الأدلة على وجود
الله سبحانه وتعالى
1 – دليل الفطرة
وأول الأدلة على
وجود الله جل جلاله ليس شيئا خارجا عن كيان الإنسان، بل هو الفطرة التي فطر الله الناس
عليها وهي الإسلام، ونعني هنا بالدليل الفطري على وجود الله ذلك الشعور الغامر بأن
فوق الكائنات المحدودة المتناهية إلها عظيما يهيمن على كل شيء، ويدبر كل أمر، يرجى
ويخشى، ويعظم ويقصد، وهذا الشعور ينبع من أعماق الإنسان، ويستمد من كيانه كله، لا من
عقله وحده ولا من وجدانه بمفرده، بل هو شعور يجده الإنسان في نفسه بغير تعلم ولا تلقين
ولا اكتساب وهو أشد رسوخا في النفس من مبدأ العلم الرياضي كقولنا إن الواحد نصف الاثنين،
ومبدأ العلم الطبيعي كقولنا إن الجسم لا يكون في مكانين وغير ذلك من الحقائق والمسلمات،
ولولا أن شدة الظهور قد تلد الخفاء، واقتراب المسافة جدا قد يعطل الرؤية ما اختلف على
ذلك مؤمن ولا ملحد.
ويعد دليل الفطرة
من أهم الأدلة التي نبه عليها القرآن الكريم بل إنه جعله في مقدمة تلك الأدلة وأساسا
لها، فالفطرة السليمة مجبولة على الإقرار بوجود الرب الخالق، والإيمان به تعالى مغروز
في طبيعة البشر، وفي شعور كل عاقل وضميره، ولذا فإن الإيمان أجل وأرفع في نظر الإسلام
من أن يكون موضع شك أو ارتياب، والمراد بقولنا إن معرفة الله فطرية: أن كل إنسان يولد
على صفة تقتضي إقراره بأن له خالقا مدبرا، وتستوجب معرفته إياه وتألهه له، وهذه الصفة
ذاتها هي القوة المغروسة في الإنسان التي تقتضي اعتقاده للحق دون الباطل، وإرادته للنافع
دون الضار، وثمة شواهد وأدلة عديدة تؤكد على أن الإيمان بالله فطرة خلق الإنسان عليها،
وأنه طبيعة راسخة فيه مثل سائر الطبائع التي لا تفارقه في أصل وجوده، ومن هذه الشواهد
ما يلي:
السنة فقد ورد فيها
أحاديث كثيرة منها قول النبي ^: «كل مولود يولد على الفطرة»([67]) وقوله فيما يرويه
عن ربه جل وعلا: «إني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإن الشياطين أتتهم فاجتالتهم عن دينهم»([68]).
ب – الشاهد النفسي:
فما من إنسان إلا ويجد في نفسه عند لحظات الصفاء والتحرر من ضغوط الحياة شوقا إلى قوة
قادرة وعظيمة، يطلب عندها الحماية والأمن، وينشد عندها الطمأنينة والروح، وإذا عاند
معاند في ذلك الشعور فلينظر في نفسه عندما يضيق به الحال ويداهمه الخطر العظيم، أو
عندما تشتد به العلل ويجد نفسه على أبواب الهلاك، وهو حينذاك لا يملك مهما كان من الجحود
إلا أن يفزع إلى الله يطلب عنده النجاة، ويناشده حسن المآل وليس ذلك إلا الفطرة السليمة
التي بانت جلية عند الشدائد.
ج – الشاهد الاجتماعي
التاريخي: حيث يشهد تاريخ الإنسان بأنه لم يخل مجتمع بشري قط من الإيمان بأن يتـخذ
معبودا، وما زالت علوم الأنثربولوجيا وعلوم الحفريات تؤكد يوما بعد يوم أن المجتمعات
البشرية منذ وجدت كانت تتـخذ لها إلها تؤمن به وتتقرب له بالعبادات، وقد شاعت هذه الحقيقة
بين الدارسين والمفكرين حتى أوشكت أن تصبح مسلمة بين كل الناظرين في تاريخ الإنسان
وإذا كانت بعض الجماعات قد انحرفت في إيمانها بالله فاتـخذت له شركاء في الألوهية،
فإن ذلك ليس إلا تعبيرا خاطئا عن أصل الفطرة الموحدة والشاهد على ذلك أن كل المشركين
يكون من بين آلهتهم إله هو الأكبر فيهم وتكون سائر الآلهة الأخرى وسائط إليه بشكل أو
بآخر، وتلك دلالة واضحة على أن الأصل كان هو التوحيد، والشرك هو الانحراف عنه.
وبعد أن ذكرنا الأدلة
السابقة التي تقطع بأن الإيمان بالله فطرة راسخة ومستقرة في النفس بالبشرية يبقى تساؤل
مهم وهو أنه إذا كان الإيمان بالله فطرة في النفس، فكيف نفسر ظاهرة الكفر والإلحاد
عند بعض البشر؟.
والجواب هو أن الإيمان
بالله وإن كان فطرة راسخة في النفس، إلا أن غواشي وحجبا قد تطرأ عليه فتطمسه وتغطيه،
فيصير الإنسان على غير وعي به، رغم أنه مضمر وكامن في النفس على الدوام، ولهذا فإن
كلمة الكفر مأخوذة لغة من الستر والتغطية، وأطلقت على الكافر لأنه يستر ويغطي مقتضيات
فطرته بحجب الشبهات والشهوات.
وحواجب الفطرة وغواشيها
كثيرة ومتعددة، ومنها أهواء النفوس وشهواتها، والاستكبار والغرور، وتقليد الآباء والأجداد،كما
قال ^ في حديث الفطرة المتقدم: «فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه»([69])، ومن
الموانع أيضا الغنى والترف، لكن هذه الموانع جميعا سرعان ما تزول وتتهاوى تحت مطارق
الشدائد وحلول البلاء وحينئذ ينقلب الملحد الكفور ضارعا منيبا،
2 – آيات الله في الأنفس والآفاق:
ولا شك أن كل شيء
في كون الله الواسع الفسيح إذا تأمله الإنسان حق التأمل فسوف يأخذ بيده وقلبه إلى الله،
ويدله على وجوده بل على وحدانيته وتفرده بالملك والتدبير، كما يدله على أسمائه الحسنى
وصفاته العليا، والإنسان نفسه آية فريدة دالة على الله، فهو وحده عالم خاص اجتمع له
من حسن الصورة ومن قوى الإدراك والشعور والبصيرة ما لم يحظ به غيره ولهذا كله نجد أن
القرآن يوجه العقول إلى النظر في آفاق الكون بعناصره المختلفة أرضا وبحرا وسماء، كي
ينتقل منها إلى ما وراءها من علة وجودها وقد كثرت الآيات الداعية إلى هذا النظر وتنوعت،
بحيث أصبحت تمثل مبدأ قرآنيا ثابتا في المعرفة عموما وفي معرفة الله خصوصا، وهو الأمر
الذي لا نجد له نظيرا في أي كتاب من كتب الأديان الأخرى.
كذلك يتكرر في القرآن
القسم ببعض خلائق هذا الكون ومظاهره كالليل والنهار والشمس والقمر والسماء والأرض والنجوم
والبحار والشفع والوتر وما نبصر وما لا نبصر، وكل ذلك كي تستيقظ العقول الغافلة، وتصحو
القلوب المريضة، كما أن الله سبحانه ينكر على الكافرين أنهم أوصدوا عقولهم ومشاعرهم
فلا ينتفعون بآيات الله
والمتأمل لآيات الله
في الأنفس والآفاق يمكن أن يخرج منها بعدد كبير من الأدلة والبراهين القطعية التي تهديه
إلى خالق الكون ومدبر أمره سبحانه وتعالى ومن أبرز هذه الأدلة:
أ- دليل الخلق:
والمراد بالخلق:
الإيجاد والإحداث، أي إبراز الأشياء من العدم إلى الوجود كما هو الشأن في خلق الإنسان
وسائر الأحياء، وخلق الكون بكل ما فيه من نجوم وكواكب ومجرات وأرض وجبال وبحار وما
إلى ذلك.
وتعد ظاهرة الخلق
من الظواهر الملموسة للناس جميعا، ولا يستطيع عاقل التشكيك فيها كما أن إثبات خلق هذا
الكون بكل ما يشتمل عليه وحدوثه بعد أن لم يكن شيئا، لا يحتاج إلى كثير نظر واستدلال
ولما كان دليل الخلق على هذه الدرجة من الوضوح واشتراك سائر البشر في الإقرار به وعدم
إنكاره، فقد تكرر تذكير الخلق به وتعددت الإشارة إليه في القرآن الكريم في مواضع كثيرة،
حتى بلغ عدد مرات ورود مادة خلق وما اشتق منها أكثر من مائتين وخمسين مرة([70])، ويكفي
أن نشير هنا إلى أن الله سبحانه قد ذكر عباده بهذا المعنى في أول آية نزلت من القرآن
في سورة العلق حيث قال سبحانه: ?چ چ چ
? ? ?
? ? ? ?? [العلق:
1-2] لكن من المهم أن نشير إلى أن الآية لم تسق لتذكير العرب والبشرية كلها بمعلومة
جديدة أو حقيقة كانت خافية عليهم وهي أن الله هو خالقهم وأنه خلقهم من علق، فقد كانوا
يعرفون الأمرين
فالمعلومات إذن لم
تكن جديدة، وإنما الجديد هو طريقة
المعرفة والقصد منها فمعلومات العرب في الجاهلية
بحقيقة الخلق كانت معلومات باردة ميتة، لأنها في محيط الذهن وحده، وهنا يراد لها أن
تكون معلومات حية نابضة لأنها لا تستكن في الذهن، وإنما تنتقل إلى القلب فتنبض في وجدان
حي، وتتحول إلى سلوك إيماني، ومن ثم يتوجه العبد إلى خالقه كي يعبده ويشكره ويوحده.
ب- دليل التسوية:
ومعنى تسوية الشيء:
إحسان خلقه، وإكمال صنعته، وإمداده بأسباب صلاحه وبقائه وجعله مستويا معتدلا متناسب
الأجزاء دون تفاوت أو خلل، بحيث يكون مهيأ لأداء وظيفته على أكمل وجه.
وإذا كان دليل الخلق
يدل على الله سبحانه، فإن التسوية أبلغ في الدلالة وأخص منها، لأن الشيء يمكن أن يخلق
دون أن يكون مسوى على الوجه الأكمل والأتم، وتسوية المخلوقات أمر ظاهر للعيان في كل
ما ذرأه الله وبرأه، سواء في السماوات أو في الأرض، وفي الحيوان أو النبات، وأما الإنسان
فهو نسيج وحده في هذا الباب، ويكفي أن نمثل بأي عضو من أعضائه كالعين أو القلب لنرى
عجيب صنع الله، وإحسان خلقه جل وعلا.
وقد تكررت الإشارة
إلى دليل التسوية في القرآن الكريم بعبارات متنوعة وإن كانت متقاربة في الدلالة، ومنها
التسوية
ج- دليل الهداية:
وكما أن الله سبحانه
قد خلق كل شيء في الكون على الصورة التي تناسب وظيفته وتعينه على أدائها، فهو سبحانه
قد هداه أيضا إلى ما خُلق لأجله، وألهمه غاية وجوده، ويسر له الطريق ليدرك غاية الكمال
الذي يناسبه، وهذه الهداية شيء آخر فوق الخلق والتسوية والتقدير، إنها الإلهام أو التعليم
الذي يتم بها التقدير ويكمل الخلق والتدبير.
فإعطاء الخلق إيجاده
في الخارج، والهداية التعليم والدلالة على سبيل
بقائه وما يحفظه ويقيمه وهي شاملة لهداية
الحيوان كله ناطقه وبهيمه، طيره ودوابه، فصيحه، وأعجمه([71]).
ومظاهر الهداية في
الكون أكثر من أن تحصى أو تحصر، وهي سمة عامة مبثوثة في كل شيء في الكون من حي أو جامد،
وصامت أو ناطق، وليست مقصورة على الإنسان وحده، بل أمثلتها في عالم النبات وعالم الحيوان
وعالم الفلك أشهر من أن تذكر.
3 ــ دليل النبوات والمعجزات:
ومع أن المعجزات
ودلائل النبوة إنما تساق في الغالب لإثبات صحة نبوة الرسل ورسالتهم، إلا أنها تعد أيضا
من الأدلة القاطعة على وجود الرب سبحانه وتعالى، وذلك من عدة وجوه:
الوجه الأول: أن
كل رسول أو نبي يأتي من عند الله سبحانه فإن دعوته ورسالته تتضمن عدة أمور وهي أنه
رسول مبعوث لدعوة الناس إلى الإقرار لله بالربوبية والإلهية، وأن هناك ربا وإلها هو
الذي أرسله، سواء أكان المخاطب يقر بوجود هذا الإله أم لا.
وإذا جاء الرسول
بمعجزة تدل على صدقه، فقد ثبت تبعا لذلك كل ما تضمنته رسالته من حقائق، ومن أولها أن
لهذا الكون ربا وإلها، وليس بلازم أن تتقدم معرفة المكلف بالله حتى يصدق بالرسل، لأن
المعجزة نفسها دليل على وجود الله وربوبيته، وأما إن كان المكلف مقرا بوجود الله بمقتضى
فطرته التي لم تتغير فإن المعجزة تقرر عنده صدق النبوة، وقبل ذلك وحدانية الله جل وعلا.
ومما يندرج في هذا
المسلك الاستدلالي ما جاء في قصة موسى عليه السلام مع فرعون وقومه، ففرعون كان منكرا
للرب جل وعلا ظاهرا ومقرا به باطنا وقد حاجه موسى عليه السلام، ومن ضمن ما احتج به
عليه آية اليد والعصا وقد وصفهما الله بالبرهانين، ولو لم يكن في المعجزة حجة على وجود
الرب وربوبيته ما احتج بهما موسى عليه السلام على دعوى فرعون في جحد الربوبية ولاعترض
فرعون على ذلك بأن تلك الآيات ليست بحجة.
الوجه الثاني: أن
المعجزات التي أيد الله بها أنبيائه ورسله وجعلها من دلائل صدقهم وصحة رسالتهم تدل
بنفسها على وجود الخالق سبحانه شأنها في ذلك شأن سائر المخلوقات، بل هي أخص منها في
الدلالة لأن الحوادث المعتادة ليست كالحوادث العجيبة الخارقة للعادة والتي تفوق قدرة
البشر وإمكاناتهم، بل إنها كانت مثار دهشة بعضهم مثلما حدث لموسى عليه السلام حينما
تحولت عصاه إلى حية تسعى، ولهذا يسبح الرب ويمجد عند حصول تلك الحوادث العجيبة أكثر
من غيرها ويحصل بها في النفوس ذلة من ذكر عظمته ما لا يحصل في المعتاد.
ولا أظن أن هناك
من يجادل في أن الطوفان الذي عم الأرض عقابا لقوم نوح أو إنقاذ إبراهيم عليه السلام
من النار، أو ناقة صالح u، أو إهلاك عاد وثمود وقوم لوط، أو آيات موسى u التسع لفرعون وقومه، أو إحياء عيسى عليه السلام للموتى بإذن الله، أو القرآن
المعجز الذي جاء به النبي ^ أقول إنه لا أحد يجادل في أن ذلك كله خارج عن قدرة البشر
وإمكاناتهم، ولما كانت هذه المعجزات قد وقعت بالفعل مما يحتم أن يكون لها سبب وليس
الأنبياء هم سبب وجودها، فلابد إذن أن يكون خالقها وموجدها هو رب العالمين وخالق البشر
سبحانه وتعالى.
الوجه الثالث: حصول
العاقبة للأنبياء وأتباعهم والدائرة على أعدائهم: وكل من تتبع قصص الأنبياء وسيرتهم
مع أقوامهم يرى أن من سنن الله المطردة نصر الأنبياء وأتباعهم وإهلاك أعدائهم، وسلامة
الأنبياء والمؤمنين ونجاتهم على الدوام من نزول العذاب عليهم.
وقد كثرت الإشارة
في القرآن إلى هذه الدلالة ووصفها بأنها آية تستحق الاعتبار والتفكر وكل ذلك مما يلفت
الأنظار إلى أهميتها، واعتبارها دليلا من أدلة الربوبية، فضلا عن دلالتها عن النبوة
4 ــ إجابة الدعوات
وكشف الكربات:
ولا شك أن حصول إجابة
دعوة المضطر وكشف الكربة عنه بعد رفع يديه إلى السماء واستعانته بخالقه من أعظم الأدلة
على وجود رب قادر سميع بصير، لأن اقتران الإجابة بالدعاء وحصول عين المدعو به دليل
عقلي حسي صريح على وجود السميع المجيب سبحانه.
ولا يعترض على ذلك
بعدم حصول الإجابة في بعض الحالات، لأنه ليس من شرط هذا الدليل اطراد الإجابة في كل
حالة استغاثة، إذ من الممكن أن توجد موانع تمنع الإجابة في بعض الحالات، كما أن الله
بحكمته قد يقضي أحيانا بعدم الإجابة العاجلة.
وظاهرة إجابة الدعاء
من الظواهر المطردة والمتواترة والتي يستحيل عدها أو حصرها فضلا عن إنكارها أو التشكيك
فيها، بل إن لكل واحد منا تجربته الخاصة في هذا الصدد، وما من أحد من المؤمنين أو من
غير المؤمنين إلا ومرت عليه فترة فيها شدة وقلق وانكسار واضطرار فتوجه إلى الله بقلب
كله رجاء وأمل، فإذا بالكرب يزول وبالشدة تنجلي.
ومن المسلم به أنه
ما من نفس إلا وتلجأ إلى الله ساعة الخطر، وقد ذكر الله هذا الأمر كثيرا في كتابه،
وإذا كان سبحانه يجيب المضطر، ويكشف الضر ويسمع دعاء من دعاه، فإن آلهة المشركين المزعومة
على العكس من ذلك تماما، فهم لا يسمعون أو يبصرون أو يعقلون، ومن ثم فدعاؤهم ضلال وخبل
في العقل،
ومن أبرز نماذج إجابة
الدعوات ما حكاه الله سبحانه من قصص الأنبياء وسيرتهم مع أقوامهم واستجابة الله لدعائهم،
فقد استجاب الله دعاء نوح عليه السلام، وأنجى الله إبراهيم u من النار، ووهب له الولد على الكبر. كذلك أنجى الله سبحانه هودا وصالحا
من أقوامهم المشركين الظالمين، ونجى يونس من بطن الحوت حينما دعا قائلا: لا إله إلا
أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، ورد على يعقوب بصره وأعاد إليه ولده يوسف واستجاب
لدعاء موسى على فرعون وقومه وفرق له البحر، ونجى عيسى عليه السلام ممن أرادوا قتله
وصلبه، وأما بخصوص نبينا ^ فهناك عشرات الحوادث التي استجاب الله فيها دعاءه، وقد ذكرت
كتب دلائل النبوة ذلك تفصيلا، ولا تقتصر حالات إجابة الدعوات وكشف الكربات على الأنبياء
أو الصالحين وحدهم، بل هناك نماذج وشواهد كثيرة لا تحصى على ذلك، وكتب التاريخ والسير
حافلة بذلك بل إن هناك بعض المؤلفات التي أفردت لهذا الأمر.
5 ــ إجماع الأمم وشهادة التاريخ:
ومن الأدلة على وجود
الخالق جل وعلا إثبات الأمم كلها لتلك الحقيقة العظمى وإجماعهم على ذلك، بحيث لم يذهب
إلى نقيض هذا القول طائفة معروفة من بني آدم اللهم إلا شذاذ لا يعتد لمثلهم بخلاف،
ولا يؤبه لهم بقول، وقد ذكر أرباب المقالات ما جمعوا من مقالات الأولين والآخرين في
الملل والنحل والآراء والديانات، فلم ينقل عن أحد إثبات شريك لله في خلق المخلوقات
ولا مماثل له في جميع الصفات، فضلا عن إنكار الربوبية بالكلية.
وكل من يستقرئ التاريخ
ــ منذ عرف الإنسان تاريخا ــ يرى أن الجماعات البشرية في كافة الأقاليم حارة وباردة،
ومن مختلف الأجناس والألوان بيضاء وسوداء، وفي شتى المستويات بداة ومتحضرين، ومن كل
الطبقات أغنياء وفقراء، وفي جميع العصور قديمها ووسيطها وحديثها، فكل هذه الجماعات
المتفرقة عرفوا الله على صورة من الصور، وكما قال بعض المؤرخين الغربيين: «لقد وجدت
في التاريخ مدن بلا حصون، ومدن بلا مدارس، ومدن بلا قصور، ولكن لم توجد مدن بلا معابد»([72]).
ولا شك أن كل من
يحترم نوع الإنسان ويحترم نتائج التاريخ ونتائج عقله فلابد أن يسلم بأن هذا الإجماع
التاريخي دليل يؤكد تلك الحقيقة الكبرى وهي وجود الله تعالى، وتجارب كتجارب الوقائع
أيضا كلها تنطق وتشهد بأصالة الإيمان بوجود الله تعالى وضرورته للإنسان، فهو ضرورة
للفرد ليطمئن ويسعد ويزكو، وهو ضرورة للمجتمع ليستقر ويتماسك ويرتقي، ومن ثم فلا عجب
أن يحثنا القرآن على السير في الأرض والنظر في تاريخ الغابرين والاعتبار بمصارع المكذبين
والتأمل في آثارهم بعقول بصيرة وقلوب مفتحة
إرسال تعليق