التعددية الاجتماعية والتعددية السياسية
يقصد بالتعددية السياسية" مشروعية تعدد القوى والآراء السياسية، وحقها
في التعايش، وفي التعبير عن نفسها، وفي المشاركة في التأثير على القرار السياسي في
مجتعها.
وهذا التعريف يعني:
1- الاعتراف بوجود تنوع في مجتمع ما بفعل وجود عدة
دوائر انتماء فيه ضمن هويته الواحدة.
2- احترام هذا التنوع وقبول ما يترتب عليه من خلاف
أو اختلاف في العقائد والالسنة والمصالح وأنماط الحياة والاهتمامات، ومن ثم
الأوليات.
3- إيجاد صيغ ملائمة للتعبير عن ذلك كله بحرية في
إطار مناسب وبالحسنى بشكل يحول دون نشوب صراع يهدد سلامة المجتمع,
والتعددية
السياسية، مصطلح حديث الظهور والاستخدام، وهو وثيق الصلة
بمصطلح "الديمقراطية" الغربي وإن كان إطاره ألمفهومي أوسع.[1]
ويقصد بالتعددية السياسية[2]
كما يراها محمد عابد الجابري بأنها " مظهر من مظاهر الحداثة السياسية، ونقصد
بها أولا وقبل كل شيء، وجود مجال اجتماعي وفكري يمارس الناس فيه " الحرب
" بواسطة السياسة، أي بواسطة الحوار والنقد والاعتراض والأخذ والعطاء،
وبالتالي التعايش في إطار من السلم القائم على الحلول الوسطى المتنامية، والتعددية
هي وجود صوت أو أصوات أخرى مخالفة لصوت الحاكم ". أما الدكتور سعد الدين
إبراهيم فيعرف التعددية السياسية على أنها " مشروعية تعدد القوى والآراء
السياسية وحقها في التعايش والتعبير عن نفسها والمشاركة في التأثير على القرار السياسي
في مجتمعها " [3].
بينما عرفتها الدكتورة ثناء فؤاد بأنها " الإقرار بوجود التنوع، وأن هذا
التنوع يترتب عليه اختلاف المصالح والاهتمامات والأولويات[4].
وقد أشار هنري كاريل إلى التعددية بقوله أنها " ترتيبات مؤسسية خاصة لتوزيع
السلطة الحكومية والمشاركة فيها " [5].
في حين أفاض وأغنى الدكتور احمد صدقي الديجاني مفهوم التعددية عندما قال أنها
" مصطلح يعني أولا الاعتراف بوجود تنوع في مجتمع ما
يفصل وجود عدة دوائر انتماء فيه ضمن الهوية الواحدة، وبقي ثانياً احترام هذا
التنوع وقبول ما يترتب عليه من خلاف أو اختلاف
في العقائد والألسنة والمصالح وأنماط الحياة والاهتمامات ومن ثم الأولويات وبقي
ثالثاً أيجاد صيغ ملائمة للتعبير عن ذلك بحرية في إطار مناسب "[6]
.
ومن
خلال الاستعراض السريع لمجموعة المفاهيم المذكورة أنفا يتبين الآتي :
1)
التعددية السياسية عنصراً رئيساً من عناصر وجود الديمقراطية في بلد ما .
2)
القرارات السياسية التي تتخذ في دولة تتمتع بالتعددية
هي قرارات نخب عديدة ومجموعات قيادية متخصصة لا تتخذها نخبة أو فئة واحدة.[7]*
3)
التعددية السياسية تعني اختلاف في الآراء والطروحات الفكرية واختلاف في المصالح
واختلاف في التكوينات الاجتماعية أو الديموغرافية أو الاقتصادية .
ولقد كان للأزمات المتلاحقة في المنطقة
العربية أثر فعال في دفع الظاهرة التعددية، أو دفع الحديث عن " التعددية
المجتمعية"إلى بؤرة الاهتمام والتركيز، حيث كثرت الدراسات والتحليلات التي
تعزو قصور الأنظمة العربية في التعامل مع الأزمة وحيرتها وارتباكها في تفهمها وفي اتخاذ القرارات بشأنها إلى غياب "
الديمقراطية" عن هذه الأنظمة، وبدأ الحديث عن ضرورة إحداث نوع من الديمقراطية
داخل المنطقة.[8]
[1] أحمد صدقي الدجاني، التعددية السياسية في التراث العربي
الإسلامي، في: ندوه التعددية السياسية في
الوطن العربي، 26- 28/3/1989، منتدى الفكر العربي، عمان، ص ص 1-2.
[2] ترجع جذور التعددية
السياسية إلى الفلسفة السياسية الليبرالية.
فلقد أشار الفيلسوف الإنجليزي جون لوك حول الحكومة المدنية في العام 1689 إلى أن الدولة ينبغي أن تقوم على الرضا، وأن الحكومة لا ينبغي أن تعتمد على
السلطة المطلقة أو الأحادية.
وجاءت
أفكار لوك للرد على توماس هوبز الذي أوضح ضرورة منح سلطة مطلقة للحكومة بهدف تجنب
الحرب الفوضوية من قبل الكل ضد الكل.
أنظر:
فاخر السلطان، مرجع سابق.
[3] رياض عزيز هادي ، من
الحزب
الواحد إلى التعددية ، بغداد ، دار الشؤون
الثقافية العامة ، 1995 ، ص63 .
[4] ثناء فؤاد عبد الله،
الحزب
والسياسة والديمقراطية، بغداد، مجلة الإسلام
والديمقراطية، ع 3، آب 2003 ، ص 40 .
1. لابد من وجود نظام قانوني يؤمن
للفئات الاجتماعية كافة الحق في التنظيم المستقل والتعبير عن آرائها ، وعن ضرورة
التسليم بالطموحات المشروعة لمختلف الفئات الاجتماعية في سعيها السلمي للوصول إلى
السلطة السياسية تحت مظلة تنظيم تشريعي يسمح بذلك ويقننه. انظر:
محمد نور فرحات، التعددية السياسية في العالم العربي : الواقع
والتحديات ، الرباط ، مجلة الوحدة ، ع 91 ، المجلس القومي للثقافة
العربية ، نيسان 1992 ، ص 8 .
2.
لابد من وجود تنظيمات وسيطة بين الشعب والحكومة تنظم العملية السياسية مثل الأحزاب
السياسية التي أصبحت تمثل ظاهرة مهمة يصعب التخلي عنها في النظم السياسية
الديمقراطية الحديثة لأنها تقوم بمجموعة وظائف مهمة من بينها :-
*الوظيفة
التنظيمية: من مهام الأحزاب السياسية القيام بتوجيه وتنظيم الأفكار والأمزجة
العديدة والمتفرقة ، في إطار شامل ، بمعنى نقل الآراء المتعددة إلى مستوى الاختيارات
الجماعية.
= *الوظيفة الاتصالية: حيث
تقوم بدور قناة الاتصال بين القاعدة والقيادة من جهة وبين الحاكم والمحكومين من
جهة أخرى. وتعمل على خلق شبكة من الاتصالات بين الجماهير والقيادة بطريقة تمكنها
من توليد القوة السياسية لتلك الجماهير من خلال توجيهها وتعبئتها.
أنظر: عبد السلام إبراهيم بغدادي ، الوحدة
الوطنية ومشكلة الأقليات في أفريقيا ، بيروت ، مركز دراسات الوحدة
العربية ، 1993، ص 262
* الأحزاب
السياسية تلعب دوراً مزدوجاً في التمثيل السياسي، حيث إنها تعمل على تأهيل
الناخبين من خلال تطوير الوعي السياسي لهم وتسمح بتعبير أكثر وضوحاً عن الخيارات
السياسية من جهة، وتعمل في الوقت نفسه على تأهيل المنتخبين من خلال اختيارها
للمرشحين الذين ستجري بينهم المنافسة الانتخابية من جهة أخرى. وبذلك الأحزاب
السياسية هنا تلعب دور الوسيط بين الناخبين والممثلين (المنتخبين).
أنظر: موريس دوفرجيه، المؤسسات السياسية والقانون
الدستوري (الانظمة السياسية الكبرى ) ، ترجمة: د. جورج سعد، بيروت، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر
والتوزيع، 1992 ، ص 75
.
* تمارس الأحزاب السياسية وظيفة مهمة جداً ألا وهي
تنظيم المشاركة السياسية، من خلال تعبئة الجماهير لاسيما الفقيرة منها، كما تعمل
على تمكين الفرد من أن يمارس دوره في إدارة الشؤون العامة قدر الإمكان .
[8] نيفين عبد الخالق مصطفى، الأبعاد السياسية لمفهوم التعددية،
القاهرة، جامعة القاهرة، مركز البحوث والدراسات السياسية، سلسلة بحوث سياسية، ص1.
إرسال تعليق