تسوية المنازعات الدولية في عهد عصبة الأمم والمنظمات الأقليمية (الجامعة العربية)

: أولا– عصبة الأمم
لقد أهتمت المواثيق الدولية بضرورة حل المنازعات الدولية بالطرق السياسية كسبيل ثاني بعد الطرق الدبلوماسية, وقد أكدت المواد ( 12 و15 ) من عهد العصبة على مبدأ التسوية السلمية, وقد فرضت المادة (12) على الدول الأعضاء اختيار أحدى الطريقتين:
1- أما عرض النزاع على التحكيم أوالقضاء الدولي ( محكمة العدل الدولية الدائمة) .
2- أو عرضه على مجلس العصبة كوسيط لحمل الطرفين على التفاهم والوصول الى تسوية.
كذلك يقوم المجلس بأعداد تقرير يعرض على التصويت, فإذا نال الإجماع ( بأستثناء أصوات الدول المتنازعة ) اكتسب صفة القانون وأصبح ملزما للدول المتنازعة, أما اذا حصل على الأغلبية فلا يكتسب أية صفة الزامية , وتصبح الحرب ممكنة من الناحية القانونية(1).
ووفقاً للفقرة (8) من المادة (15) من عهد العصبة, فإن مجلس العصبة يمتنع عن النظر في أي نزاع يتعلق بحسب - قواعد القانون الدولي العام - بالسلطة الداخلية للدولة ، أما إذا كان النزاع دوليا أي بين دولتين أو أكثر, فإن المجلس قد ينظر في النزاع ويفصل فيه وفقاً لعهد العصبة ، وقد يحيل النزاع إلى الجمعية العمومية ، ومجلس العصبة هنا قد ينظر في النزاع إما من تلقاء نفسه ، أو بناءً على طلب أي طرف من أطراف النزاع أو كلاهما معاً(2).





 
(1) العطية, د. عصام, مصدر سابق, ص595
(2) أنظر نص الفقرة (8) من المادة (15) من عهد العصبة
كذلك أوضح عهد العصبة في الفقرة (1) من المادة (15) أنه في حالة نشوء نزاع بين أعضاء العصبة ولم يتم عرض هذه النزاع على التحكيم أو التسوية القضائية وفقا للمادة(13) من العهد,  فعلى الدول المتنازعة أو احداها أن ترفع النزاع الى المجلس, وذلك عن طريق اعلان يرفع الى سكرتير العصبة يتضمن الطلب منه القيام باتخاذ ما يلزم لعرض هذا النزاع على المجلس ، وعلى أطراف النزاع أن يقدموا للسكرتير العام كافة الوثائق والمستندات اللازمة ، وللمجلس أن يأمر بنشرها لكي يطلع عليها الرأي العام الدولي وذلك طبقا للفقرة (2) من المادة (15)من العهد.
غير ان الغريب في عهد العصبة الذي نصت ديباجته على ان ( الأطراف السامية المتعاقدة راغبة في الدفع مقدما بالتعاون الدولي, وتحقيق السلام والأمن الدوليين بقبول التزامات بعدم اللجوء الى الحرب)(1), لم يتضمن نصا صريحا يحرم اللجوء الى الحرب أو استخدام القوة فيحل المنازعات بين دول العصبة . فمثلا المادة (12) التي حثت الدول الأعضاء في العصبة على عرض أي نزاع بينها من شأنه أن يؤدي الى توتر دولي, على التحكيم أو التسوية القضائية أو التحقيق بواسطة المجلس ، وعلى عدم الالتجاء الى الحرب بأية حال قبل انقضاء ثلاثة شهور من صدور قرار التحكيم أو تقرير مجلس العصبة(2).
يفهم من نص المادة (12) أن الدول المتنازعة تستطيع اللجوء إلى الحرب بعد انقضاء مدة ثلاثة أشهر حتى وان صدر قرار التحكيم أو تقرير المجلس, فعهد العصبة في هذه الحالة لا يلزم الدول المتنازعة على قبول قرار التحكيم, أما اذا لجأت احدى دول العصبة الى الحرب دون اتباع ذلك السياق فتكون قد ارتكبت عملا حربيا ضد جميع الأعضاء الاخرين ، وعلى مجلس العصبة في مثل هذه الحالة أن يوصي بتطبيق المادة (16) ضد الدولة المعتدية وذلك بفرض عقوبات مالية واقتصادية واتخاذ اجراءات عسكرية(3) .






 
(1) السيد, د.رشاد عارف, الوسيط في المنظمات الدولية, دائرة المكتبة الوطنية, عمان, 2001, ص36
(2) أنظر نص المادة(12) من عهد العصبة
 (3) توفيق, د. سعد حقي, مصدر سابق, ص33

كما أخذ عهد العصبة بفكرة التكافل الدولي لمنع العدوان, على الرغم من أنه لم يحرم الحرب تحريما تاما, فقد نصت المادة (11) من العهد " يعلن أعضاء العصبة بأن أي حرب أو تهديد بها سواء أكان له تأثير مباشر على أي عضو من أعضاء العصبة أم لم يكن يعد مسألة تهم العصبة جميعا...)(1).
أما في حالة اللجوء إلى التحكيم فان قرار المحكمين أو الحكم القضائي يجب أن يصدر خلال فترة معقولة  ويفضل ان تحدد هذه الفترة حتى لا تبقى مفتوحة لان السبب الرئيسي الى التحكيم بشكل عام هو اختصار المدة مقارنة بالقضاء الوطني(2)، وعند عرض النزاع على مجلس العصبة فعلى المجلس أن يصدر تقريره خلال ستة اشهر من عرضه ، وخلال هذه الفترة عليه أن يقوم بكل ما من شأنه التوفيق بين الأطراف المتنازعة ، وكذلك القيام بالاعمال التالية(3):
1- تشكيل هيئة تحقيقية للوقوف على ملابسات النزاع.
2- له الحق أن يستفتي محكمة العدل الدولية في بعض المسائل القانونية المتعلقة بالنزاع.
3- اذا لم يتوصل المجلس الى تسوية, فانه يقوم باصدار تقرير يشتمل على وقائع النزاع وشروط التسوية التي يراها مناسبة وفقا لما هو منصوص عليه في الفقرة (3) من المادة (15) من العهد.
أما اذا تم تسوية النزاع من قبل المجلس وتمت الموافقة بالاجماع على التقرير " ما عدا ممثلي اطراف النزاع " فان أعضاء العصبة يلتزمون بعدم اللجوء الى الحرب ضد الطرف الذي وافق على التوصيات الواردة في التقرير, وفي حالة رفض جميع أطراف النزاع قبول التقيد بألتزامات الدول الأعضاء في العصبة فيما يتعلق بالنزاع القائم فقط, فيحق للمجلس أن يتخذ من التدابير أو أن يقدم من التوصيات مايراه مناسبا للحيلولة دون اندلاع القتال وللوصول الى تسوية للنزاع(4).




 
(1) أنظر المادة (11) من عهد العصبة
(2) ) انظر: عطاري, د.  يوسف  (محاضرات في القانون الدولي العام) القيت على طلبة الدراسات العليا في جامعة الشرق الاوسط في الاردن ,2010, ص 45 وما بعدها
(3) أنظر المادة (13) من عهد العصبة
(4) الفقرة (16) المادة (15) من عهد العصبة

هذا اذا كان النزاع يتعلق بين دولتين عضوين في العصبة، أما في حالة قيام نزاع بين دولتين احداهما عضو في العصبة والأخرى ليست كذلك, فقد عالجت المادة (17) من العهد هذه المسألة ، اذ ان المجلس يدعو الدولة التي ليست عضوا أن تلتزم بالعهد في شأن فض المنازعات بالطرق السلمية وذلك طبقا للشروط التي يراها المجلس ، فاذا قبلت الالتزام طبقت عليها نصوص العهد كما لو كانت عضوا في العصبة ، أما اذا رفضت الالتزام وأعلنت الحرب على دولة عضو في العصبة فانه لا يكون أمام المجلس إلا تطبيق المادة (16) من العهد والمتضمنة فرض جزاءات اقتصادية وعسكرية على الدولة المعتدية(1).

تقويم العصبة:
لقد حققت العصبة بعض النجاحات في حل بعض المشاكل الدولية على رغم الانتقادات التي وجهت لها, فقد استطاعت العصبة أن تضع حدا للنزاع الذي نشب بين بولونيا ولتوانيا في عام 1920, وبين السويد وفلندا على جزر الآند في عام 1921 , والخلاف بين بولونيا وبلغاريا عام 1925 , وبين ألمانيا وبولونيا عام 1921 بسبب سيليزيا العليا, وبين انكلترا وتركيا عام 1925 بسبب قضية الموصل (2).الا أن العصبة فشلت في تسوية بعض المنازعات الدولية والتي منها(3):
1- لم تستطيع في تسوية النزاع الذي نشب بين ايطاليا واليونان عام 1923 بسبب جزيرة كوروفو.
2- فشلت في منع اليابان من احتلالها للصين عام 1932.
3- فشلت في منع ايطاليا لأحتلالها للحبشة عام 1936.
4- كما فشلت في منع نشوب الحرب العالمية الثانية.





 
(1) توفيق, د. سعد حقي, مصدر سابق, ص337
(2) السيد, د. رشاد عارف, مصدر سابق, ص41
(3) المهنا, د. فخري رشيد , صلاح ياسين داوود, المنظمات الدولية, العاتك لصناعة الكتاب, القاهرة, (بدون سنة طبع), ص262
ثانيا- تسوية المنازعات الدولية عن طريق المنظمات الاقليمية ( الجامعة العربية ):
تعتبر المنظمات الاقليمية هي احدى الوسائل الاساسية في تسوية المنازعات الدولية لا سيما الأقليمية منها. فهي اذن تجمعات اقليمية ترتبط فيما بينها بروابط وثيقة سواء بحكم جوارها الجغرافي أو المصالح السياسية والأقتصادية المشتركة, وقد سعت الى المزيد من الترابط من خلال انشاء أجهزة حكومية مستقلة تعكس مصالح دول هذه التجمعات وقد أطلق عليها ب(المنظمات الاقليمية), كما انها تهدف الى تمتين أواصر التعاون في المجالات كافة بين دولها الاعضاء, وقد تتميز هذه المنظمات بكونها مقصورة على دول معينة تتوفر فيها الشروط التي يحددها ميثاق المنظمة الاقليمية(1).

لقدأختلف الفقه في تعريف المنظمة الاقليمية, فمن الفقهاء من يرى ان أساس التنظيم الأقليمي يجب أ ن يستند الى معيار الجوار الجغرافي للدول الأعضاء, ويرى اخرون أنه يجب أن يستند الى اعتبارات سياسية ومذهبية أو حضارية أوأقتصادية..(2).
كما أنقسم الفقه أيضا في تقييم دور وفعالية المنظمات الاقليمية الى قسمين, فالقسم الأول من الفقهاء يرى أن للمنظمات الأقليمية دورا فاعلا في فض المنازعات الاقليمية, على أساس أن المنظمات الأقليمية كانت سائدة قبل نشوء المنظمات الدولية, كما ان المنظمات الدولية التي ظهرت بعد ذلك اصبحت عاجزة عن تحمل مسؤولياتها في تسوية النزاعات الدولية, ويحتجون بذلك على فشل عصبة الامم في كبح جماح الدول التي سببت اندلاع الحرب العالمية الثانية. كما يعتقدون ان المنظمات الاقليمية التي تشترك دولها في خصائص كثيرة قادرة على حل مشاكلها ومنازعاتها في حين أن المنظمات الدولية تفتقد هذه الميزة.







 
(1) السيد, د. رشاد عارف , مصدر سابق, ص173
(2) سرحان, د. عبد العزيز, مبادئ التنظيم الدولي, ط2, دار النهضة العربية, القاهرة, 1976, ص29

أما الطرف الثاني فيعتقد أن المنظمات الاقليمية حتى وأن جمعت دولها خصائص معينة الا انها تبقى عاجزة عن تسوية منازعاتها بالطرق السلمية, حيث أن الدولة القوية في اقليم ما تصبح صاحبة نفوذ وهيمنة على بقية دول الاقليم الاخرى, وبالتالي تخضع قرارات المنظمة الاقليمية لارادة الدولة القوية فيها(1).
لكن الحقيقة أن وجود المنظمات الدولية لا يتعارض مع وجود منظمات اقليمية, حيث بالأمكان قيام التعاون بينهما لتحقيق أهداف الأمن والسلم الدوليين, على الرغم من أن المنظمات الاقليمية قد سبقت في وجدودها المنظمات العالمية, حيث أن ميثاق عصبة الأمم قد عبر عن هذه الحالة  في مادته (21) حيث نصت " ليس في هذا الميثاق ما يعتبر ماسا بنفاذ التعهدات الدولية كمعاهدة التحكيم, أو الأتفاقات الاقليمية من أمثال مبدأ مونرو لضمان صيانة السلام"(2).
أما الأمم المتحدة فقد أقر ميثاقها في قيام مثل هذه المنظمات, فقد نصت الفقرة (1) من المادة (52)على أنه " ليس في هذا الميثاق ما يحول دون قيام تنظيمات أو وكالات أقليمية تعالج من الأمور المتعلقة بحفظ السلم والأمن الدولي ما يكون العمل الأقليمي صالحا ما دامت هذه التنظيمات أو الوكالات الأقليمية ونشاطها متلائمة مع مقاصد (الأمم المتحدة) " (3).

كما حث ميثاق الأمم المتحدة على وجوب اللجوء الى التنظيمات الاقليمية قبل عرض أي نزاع على مجلس الأمن. وقد أشار الميثاق في الفقرة (2) من المادة (52) التي نصت على أن " يبذل أعضاء الأمم المتحدة الداخلون في مثل هذه التنظيمات أو الذين تتألف منهم تلك الوكالات كل جهدهم لتدبير الحل السلمي للمنازعات المحلية عن طريق هذه التنظيمات الاقليمية أو بواسطة هذه الوكالات وذلك قبل عرضها على مجلس الامن". كما أن الفقرة (3) من نفس المادة تؤكد " على مجلس الأمن حث الدول المتنازعة بعرض منازعاتها على المنظمات الاقليمية لايجاد حلول تسوية عن طريقها قبل عرضها على مجلس الأمن" (4).




 
(1) المهنا, د. فخري رشيد  , مصدر سابق, ص 148-149
(2) المادة 21 من ميثاق عصبة الأمم
(3) المادة (52) الفقرة (1) من ميثاق الأمم المتحدة
(4) المادة (52) الفقرات (2-3) من ميثاق الأمم المتحدة.




تسوية المنازعات الدولية من خلال المنظمات الدولية ( الأمم المتحدة )
 
أن الصلة بين مبدأ حل المنازعات الدولية حلا سلميا ومنع الحرب وحفظ السلم الدولي, هي صلة قوية ومتلازمة, فلا يمكن أن نتصور استتباب الأمن والسلم في المجتمع الدولي دون أن يتضمن حل الخلافات التي تنشب بوسائل بعيدا عن استخدام القوة, وان من أولى مقاصد الأمم المتحدة التي وردت في المادة (1) من الميثاق هي تحقيق السلم والأمن الدوليين, ولتحقيق هذه الغاية فان المنظمة الدولية تتذرع بالوسائل السلمية لتسوية المنازعات الدولية وفقا لمبادئ العدل والقانون(1). كما ان الميثاق يوجب على الدول اللجوء الى الوسائل السلمية في حل المنازعات الدولية التي من شأنها أن تهدد السلم والأمن الدوليين, ومما يؤكد الأهمية الكبيرة التي يوليها الميثاق لهدف المحافطة على الأمن والسلم الدوليين.

كما وسبق قيام الأمم المتحدة أن دعت الى ذلك اتفاقية لاهاي 1907 عندما نصت المادة الأولى من تلك الاتفاقية على أنه " بغية تجنب اللجوء الى القوة قدر الامكان في العلاقات بين الدول تتعهد ببذل أقصى جهودها لضمان الحل السلمي للخلافات الدولية "(2). كما أكدت على ذلك المعاهدة المعقودة في باريس عام 1928 والتي عرفت باسم ميثاق ( بريان كلوج) والتي نصت على أن "  يتعهد أطراف المعاهدة بعدم تسوية أي خلاف أو نزاع بينهم بغير الطرق السلمية دون اعتبار لطبيعة الخلاف أو النزاع أو مصدره "(3).






 
(1) أنظر المادة (1) الفقرة (1) من ميثاق الأمم المتحدة
(2) أنظر المادة (1) من اتفاقية لاهاي عام 1907
(3) كاظم, د. صالح جواد, دراسة في المنظمات الدولية , مطبعة الارشاد, بغداد, 1975, ص315


Post a Comment

أحدث أقدم