َلْكفيف (الأعمى)
(1)



(5)




(10)




(15)


 
كنت أراه كلّ يوم.
رجل عجوز، يضع نظّارة سوداء، ويحمل عكّازة معقوفة من الأعلى.

كان يمرّ من حارتنا، نسمع صوتَ ضربات عكّازته على أرض الشّارع الْمرصوف بالْحجر، فنقف عن اللّعب ونتأمّلُه مندهشينَ، حتّى يختفيَ عن أنظارنا عند الْمنعطف، آخر الشّارع.
مرّةً... صادفتُه، كنت برفقة والدي، التفَتَ إليّ، قال:
-  هذا الرّجل كفيف، لا يرى شيئًا، أعانه الله.
بصراحة لم أرتَحْ لمظهر الْعجوز ذي النّظّارة السّوداء، حتّى أنّني
لم أقتنع بأنّه أعمى، كان يمشي وحيدًا، يقطع الطّريق، يجتاز الْحفر،
ينعطف، أحيانًا يقف، يرفع رأسه عاليًا، وينظر إلى عصفور مغرّد.
الْيومَ.. حدث أمر مثير.
كنت ألعبُ مع رفاقي، كعادتنا، وبينما نحن نركُل الْكرةَ، ظهر الْعجوز في أوّل الشّارع، كان يمشي ببطء شديد، ويتمايل، كبطّة جارتنا أمِّ
ياسر.
أمسكتُ الْكرة، ووقفنا ننظر إليه، كان صوت ضربات عكّازته على الْحجر يشبه صوتَ نقّار الْخشب وهو ينقر لحاء الشّجر.
فجأةً.. تعثّر الْعجوزُ بالْحجر الّذي وضعناه لنحدِّد الْمرمى، وسقط على الأرض. شعرت.. وللْمرّة الأولى، أنّني أشفق عليه.
رميت الْكرة، وركضت صَوْبَه، كان يحبو كطفل صغير، يتحسَّسُ الأرض بكفَّيْهِ، باحثًا عن الْعُكّازة.
عندما وصلت، أمسكت عكّازته، واقتربت منه، قائلا
ً:
-   تفضّل يا عمّ، هذه عكّازتك.
(20)




(25)


 
أمسكَ الْعجوزُ عكّازتَه، اتّكأ عليها ووقف، ثمّ مدّ يده، وراح يحرّكها، كأنّه يرسم خطوطًا في الْهواء.
فطنت إلى أنّه يبحث عن رأسي، اقتربت من كفّه، أحسست بأصابعه

الْحنونة تمسح برفق على شعري ووجهي.
-  جزاك الله الْخير.

1 تعليقات

إرسال تعليق

أحدث أقدم