التاريخ السياسي المسار الديمقراطي.
من المهم جداً إلقاء الضوء على التاريخ السياسي
في الكويت، لما يحمله من سمات خصائص معينة،
تختلف عن بقية بلدان المنطقة. فالتاريخ السياسي
دائماً ما يرتبط بنشوء الكيانات السياسية، في
حين أن الكيان الاجتماعي الكويتي سابق للكيان
السياسي وتأسيس مدينة الكويت والإمارة.
ارتبط الكيان السياسي في الكويت بهجرة
العتوب. لقد نشأت الكويت في الأساس كميناء
بمنطقة شمال الخليج، حيث كان لها دور اقتصادي
مهم يخدم شمال الجزيرة العربية والعراق.
فالبريطانيون، على سبيل المثال، عندما أغلقوا
وكالة شركة الهند الشرقية في البصرة عام 1775
نقلوا مقرها إلى الكويت.
وكان الاقتصاد الكويتي في تلك الفترة يعتمد
على أنشطة محددة، مثل الغوص للحصول على
اللؤلؤ، الذي لم يكن يشمل العوائل الحضرية داخل
المدينة فقط، بل كانت هناك بعض القبائل التي
ارتبطت بهذا العمل بشكل أو بآخر، كما اعتمدت
الكويت على الملاحة والتجارة عبر السفن، وكانت
نوعين: الأول عُرف ب «القطاعة »، وهي السفن التي
تدور على سواحل الخليج العربي، والثاني «السفر ،»
ونقصد السفن التي كانت تصل إلى الهند وأفريقيا،
ما كان يتطلب أسطولاً متطوراً.
كما أن هناك نشاطاً اقتصادياً، بالتعاون مع
البادية، وهو ما أطلق عليه تجارة «المسابلة »، وهي
أن أبناء القبائل العربية في الصحراء يتبضعون في
الكويت بنظام من الاقتراض متفق عليه، إضافة إلى
النمط الاقتصادي في الصحراء.
ويجب أن نأخذ في الاعتبار أن الكويت التاريخية
ليست هي الكويت الحالية جغرافياً، فقد كانت
امتداداتها تصل إلى 57 ألف كيلومتر متربع،
وتحديداً نستطيع القول إن الامتداد يصل إلى جميع
المناطق التي تدفع زكاة لحاكم الكويت بن صباح.
نظام اجتماعي وسياسي
عندما نأتي إلى النظام الاجتماعي ما قبل
النفط، كان الشيوخ موجودين، ولكن ضمن إطار
الإدارة، والسلطة الاقتصادية كانت بيد التجار،
وهم «الطواشين »، أي تجار اللؤلؤ، أو التجار الذين
يملكون أساطيل السفن، وفي الوقت نفسه هناك
الطبقة الكادحة من فئات مختلفة من المجتمع
الكويتي.
أما الطابع السياسي الكويتي، فكان مختلفاً
تماماً عن دول المنطقة، فهي ليست إمارة أخذت بحد
السيف، فما حدث أنه كان هناك تفويض شعبي
لصباح الأول، وحدث تسلسل ضمن عائلة الصباح
في توارث الإمارة، بخلاف دول خليجية أخرى
سيطرت على الحكم بالقوة، ونستطيع القول إن
التاريخ السياسي للكويت نشأ مع نشأة الإمارة
والاتفاق على العهد مع بن صباح، أي كان أقرب إلى
الشورى.
تحوُّل جذري
استمر توارث الإمارة من الأب إلى الابن حتى
الأمير الخامس، وهو الشيخ عبدالله بن صباح،
الذي تطوَّرت في عهده الكويت بشكل كبير، وهو
أول حاكم كويتي سك عملة كويتية، ما يدل على
قوة الاقتصاد آنذاك، كما أنه ساعد مدحت باشا في
الدولة العثمانية لفتح الإحساء وقطر عام 1871 ،
ونتيجة لهذا الموقف، كوفئت أسرة الصباح بمنحها
إقطاعية في الفاو، في مزارع النخيل، ما وفر مصدر
دخل إضافياً للإمارة.
هذا الحاكم لم يورِّث الحُكم لأحد أبنائه، بل قسَّم
السلطة بين إخوانه، حيث كلَّف أخويه محمد بإدارة
المدينة وجراح بإدارة الاقتصاد والمالية، في حين
Uصباح الأول حكم الكويت بتفوي†ض
T عبي أقرب إلى ال û ورى الطليعة: 22
فبراير � � 2012 ش ش
4
تولَّى الأخ الثالث )مبارك( شؤون البادية.
في هذه الفترة، نشأت مراكز قوى بين هؤلاء
الإخوة، فعندما توفي الشيخ عبدالله، لم تنتقل
السلطة إلى ابنه جابر، إنما انتقلت إلى أخيه محمد،
الذي استعان بأخيه الآخر جراح، اللذين ضيَّقا
على مبارك، وكان يبدو أنهما ليسا على وفاق معه،
وتطوَّرت الخلافات والتناقضات، وكان لدى مبارك
طموح كبير، إلى أن حدث تحوُّل مهم غيَّر مسار
الكويت بصورة كاملة، من نظام يعتمد على الشورى
إلى سلطوي، عندما قفز الشيخ مبارك الصباح إلى
نظام السلطة، بإقصائه لأخويه في مايو 1896 ، حيث
انفرد بالسلطة والقرار، فأصبح الوضع مختلفاً عن
السابق.
معارضة جديدة
وفرض الشيخ مبارك ضرائب جديدة على الكويت،
لتمويل حملاته الحربية، وحدث اعتراض على توليه
السلطة بهذه الطريقة، فجزء من الكويتيين وقفوا
مع أبناء محمد جراح ومع يوسف الإبراهيم في
مناوءتهم للحكم الجديد، ونشأت صراعات، إلا أنه
مع وفاة الإبراهيم انتهت المعارضة.
وفي هذه الأثناء، نشأت معارضة كويتية، بسبب
الاحتلال البريطاني للعراق عام 1914 . ففي هذه
الفترة، كان الشيخ مبارك يريد دعم صديقه الشيخ
خزعل، الذي كان مؤيداً للاحتلال البريطاني، ولكن
أهل الكويت رفضوا ذلك، وأكدوا تأييدهم للدولة
العثمانية.
مجلس الشورى
استمرت هذه الأمور فترة من الوقت، إلى أن تُوفي
مبارك، وجاء الشيخ جابر بن مبارك، وكان الأمل ألا
يدخل الحروب ويخفف من الضرائب، وهذا ما حدث
فعلاً، إلا أن عهده لم يستمر طويلاً، حيث جاء بعد
وفاته سالم المبارك، الذي كرر سياسات والده نفسها
في الحروب، وأدَّى طموحه إلى دخول الكويت في
خلافات مع البريطانيين، وكذلك مع ابن سعود،
وشهدت هذه الفترة تذمراً من الكويتيين تجاه هذه
السياسة، وكانت هناك عرائض للمطالبة بالعودة
إلى نظام الشورى، ومع وفاة الشيخ سالم في
فبراير 1921 ، تحرَّك أهل الكويت، للمطالبة بمجلس
للشورى، وأعدوا وثيقة تم التوقيع عليها.
ومع موافقة الشيخ أحمد الجابر على هذه الوثيقة،
نشأ مجلس الشورى الأول عام 1921 ، وأعضاؤه هم:
إبراهيم المضف، أحمد الخالد، أحمد الحميضي،
خليفة الغانم، شملان بن سيف عبدالرحمن النقيب،
عبدالعزيز الرشيد، مرزوق البدر، مشعان الخضير،
هلال المطيري ويوسف بن عيسى القناعي.
هذا المجلس عقد مجموعة من الجلسات، وكانت
هناك محاولة لتنظيم الشؤون المالية للإمارة،
وغيرها من الأمور، إلا أنه نشأت خلافات بين
أعضائه، حيث انفرط عقده، وانحل تلقائياً من ذات
نفسه.
ولكن الكويتيين طالبوا في عهد أحمد الجابر
بتنظيم خاص للإمارة، ولاسيما أن هناك نظاماً
برلمانياً ظهر إلى الوجود في العراق، فطالبوا بإنشاء
بلدية ومجلس معارف.. وغيرهما من المجالس
المتخصصة.
وهنا، لا بد أن نسجِّل نقطة لمصلحة المجتمع
الأهلي الكويتي، الذي كانت كل هذه المبادرات تتم
عن طريقة، مثل التعليم النظامي والبلديات وإصلاح
الأحوال، ولكن في النهاية رجعنا إلى مسألة السلطة
والانفراد بالقرار.
حدثت هناك تدخلات من بعض الشيوخ
في مجلس المعارف والبلدية أدَّت إلى استقالة
أعضائهما، ونشأت من جديد روح المعارضة في
المجتمع.
في هذه الفترة، اتسعت سلطات الشيخ أحمد
الجابر، نتيجة توقيع امتياز عمليات التنقيب عن
النفط، فأصبحت لديه قوة اقتصادية مستقلة عن
ملامح من التاريخ السياسي في الكويت
5
الاقتصاد المحلي، ما جعل سلطة أحمد الجابر
أكبر، ودفع التجار إلى المطالبة بمشاركة سياسية
وإصلاح للأوضاع وتطوير لنظام الإمارة، وأفضت
هذه الأمور إلى تكوين كتلة وطنية بدأت تطالب
بوجود برلمان ومجلس منتخب ودستور. وقام
مجموعة من أهل الكويت بتوجيه رسالة إلى الشيخ
أحمد الجابر في يونيو 1938 .
جرى كل هذا بالتزامن مع نصيحة بريطانية
قدمها المقيم البريطاني في الخليج للمعتمد
البريطاني في الكويت الذي أوصل رسالة إلى الشيخ
أحمد الجابر، يطالبه فيها بإجراء إصلاحات في
الإمارة.
استجاب الشيخ أحمد الجابر أمام الحراك المحلي
والضغط الخارجي، للمطالب الشعبية، وبالفعل
جرت انتخابات أول مجلس أمة تشريعي في الكويت
في 29 يونيو 1938 في ديوان الصقر، وعدد المرشحين
كان 20 شخصاً، فاز منهم 14 عضواً بمقاعد مجلس
الأمة التشريعي الأول، وهم:
عبدالله حمد الصقر، محمد ثنيان الغانم، يوسف
بن عيسى القناعي، علي السيد علي سليمان
الرفاعي، مشعان الخضير الخالد، حمد داود
المرزوق، سليمان خالد العدساني، عبداللطيف
ثنيان الغانم، يوسف صالح الحميضي، مشاري
حسن البدر، سلطان إبراهيم الكليب، صالح عثمان
الراشد، يوسف المرزرق وخالد عبداللطيف الحمد..
ثم استقال محمد ثنيان الغانم، لظروف عائلية، وأتى
من بعده محمد بن شاهين الغانم.
مبادرة دستورية
وقرر أعضاء المجلس، بمبادرة منهم، اختيار
الشيخ عبدالله السالم، ليكون رئيساً لمجلس الأمة
التشريعي، نظراً لاستنارته وتعاطفه مع الحركة
الإصلاحية.
ووضع المجلس التشريعي دستوراً مكوناً
من خمس مواد، ينطلق من نظام «حكومة
الجمعية »، حيث نصت المادة الأولى على أن
«الأمة مصدر السلطات، ممثلة بهيئة نوابها
المنتخبين »، وجاءت المادة الثالثة لتؤكد أن
«المجلس مرجع لجميع المعاهدات والامتيازات
الداخلية والخارجية جميعاً ». في حين أشارت
المادتان الرابعة والخامسة إلى «أن مجلس
الأمة التشريعي هو محكمة الاستئناف
والسلطة التنفيذية.. يجمع بين جميع السلطات
التشريعية والقضائية والتنفيذية .»
وعندما عرض الدستور على الشيخ أحمد الجابر
تردد في التوقيع عليه، إلا أن ميزان القوى لم يكن
في
مصلحته، وطلب في المقابل تغيير كلمة ذات دلالة،
فالدستور يبدأ بالقول «نحن أحمد الجابر أمير
الكويت »، إلى.. «نحن أحمد الجابر حاكم الكويت ،»
ووافق المجلس على هذا التعديل، وهناك فرق بين
«أمير » التي تعني الإمارة الدستورية، و
«حاكم » التي
تعني أن بيده الحكم والقرار والسلطة السياسية،
وصدر الدستور الأول بهذا الاتجاه.
وقد اتخذ المجلس التشريعي الكثير من القرارات
المهمة، فكانت له إنجازات مهمة، مثل تأميم بعض
الشركات الاحتكارية في النقل والمشروبات الغازية
والجلود و «المصران »، وفرض ضريبة لمصلحة
التعليم، وأرسل بعثة دراسية إلى مصر، وأحضر
طبيباً لإنشاء مستوصف، وكذلك بنى قوة نظامية
للشرطة، برئاسة غانم صقر الغانم، إضافة إلى
شرطة خفر السواحل، برئاسة محمد عبدالعزيز
القطامي، وإدارة للجوازات.. وغيرها من الأمور.
وأصدر المجلس القانون الأساسي، الذي رفض
الشيخ أحمد الجابر التوقيع عليه، وحدث ذلك
بالتزامن مع تغيير في موازين القوى، فالبريطانيون
الذين كانوا مؤيدين للمجلس في فترة سابقة، بدأوا
يغيِّرون توجههم، عندما وجدوا أن المجلس يتدخل
في العلاقة بين شركة النفط والحاكم، وكان هناك
خلاف حول سكرتارية الحاكم، الذين كان لهم صفوة
ونفوذ وحاشية، حيث طالب المجلس بإبعادهم،
وكذلك نجمت مشكلة لاعتراض المجلس على بعض
التسهيلات التي قدَّمها المعتمد البريطاني لبعض
الكويتيين المهاجرين الذين حصلوا على الجنسية
الهندية الإنكليزية، وكذلك رفض المجلس الاتفاقية
التي وقعها البريطانيون نيابة عن الكويت مع
السعودية.
وتطوَّرت الأمور، إلى أن قام الشيخ أحمد الجابر
بحل المجلس، ثم أجريت انتخابات مجلس الأمة
التشريعي الثاني في ديسمبر 1938 ، في اتجاه
إسقاط نواب المجلس السابق، حيث اتخذ قراراً
بتوسيع عضوية المجلس، وتمَّت الانتخابات في
المدرسة المباركية، وفاز نواب المجلس المنحل بأغلبية
ساحقة.
وصدر قرار من الحاكم، بتعليق جلسات المجلس،
إلى أن تتم الموافقة على الدستور الجديد.
وفي مارس 1939 ، جرى احتفال نظمه الإنكليز
لمنح عبدالله السالم وساماً، وفي خطاب المعتمد
البريطاني والرد عليه من الشيخ أحمد الجابر،
وصفت الكويت بأنها تحت الحماية البريطانية،
حيث كان لأعضاء المجلس رأي آخر، فاتفاقية 1899
برأيهم كانت تفويضاً لبريطانيا بشأن العلاقات
السياسية الخارجية للكويت مع الدول الأخرى،
وليست اتفاقية حماية، فرفضوا الكلام الذي قيل في
هذه الاحتفالية. وأرسلوا برقية للحاكم وللمعتمد
البريطاني، أبدوا فيها اعتراضهم على ذلك.
وهنا تضافرت عوامل محددة: الموقف
البريطاني وموقف ابن سعود، وكذلك الحكومة
العراقية، وليس الملك في معارضتهم، لوجود
مجلس منتخب، وتغيُّر ميزان القوى، ما أدَّى إلى
حل مجلس الأمة التشريعي الثاني في 5 مارس
.1939
أنصار المجلس قاموا بتحركات ضد قرار الحل،
وألقى الشهيد محمد المنيس كلمة حماسية أمام
الجمهور، واعتقل المنيس، وتعمَّدت قوات الأمن -
بطريقة مستفزة - عرضه في السوق الداخلي، ما
أثار الناس، وحدث تبادل لإطلاق النار، واستشهد
محمد القطامي، بعد إصابته، وأصيب وجُرح
يوسف المرزوق، وأعدم محمد المنيس. وسقط
الشهيدان دفاعاً عن الديمقراطية والمجلس.
ومع تطوُّر الأحداث، هربت بعض الشخصيات
إلى خارج الكويت، وجنحت السلطة بعدها إلى
التهدئة والحوار، بعدما تمَّت دعوة بعض أعضاء
المجلس مع يوسف بن عيسى القناعي لمقابلة الشيخ
أحمد الجابر، وفجأة تم تفتيش المدعوين، وتم الزعم
بوجود رسالة مع أحدهم، تطلب الانضمام إلى
العراق، إلا أن الحقيقة لا توجد مثل هذه الرسالة،
لأنها إلى الآن لم تظهر ولم يشاهدها أحد، وللأسف
الشديد، فإن حل المجلس جاء لأنه كان يطالب
بالتأكيد على استقلال الكويت ويرفض المساس
بالوحدة الوطنية.
ومع الإفراج عن المعتقلين في عام 1944 ، بعد محاولة
من الشيخ حافظ وهبة، حدث في عام 1946 تطور تاريخي
مهم في الاقتصاد الكويتي، عندما بدأ تصدير النفط
بكميات تجارية، فلم تعد هناك أهمية كبيرة للنظام
الاقتصادي القديم، حيث نشأ وضع جديد، وأيضا أعمال
ووظائف في شركة النفط، وهناك ميزانية للدولة، وبدأت
البعثات التعليمية تظهر بكثافة، إلا أنه مع كل هذه
التطورات لم يكن هناك تطور سياسي ملموس، حتى
المطالبات بإنشاء نادٍ أدبي ثقافي قوبل بالرفض،
على
الرغم من إنشاء نادٍ أدبي في العام 1924 . بعدها،
حدث
تطور سريع داخل المجتمع الكويتي، فعندما توفي الشيخ
أحمد الجابر في 29 يناير 1950 تغيَّر ميزان القوى،
حيث
نُصِّب الشيخ عبدالله السالم حاكما في 25 فبراير
1950
لوجوده خارج الكويت، وكان مستنيرا بفكره ومتعاطفا
مع الحركة الإصلاحية الديمقراطية، وفي الوقت نفسه
حدث رخاء في عهده.
الشيخ عبدالله السالم كان مقيدا بشكل أو بآخر،
لأن جزءاً من أفراد الأسرة الكبار يرفضون التوجهات
الديمقراطية، فلم يكن ميزان القوى لمصلحته تماما،
ولكن مع ذلك، سمح بإجراء انتخابات للمجالس
المتخصصة عام 1951 ، فصار هناك مجلس منتخب
للصحة وآخر للمعارف والأوقاف والبلدية.
حراك شعبي
أهل الكويت طالبوا في ذلك الحين بدستور، فالرأي
القائم هو أننا إمارة دستورية، وما حصل في هذه
الفترة هو إنشاء الأندية، سواء كانت رياضية أو
ثقافية.. وكذلك إعطاء تراخيص للصحف، فأصبحت
هناك حركة داخل البلد، فتكوَّنت حركات سياسية
وتيارات، حيث نشأت حركة الإخوان المسلمين في
الكويت، ومن ثم حركة القوميين العرب، إضافة إلى
تنظيمات أخرى للبعث العربي واليسار الشيوعي، من
خلال تنظيم العصبة الديمقراطية، فحدثت مطالبات
لعقد مؤتمر دستوري في مسجد السوق، الذي هو
بجانب المدرسة المباركية في مايو 1955 ، لانتخاب
هيئة شعبية لوضع دستور.
طبعا، السلطة منعت بالقوة انعقاد مثل هذا المؤتمر،
ولكن الحركة الوطنية نشطت، وخصوصا بعد العدوان
الثلاثي على مصر في العام 1956 . ونتذكر حينها عندما
أصدر مدير الشرطة - آنذاك - الشيخ صباح السالم أمراً
لقائد قوة الشرطة بقمع المتظاهرين، واستقال جاسم
القطامي و 19 آخرون من مناصبهم ووظائفهم في
الشرطة، لرفضهم هذا الأمر، ما يدل على قوة الحركة
الوطنية.
ومع استمرار المطالبات الشعبية بإجراء انتخابات
عامة، أجريت هذه الانتخابات، وعندما فاز د. أحمد
الخطيب وجاسم القطامي ويعقوب الحميضي، حدث
استنفار لمراكز النفوذ التي رفضت النتيجة، وطالبوا
بإبعاد هؤلاء الثلاثة، لكن النواب الفائزين رفضوا
وقدَّموا
استقالاتهم. ونشأت في هذه الأثناء «الرابطة الكويتية
،»
التي ضمَّت أبناء التجار المستنيرين، بالتحالف مع
القوميين العرب، وطالبت بالإصلاحات. وفي هذه الفترة،
ازداد نفوذ الحركة الوطنية، وارتفعت حدة طرحها،
مقابل
التشدد من بعض الأطراف في السلطة والأسرة.
ففي مناسبة الذكرى السنوية الأولى للوحدة بين
مصر وسوريا عام 1959 ، أقيم مهرجان في ثانوية
الشويخ، احتفالا بهذه المناسبة. فألقى جاسم القطامي
كلمة باسم الأندية الكويتية، قال فيها «نحن نتطلع
أن
يكون للشعب دستوره ونوابه ووزراؤه، وينتهي الحكم
العشائري، ويقوم حكم برلماني دستوري ». وعلى اثره،
تم
فض الاحتفال واستدعاء جاسم القطامي وأحمد الخطيب
واتخذت السلطة قرارا بإغلاق الأندية، بما في ذلك
الأندية
الرياضية وجميع الصحف، ما عدا الجريدة الرسمية
«الكويت اليوم .»
استقلال الكويت
في عام 1958 ، كان هناك أمر آخر يجري، وهو أن هناك
اتجاها لتنال الكويت استقلالها، بحيث تصبح جزءاً
من
الاتحاد العربي الهاشمي بين المملكة الأردنية والعراقية،
فجاءوا بخبير قانوني، وهو عبدالرزاق السنهوري،
وتم تكليفه بوضع قوانين لدولة حديثة، واستمر وضع
الأساس لدولة حديثة، على الرغم من فشل مشروع الدولة
الهاشمية.
وفي عام 1961 نالت الكويت استقلالها، وبعدها
في 25 يونيو طالب عبدالكريم قاسم بضم الكويت
إلى العراق، انطلاقا من ادعاء ات معينة. وكانت
هناك مشكلة في الاعتراف العربي والدولي، سواء
في الجامعة العربية أو الأمم المتحدة، وشكل وفد
برئاسة الشيخ جابر الأحمد مع شخصيات كويتية،
حيث عاد الوفد بتوصيات تؤكد أهمية وجود دستور
وبرلمان. فالحركة الوطنية كانت تطالب وهناك تاريخ
سابق بهذا الاتجاه، والشيخ عبدالله السالم كان يميل
للقبول بهذا الشيء، فتمَّت الخطوة الأولى باتجاه
النظام الدستوري، من خلال تأسيس المجلس المشترك،
وفي الوقت نفسه تهيئة الأجواء لانتخابات مجلس
تأسيسي، وقتها طالب «الوطنيون » بأن تكون الكويت
دائرة واحدة، لكن هذا المطلب قوبل بالرفض، حيث
صدر القانون بتقسيم الكويت إلى 20 دائرة، فحدثت
توجهات نحو المقاطعة، حتى تم التوصل إلى صيغة
وسط، تمثلت في تقسيم الكويت إلى 10 دوائر. وصدر
القانون رقم 1 لسنة 1962 ، وهو النظام الأساسي للحكم
في فترة الانتقال. طبعا، المعارضة الوطنية، نتيجة
لالتصاقها بالواقع الاجتماعي والمجتمعي وقيادتها
للحراك السياسي، نجحت في الفوز بالانتخابات،
حيث تولى د. أحمد الخطيب منصب نائب رئيس
المجلس التأسيسي، حيث فاز عن دائرة الشويخ
والجهراء. وتم تشكيل لجنة إعداد الدستور التي
شملت شخصيات معارضة، مثل يعقوب الحميضي
وأخرى مستنيرة، مثل وزير العدل حمود الزيد الخالد،
إضافة إلى الشيخ سعد العبدالله وسعود العبدالرزاق
ورئيس المجلس عبداللطيف ثنيان الغانم.
مساومة سياسية
وعقدت اللجنة سلسلة من الاجتماعات وتناولت
العديد من القضايا الرئيسة، مثل النظام الرئاسي
أو البرلمان، إلى أن تم الاتفاق على نظام وسط يشمل
الاثنين، ونقاش آخر حول الشريعة الإسلامية، وكذلك
عضوية الوزراء من غير النواب في مجلس الأمة،
إضافة إلى الهيئات السياسية. وتستطيع القول إن
الدستور هو نتيجة مساومة سياسية معينة. وفي
عام 1963 ، أجريت انتخابات مجلس الأمة الأول، وفازت
المعارضة بكتلة كبيرة، تمثلت في ثمانية نواب، وكذلك
التجار. الحركة الوطنية الديمقراطية أنجزت إنجازات
أخرى غير الدستور، مثل إنشاء مؤسسات المجتمع
10
المدني والنقابات العمالية والحركة الطلابية، من
ثم
أصبحت الكويت أمام استحقاقات الدولة الحديثة.
هناك بعض الشيوخ تعامل مع الدستور على أنه خطأ
تاريخي يجب تصحيحه، وبدأت أول محاولة لإفراغ
الدستور من محتواه الديمقراطي بإصدار سلسلة من
القوانين المقيدة للحريات، وأدَّى ذلك إلى استياء
نواب
المعارضة، والتي قدَّمت استقالتها من المجلس، من
خلال بيان شهير عام 1965 بعد وفاة الشيخ عبدالله
السالم.
تزوير 1967
الحركة الوطنية استجمعت صفوفها وقواعدها
لخوض انتخابات مجلس الأمة الثاني التي أجريت في
25
يناير 1967 ، وتأتي أهميتها بأنه مع هذا المجلس
يكون
قد مضى خمس سنوات على بدء العمل بالدستور، وهذا
المجلس هو الذي سيقوم بتنقيح الدستور نحو الأفضل،
حيث تألفت كتلة قوية من المعارضة لخوض الانتخابات،
تكوَّنت من حسن فلاح رئيس اتحاد نقابات البترول،
إلى
عبدالعزيز الصقر رئيس غرفة التجارة، مرورا بأحمد
الخطيب وجاسم القطامي وسامي المنيس وعبدالله
النيباري وأحمد السعدون وآخرين، وكان المتوقع أن
تفوز
هذه الأغلبية الوطنية، وتضافرت مجموعة من العوامل
أدَّت إلى تزوير فج للانتخابات، حيث دخلت الشرطة
بالقوة لنقل الصناديق من اللجان الفرعية إلى الأصلية،
من دون أن تغلق هذه الصناديق أو تختم بالشمع الأحمر،
ومن دون مرافقة القاضي ومتدربي اللجان، وتم استبدال
أوراق الناخبين، والغريب أنها جاءت كلها بلون واحد!
حدث اعتراض من المعارضة والقريبين منهم، وصدر
بيان، كان التوجه أن تقوم الحركة الوطنية بتحرك
كبير، ولكن بسبب اختلاف المصالح بين التجار الذين
طالبوا بالتهدئة، وقيادة الحركة الوطنية وأدَّى
ذلك إلى
انفضاض واسع للجماهير القريبة من الحركة الثورية
الشعبية التي قامت ببعض الأعمال الاحتجاجية ضد
عمليات التزوير. الحقيقة، أنه حدث تطور سلبي آخر
في العالم العربي وهزيمة حزيران 1967 ، وضعفت
معها الحركة التحريرية العربية وأصبح هناك ميزان
مختلف للقوى. ومع ذلك، حاولت الحركة الوطنية أن
تقوم بدورها في ظل أوضاع صعبة: مجلس مزوَّر، لا
توجد صحافة، قيود على الاجتماعات. فمجموعة حركة
الشعبية الثورية، ممثلة بعناصرها، مثل: د.أحمد الربعي
وعبداللطيف الدعيج وأحمد الديين وناصر الغانم..
وغيرهم، قامت بتوزيع منشورات والتعبير عن الاحتجاج
في الذكرى الثانية للتزوير وزرع قنابل صوتية في
مبنى
وزارة الداخلية وبيت وزير الداخلية ومبنى مجلس الأمة،
وحدثت هناك عمليات اعتقال واسعة بين صفوف الحركة.
ووجدت السلطة نفسها تتراجع عن أسلوبها، عندما
انتقد رئيس الوزراء حينها الشيخ جابر الأحمد بعض
السياسات العامة والوعد بالإصلاح.
إرسال تعليق