه "أل". 6- العهدية. 7- مُضاف إلى ما فيه "أل". 8- نكرة مُضافة إلى نكرة.
مراجع الدّرس:
1- توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك: للمُرادي المعروف بابن أم قاسم (ت 749هـ)، شرح وتحقيق الدكتور عبد الرحمن علي سليمان، الطبعة الثانية، مكتبة الكليات الأزهرية.
2- أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك: لابن هشام الأنصاري (ت761هـ)، ومعه كتاب عدة السالك إلى تحقيق أوضح المسالك لمحمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، بيروت.
3- النحو الوافي: عباس حسن، دار المعارف، الطبعة العاشرة.
خاتمة:
بهذا نكون قد وصلنا أخي الدارس إلى ختام الدرس الرابع، فإلى لقاء يتجدّد مع الدَّرس الخامس، والّذي ينعقدُ بإذن الله، حول: حكم فاعل نعم وبئس حين يكون مُضمرًا، والخلاف في جواز الجمع بين فاعلهما الظاهر والتمييز.
هذا، والله وليُّ التَّوفيق. وصلى الله على سيِّدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


Post a Comment

Previous Post Next Post