الدهشة الفلسفية الدّهشة هي الدّافع و المرافق لفعل
التّفلسف.الدّهشة انفعال و رجّة وجدانيّة شديدة و عنيفة، و هي أيضا ذهول أمام شيء
خارق للعادة و غير مألوف. و يعني فعل دهش في:" ذهاب العقل من الذّهل و الوله
و قيل من الفزع". كيف تكون الدّهشة، التّي هي تعبير عن ذهاب العقل، علامة على
بداية التّفكير الفلسفي، الذّي عرف على أنّه بالأساس، ممارسة عقليّة ؟
نشأ التّفكير الفلسفي،
تاريخيّا، مع دهشة الفلاسفة الأوائل تلك الدهشة المتّصلة بالظّواهر
الكسمولوجيّة، والتي تعبر عن فشل المعارف الموجودة و السّائدة ( أو العقل في حالته
الخام أو المكوّن ) في تفسير ظاهرة معيّنة. وهذه الوضعيّة يجد الفكر نفسه فيها،
حالما يقع في المفارقات باعتماده على آراء سائدة و غير مؤسّسة.
الوعي بالجهل:أن نتفلسف هو أن نسعى دائما
إلى البحث عن المعرفة (الحقيقة). و من حيث هي رغبة و إرادة للمعرفة، تنطلق الفلسفة
من افتراض جهل أساسي. فالتّفلسف جهل تتبعه إرادة معرفة. وحسب أفلاطون
(أسطورة الكهف) لن يتمّ الوعي بالجهل إلا عند افتراض أفلاطون إطلاق سراح أحد
السّجناء. فالسّجين الذّي أطلق سراحه و تمكّن من رؤية النّار التّي تشتعل خلف ظهره
و التّي ترسل نورها على الأشياء و على الموجودات الحسّية هوالمفكّر يصاب بالحيرة و
الاندهاش و ذلك لأنّه لا يستطيع التّمييز بين الحقيقة و الوهم و بين الواقع و
الظّلال. يتمثّل ارتباكه في وجود مصدرين للحقيقة. لكنّ ذلك ليس بالأمر السّهل،
لأنّ النّفس أو العقل ترتبك لسببين:عندما يخرج الإنسان، فجأة، من جهل لا يكاد يحسّ
به، ليصل إلى الموجودات الخارجيّة.
وعندما يسقط من سماء ّ
المعرفة الحقّة ّ إلى ظلام المعرفة المألوفة بالواقع، فيفقد القدرة على النّظر إلى
المألوف و المعتاد على أنّه هو الواقع المجسّم للحقيقة فكما ينبغي ّ للعين ّ أن تتعلّم كيف تتعوّد
تدريجيّا على النّور أو الظّلام، فعلى ّ النّفس ّ أيضا أن تتمرّن على إدراك
الماهيّات، و ذلك بأن تتدرّج في نظرها من الموجودات الحسّية، إلى الموجودات
العقليّة ( كالأعداد و الأشكال) ثمّ إلى أن تنتهي أخيرا إلى الأفكار والمثل( ذلك
هوالجدل الصّاعد ). إنّ التّفلسف، في نظر أفلاطون، لا يتوقّف على مجرّد الارتقاء
إلى الحقيقة ( الجدل الصّاعد) بل يجب أن يتبع ذلك، رجوع إلى الحياة، لأجل تنظيمها
حسب المعرفة التي تمّ تحصيلها عن الفضيلة و العدالة و الحرّية إلى غير ذلك ( و ذلك
هو الجدل النّازل ).التّفلسف، إذن، كشف عن الحقيقة و استثمار لها، في نفس الوقت،
عمليّا.
شكراااا
ردحذفإرسال تعليق