هل المندوب مأمور به ؟
وقد تعرض لها علماء أصول الفقه في مؤلفاتهم على اختلافها ومنهم من
يقول : هل المندوب مأمور به حقيقة ؟
وهذا ما يقصدونه وهذا باختصار وتمهيداً للخلاف في هذه المسألة وقد اختلف الأصوليين
في هل المندوب مأمور به حقيقة أو مجازاً ويعبر العلماء عن هذه
المسألة بقولهم هل المندوب مأمور به حقيقة طبعاً في تحديد موقع النزاع في هذه المسألة نقول أنه لا خلاف ولا نزاع بين الأصوليين في أن المندوب
تتعلق به صيغة الأمر هي
افعل وما جرى مجراها وتستعمل فيه هذه الصيغة لكنهم
اختلفوا هل المندوب يدخل في لفظ الأمر حقيقة مثل الواجب أو أنه يكون من باب المجاز
فهم اتفقوا على أن لفظ الأمر
يدخل فيه دخولاً أوليا الواجب فالواجب مأمور به حقيقة لكنهم اختلفوا في المندوب هل يدخل أيضا في الأمر فيكون مأموراً به حقيقة أم أنه من
باب المجاز وخلافهم
هنا على قولين:
õ القول الأول أن المندوب مأمور به
حقيقة مثله مثل الواجب وإلى هذا ذهب
الإمام الشافعي والإمام أحمد واختاره محققوا الحنفية وهو وجه عند المالكية واستدلوا بعدة أدله منها
الأول/أنهم
قالوا إن تعريف الأمر هو استدعاء الفعل بالقول على وجه
الاستعلاء والاستدعاء هو الطلب فالمندوب مستدعى ومطلوب وبناءً على ذلك فإن المندوب يدخل في حقيقة الأمر كما إن الواجب يدخل أيضاً في حقيقة
الأمر لاشتراكهما في شيء
واحد وهو أن كل منهما مستدعى ومطلوب هذا هو الدليل الأول ،
الدليل الثاني استدلوا
على أن الله سبحانه وتعالى أطلق الأمر على المندوب في القرآن والأصل في الإطلاق الحقيقة فيكون المندوب مأمور به حقيقة فمن إطلاقات ذلك في
القرآن قوله تعالى (إن
الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذا القربى ) فهنا أمر الله تعالى بأشياء منها ما هو واجب كالأمر بالعدل ومنها ما هو مندوب كالأمر
بالإحسان وإيتاء ذا القربى
وهذا يدل دلاله واضحة على أن الأمر يطلق على المندوب كما يطلق على الواجب سواء بسواء لأنه قال: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذا
القربى ) فعبر بلفظ الأمر
والأمر هنا شمل ما هو واجب وما هو مندوب فدل على أن المندوب مأمور به حقيقة ومن ذلك قوله تعالى ( وأمر بالمعروف ) فهنا قد أمر الله تعالى
بالمعروف والمعروف عام لدخول
( أل ) الاستغراقية عليه فهو يشمل الطاعات الواجبة والمندوبة ومع ذلك عبر الله سبحانه وتعالى عنه بلفظ الأمر وهذا يدل على أن الأمر يطلق على
المندوب حقيقة كما يطلق
على الواجب لا فرق بينهما ، ومن ذلك أيضاً
ما ورد عن أم عطية رضي الله عنها قالت
أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نخرج في العيدين العواتق ومعروف أن إخراج العواتق ليس واجباً وإنما هو سنه والعواتق جمع عاتقه وهي الأنثى التي
قاربت البلوغ فهنا وجه
الأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإخراجهن بلفظ أم عطية قولها أمرنا ولم تقل ندب إلينا أو استحب إلينا فدل على أن الأمر يشمل المندوب كما
يشمل الواجب
استدل أيضاً أصحاب هذا القول بدليل
ثالث قالوا فيه إن المندوب يعد طاعة
بالإجماع وكل ما كان طاعة فهو مأمور به
حقيقة لأن الطاعة تقابل المعصية فالمعصية هي مخالفة الأمر
والطاعة هي الامتثال للأمر فيكون المندوب مأمورا به حقيقة
أيضا استدلوا بدليل رابع أنه قد شاع
وانتشر عند أهل اللغة أن الأمر ينقسم إلى أمرين أمر إيجاب وأمر ندب
واستحباب ومعلوم أن أهل اللغة إليهم المرجع في تحديد المصطلحات من حيث معناها اللغوي فما دام أنهم قسموا الأمر إلى إيجاب وندب فمعنى هذا أن
المندوب يعد مأمور به
حقيقة مثل الواجب لكن هذا الاستدلال فيه نظر لأنه قد يقال أن أهل اللغة قد قسموا الأمر أيضا إلى أمر إباحة وأمر تهديد وغيرها من الأقسام
المعروفة ولم يقل أحد من أن هذه
الأقسام مأمور بها فتقسيم أهل اللغة إنما هو باعتبار المعنى المجازي للأمر وهذا اصطلاح خاص بهم وهذا الدليل الرابع فيه نظر لأصحاب هذا
القول الأول .
õ القول الثاني :أن المندوب غير مأمور به
حقيقة وإنما مأمور به على سبيل المجاز
وقد يعبرون عنه بإطلاق آخر أكثر اختصارا من هذا فيقولون المندوب غير
مأمور به ويعنون بذلك أنه غير مأمور
به حقيقة وهو مأمور به مجازاً ذهب إلى ذلك مجموعه من الحنفية
منهم أبو الحسن الكرخي و الجصاص وأيضاً بعض علماء الشافعية منهم الشاشي والشيرازي وأبو حامد الاسفراييني والرازي ونقل عند أكثر الشافعية
وهو وجه عند المالكية ، استحسنه أيضاً ابن السمعاني وصححه ابن العربي هذا القول الذي يقول
إن
المندوب مأمور به مجازاً وليس حقيقة استدل بعدة
أدله منها
الدليل الأول قالوا قوله تعالى: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنه أو يصيبهم عذاب اليم ) ووجه الدلالة
من هذه الآية أن الله تعالى حذرنا من مخالفة أمره وتوعد من يخالف ذلك الأمر بالعقاب والعقاب في الآية هو الفتنه والعذاب فلو كان المندوب
مأمورا به حقيقة لحذرنا
الله سبحانه وتعالى من مخالفته ولكن لم يصدر أي تحذير من مخالفة المندوب حيث إنه يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه فنتج من ذلك أن المندوب غير
مأمور به حقيقة ولو كان
مأمورا به حقيقة لحذرنا الله تعالى من تركه ومن التهاون فيه
والجواب عن هذا الدليل أننا نسلم أن الأمر يقتضي الوجوب
حيث إن الله تعالى توعد من يخالف أمره بالعقاب
ولكن يجوز صرف هذا الأمر من الوجوب إلى الندب لصارف فإذا صرف الأمر من كونه يقتضي الوجوب إلى كونه يقتضي الندب فإن ذلك لا يخرج الأمر عن
تسميته أمرا فينتج عن ذلك أن
الأمر يطلق على المندوب حقيقة مثله مثل الواجب بدليل اشتراكهما في التسمية استدلوا
بدليل ثاني من قوله صلى الله عليه وسلم:
( لولا أن اشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) .
وأيضاً قوله صلى الله عليه وسلم لبريرة في شأن مراجعتها لزوجها لما عتقت عنه ( لو راجعته
فقالت بريرة رضي الله عنها للرسول صلى الله عليه وسلم
أتأمرني قال النبي صلى الله عليه وسلم لا إنما أنا شافع )
ووجه الدلالة في هذا قوله:
(لولا) تفيد انتفاء شيء لوجود غيره والمراد هنا انتفاء الأمر لوجود المشقة فورد في الحديثين نفي الأمر فالنبي صلى الله عليه وسلم نفى
الأمر بالسواك ونفى
الأمر لبريرة لمراجعة زوجها فنفي الأمر مع أن الأفعال هنا مندوبه مراجعه بريرة زوجها مندوب والسواك مندوب فالنبي صلى الله عليه وسلم نفى الأمر
بهما فنفى الرسول صلى الله
عليه وسلم الأمر بهذه الأفعال في الحديثين مما يدل على أن المندوب غير مأمور به حقيقة وإنما قد يقال مأمور به مجازا
والجواب عن هذا الدليل أن المنفي هنا في هذين
الحديثين المنفي هنا هو الأمر الجازم الذي يقتضي الوجوب وعلى هذا يكون تقدير الكلام في الحديث الأول ( لولا أن اشق على أمتي لأمرتهم
أمراً جازماً بالسواك ) ويكون التقدير في الحديث الثاني في قول بريرة (أتأمرني أمراً
واجباً ) فهذا دليل على أنه
امتنع منه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الأول لأجل المشقة والمشقة إنما تلحق فيمن يلزم فعله وإذا ثبت أن المنفي هو الأمر الجازم ثبت
أن الأمر غير الجازم
لم ينفه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الدال على المندوب فحصل من ذلك أن المندوب مأمور به حقيقة بقطع النظر عن كونه جازما أم غير جازم
استدلوا بدليل ثالث قالوا لو
كان المندوب مأمور به لسمي تاركه عاصيا ولجاز أن يقال لمن ترك قيام الليل وصيام التطوع وصلاة النفل وصلاة التطوع وإماطة الأذى عن الطريق يقال
له عصيت أمر الله
لكنه لا يقال له ذلك فيدل على أن المندوب غير مأمور به لكونه لا يعصي بتركه
والجواب عن هذا: أن يقال أن تارك المندوب
لم يسمى عاصيا بسبب العصيان لأن العصيان اسم ذم
مختص بمخالفه أمر الإيجاب فلو سمي تارك المندوب عاصيا لالتبس مع الواجب لذلك أسقط الله تعالى الذم عن تارك المندوب فحصل من ذلك أن ترك
المندوب لا يعد معصية
ليس لأنه غير مأمور به بل لأن حكم المندوب أنه لا يعاقب تاركه وإذا كان كذلك فهو مأمور به ويعارضه أيضاً أن فعل المندوب يسمى طاعة كما سبق في
دليل أصحاب القول الأول
الذي يترجح مما سبق أن المندوب غير مأمور به حقيقة بل هو مأمور به مجازاً في القول الثاني والسبب في هذا الترجيح هو أن هذا الترجيح من لوازم
الترجيح الذي سيأتي إن شاء
الله تعالى في باب الأمر لأننا في باب الأمر والجمهور يرجحون أن الأمر إذا ورد في الشرع ينصرف إلى الإيجاب فلفظ الأمر في حقيقته في الإيجاب
كما يأتي ومجاز في الندب
كما سيأتي في باب الأوامر يقولون الأمر ينصرف إلى الإيجاب حقيقة وإلى الندب مجازاً فمن لوازم الترجيح في باب الأمر أيضاً أن يلزم هنا أن نقول
إن المندوب مأمور به
حقيقة وليس مجازاً ما يتعلق ببيان نوع الخلاف.
س----- اختلف العلماء في هذا هل الخلاف هنا لفظي أم معنوي ؟
ج-----1- منهم من قال الخلاف هو لفظي وليس له ثمره لأن المندوب مطلوب فعله باتفاق أصحاب المذهبين فلا يبقى إلا الخلاف في إطلاق اسم الأمر على
المندوب حقيقة أو
مجازاً وهذا في النهاية خلاف لفظي .
2- هناك من قال أن الخلاف
معنوي وهو الذي يترجح هنا فيترتب
عليه بعض الآثار والفوائد منها ما يتعلق بالفقه ومنها ما يتعلق بأصول الفقه
س---- أذكر ثمراتها ؟
ج----- ومن هذه الآثار
والفوائد
: الثمرة الأولى/ أنه إذا قال الراوي أمرنا بكذا أو
قال أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم
بكذا على القول الأول يكون الأمر متردداً بين إرادة الوجوب
والندب فيكون الأمر مجملاً بينهما ولا بد من دليل يرجح المقصود ومعلوم أن المجمل يتوقف فيه حتى يتبين المراد منه وأما على القول الثاني فإن
الأمر يكون للوجوب
يكون ظاهراً في الوجوب حتى يقوم دليل على خلاف ذلك .
الثمرة الثانية/ أنه إذا ورد لفظ الأمر ودل دليل على أنه لم يرد به الوجوب فعلى القول
الأول يحمل على الندب
مباشره دون الحاجة إلى دليل وذلك حيث أنه حقيقة في الندب كما أنه حقيقة في الوجوب على القول الثاني إذا جاء دليل يدل على أن هذا الأمر لا يراد
به الوجوب لا يحمل
الأمر على الندب إلا بدليل وذلك لأن حمل الندب على المجاز لا يجوز إلا بدليل لاحتمال أن الأمر يقصد به الإباحة .
الثمرة الثالثة/ في هذا
المقام أنه إذا نسخ الوجوب
هل يبقى الندب أو لا يبقى هذه مسألة تناظر مسألة ذكرناها في هل إذا نسخ الوجوب هل تبقى الإباحة هذه مسألة أخرى إذا نسخ الوجوب هل يبقى
الندب وهي تنبني على مسألة
المندوب هل هو مأمور به حقيقة أو لا ؟
وبناءاً على القول الأول يقولون يبقى الندب
فإن نسخ الإيجاب لا يدل على نسخ الندب ومثلوا لذلك بمثل الوضوء مما مست النار فقد ورد نسخ الإيجاب فيه فهل يبقى الندب يقولون الوضوء هنا هل يبقى
مندوب إن قلنا إن
المندوب مأمور به حقيقة فنعم يبقى الوضوء مما مست النار على القول الثاني الذي يقول إن المندوب مأمور به مجازاً فإن الندب يرتفع مع الإيجاب إلا
بدليل يدل على بقاء
الندب لأن المجاز تابع للحقيقة وإذا ارتفعت الحقيقة ارتفع المجاز فإذا ورد نسخ الإيجاب فإن هذا يدل على نسخ الندب فحينئذ لا يندب الوضوء مما مست
النار بناءاً على القول
الثاني باعتبار أنه قد نسخ الوجوب فينسخ الندب معه باعتبار أن المجاز تابع للحقيقة .
والثمرة الرابعة والأخيرة في هذا المقام ذكرها بعضهم وهي صيغة الأمر في بعض الأوامر الشرعية هل تعد من باب استعمال اللفظ المشترك في
حقيقتيه أو هو من باب
استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه إن قلنا استعمال اللفظ في حقيقتيه فهذا اشتراك وإن قلنا استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه فهذا من باب التواطؤ، والاشتراك طبعاً هو إطلاق اللفظ على معنيين مختلفين متساويين في القوه واللفظ ،
والمتواطئ المقصود به استعمال
اللفظ في معنيين أحدهما أقوى من الآخر مثل لفظ النور فإنه يتناول نور الشمس ونور السراج وأحدهما أقوى من الآخر
كلامنا
في هذه الحلقة سيكون عن مسائل في المندوب إكمالاً لما سبق وعندنا :
المسألة
الثالثة وهي مسألة لزوم المندوب بالشروع فيه
وسنتكلم عن المراد بهذه المسألة وأقوال الأصوليين فيها والأدلة
والترجيح وثمرة الخلاف .
والمسألة
الرابعة أيضاً وهي لزوم المندوب في حالات أخرى .
والمسألة
الخامسة هي كون المندوب من أحكام التكليف
ويشمل ذلك ذكر أراء الأصوليين في هذه المسألة وتوجيه الخلاف فيها .
وأما المسألة الثالثة وهي لزوم المندوب بالشروع فيه :
فهذه
المسألة باختصار أولاً المراد بهذه المسألة طبعاً
تقدم معنا أن المراد بالمندوب هو باختصار ما طلب الشارع فعله طلباً غير جازم فهذا المقصود بالمندوب ، أما لزوم المندوب فالمقصود
به صيرورته واجباً ،
وقلنا لزوم المندوب بالشروع فيه يعنى الدخول فيه والتلبس به ومعنى هذه المسألة
إجمالاً أن المندوب الذي حصل الدخول فيه أو التلبس به هل يأخذ حكم الواجب حكم
اللازم يلزم على ذلك إتمامه والمضي فيه ولزوم إعادته أو قضائه لو أن إنسان قطعه وأفسده
فهذا هو المقصود بهذه المسألة يعنى : هل يكون
المندوب بعد الشروع فيه والتلبس به ودخول المرء فيه هل يعتبر واجباً ولازماً إتمامه والمضي فيه أو أنه
يجوز قطعه وإذا قلنا يلزم إتمامه والمضي فيه هل يكون
قضاء هذا المندوب لازماً ويجب قضاءه أو إعادته إذا كان في الوقت نفسه هذا المراد
بالمسألة هنا ، فالحقيقة حصل خلاف في هذه المسألة لكن قبل أن نذكر الخلاف فيها نحرر محل النزاع أي نخرج
المسائل المتفق على أن
المندوب إما أن يلزم إتمامه بعد الشروع فيه أو أنه لا يلزم إتمامه؟
هنا
مسائل
محل اتفاق نخرجها من محل النزاع فنقول في تحرير محل النزاع
أن هناك
جملة من المسائل اتفق عليها الأصوليون واتفقوا على عدم دخولها في هذه المسألة وذلك في عدة أمور :
جملة من المسائل اتفق عليها الأصوليون واتفقوا على عدم دخولها في هذه المسألة وذلك في عدة أمور :
الأمر الأول أن المندوب الذي حصل الهم بفعله والهم أي العزم فهذا لا يأخذ حكم الواجب أو اللازم بالاتفاق أي لا يلزم إتمامه بالاتفاق ومثلوا لهذا بالصدقة المتطوع بها فلو أن شخص هم أو عزم التطوع بالصدقة ولم يفعل فإنه لا
يأثم على ذلك ولا يكون
همه وعزمه على فعل المندوب ملزماً له بإتمامه بعد ذلك .
الأمر الثاني أن المندوب إذا كان يقبل
التجزئة ثم حصل الشروع فيه فإنه أيضاً لا يأخذ حكم الواجب هنا بل يجوز قطعه وعدم الاستمرار فيه ولا يلزم إتمامه بعد ذلك ولا
يلزم قضائه ومثل لهذا
مثلاً بقراءة القرآن أو الأذكار فلو أن إنسان شرع في قراءة آيات أو أنه شرع في ذكر أذكار معينة ثم طرأ عليه ما يقطع عمله هذا الذي يعتبر عملاً
مندوباً فإنه لا يلزمه
بعد ذلك قضاءه ولا يأثم بقطعه في هذه الحالة لأن المندوب في هذه الحالة مما يقبل
التجزئة بمعنى أن مثلاً من قرأ آية من كتاب الله صدق عليه أنه قد قرأ من القرآن ومن جاء بالأذكار صدق عليه أنه جاء ببعض الأذكار وهكذا
.
الأمر الثالث ما ورد بشأنه دليل خاص يدل على
أن المندوب المشروع فيه يكون لازماً فإن
هذا يتبع فيه الدليل نأخذ بذلك مثلاً الحج والعمرة النافلة فهذه إذا شرع فيها المرء يلزمه إتمامها وإذا قطعها يلزمه قضاؤها لأنه ورد فيها دليل
خاص يدل على وجوب
إتمامها بعد الشروع فيها وهو قوله تعالى ( وأتموا الحج والعمرة لله ) وفي مقابل ذلك ما
ورد بشأنه دليل خاص من المندوبات يدل على أن المندوب لا يأخذ حكم الواجب ولا يعطى حكم الواجب ولا يكون لازماً بعد الشروع فيه ،
فهذا لا يأخذ حكم الواجب
ولا يعطى حكم الواجب ولا يلزم بعد الشروع فيه ومثلوا لذلك مثلاً بالصوم فثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينوي صوم التطوع ثم يفطر كما في صحيح مسلم
وغيره أنه كان صلى الله عليه وسلم ينوي صوم التطوع ثم يفطر وسيأتي لهذا الحديث
تفصيل أكثر في
الاستدلال بالمذاهب في المسألة ، فهذا أيضاً ورد بشأنه دليل خاص ومعنى هذا أنه يجوز للمرء أن يدخل في صوم التطوع وإذا طرأ عليه طارئ أن يقطع هذا
الصوم بدليل ما ورد عن
النبي عليه الصلاة والسلام في هذا المقام
.
فهذه
المسائل كلها تخرج من محل النزاع في المسألة فنتج من ذلك
أن محل النزاع في المسألة هو المندوب المشروع في فعله وهو مما لا
يقبل التجزئة ولم يرد دليل على إلحاقه بالواجب أو عدم إلحاقه بالواجب فهل يكون
واجباً بعد الشروع فيه ويلزم إتمامه بعد الشروع فيه وإذا قطعه المرء يلزمه قضاؤه بعد ذلك أو لا يلزم هذا الأمر؟
هذا إذن محل الخلاف في المندوب الذي حصل
الشروع فيه وهو مما لا يقبل التجزئة وليس هناك دليل خاص يدل على أنه يلزم بعد الشروع فيه وأيضاً ليس هناك دليل خاص يدل على أنه لا يلزم بعد
الشروع فيه فهذا هل يلزم
يكون لازماً يلزم إتمامه وإذا قطعه المرء يكون مكلفاً بقضائه بعد ذلك
، هذا
هو محل الخلاف وخلاف العلماء هنا في المشهور هو خلاف
على قولين مشهورين في المسألة .
القول الأول : أن
المندوب الذي شرع فيه الإنسان لا يكون لازماً ولا يعطى حكم
الواجب
القول
الثاني: أن المندوب يلزم بعد الشروع فيه أي أن يكون لازماً وواجباً
بعد الشروع فيه
وهناك قول ثالث في المسألة وهو
رواية عند الإمام احمد وهو أن المندوب يلزم بالشروع فيه إذا كان صلاة فقط وحجة هذه
الرواية أن الصلاة عبادة ذات إحلال وإحرام فيجب
إتمامها كالحج المندوب وهذا قياس مع الفارق لأن الحج قد ورد بشأنه دليل خاص فلا
يسوغ إلحاق الصلاة به في هذا المقا
القول الأول : أن المندوب الذي شرع فيه الإنسان لا يكون لازماً ولا يعطى
حكم الواجب
وبعبارة أخرى لا يلزم بالشروع فيه هذا القول الأول وكما قلنا
المندوب هنا الذي لا يقبل التجزئة
وأيضاً لا يوجد دليل خاص يدل على وجوب المضي فيه أو جواز قطعه
ومعنى هذا أن المكلف إذا شرع في مندوب فإنه يجوز له تركه متى ما شاء فهو مخير بين قطعه وبين إتمامه لكن يستحب له الإتمام لما فيه من الثواب فإن
قطعه فلا إثم عليه
ولا قضاء عليه ، وهذا القول قول الشافعية والحنابلة وطبعاً هو في الأصل رواية عن الإمام أحمد وأيضاً هو قول للشافعية في هذه المسألة
، وأدلة القول الأول على النحو التالي :
الدليل الأول : قوله صلى الله عليه وسلم : ( الصائم
المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر ) فالنبي صلى الله عليه وسلم هنا أجاز قطع صيام النفل بدون إثم ولا قضاء
فيدل على أن المندوب لا يلزم بعد الشروع فيه ، ويعتبر هذا القول خارج محل النزاع لأننا بينا أن الصوم ورد دليل خاص بجواز قطعه لكن الذين
قالوا بهذا القول لم
يقصروه على الصيام بل عمموه على المندوبات الأخرى فالحقوا المندوبات الأخرى على الصيام قياساً عليه .
الدليل
الثاني : ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان ينوى صوم التطوع ثم يفطر وهذا أيضاً دليل واضح على
أن المندوب لا يلزم بعد الشروع
فيه وهذا كما قلنا خاص بالصوم والصوم ورد دليل خاص بجواز قطعه لكن أصحاب هذا القول قالوا إنه يلحق به غيره من المندوبات .
الدليل
الثالث : ما ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت قال لي رسول الله صلى الله
عليه وسلم ذات
يوم: (يا عائشة هل عندكم شئ؟ فقلت: يا رسول الله ما عندنا شيء فقال: فإني صائم قالت فخرج رسول
الله صلى الله عليه وسلم فأهديت لنا هدية ثم عاد فقلت: لقد خبأت لك شيئا قال: ما هو قلت: حيس
قال: ها تيه فجئت به
فأكل ثم قال: كنت أصبحت صائماً )
وجه الدلالة/ أنه
لو كان إتمام الصوم واجباً وهو من
المندوب هنا لفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه قطعه ولم يتمه فدل هذا على أن
المندوب لا يلزم بعد الشروع فيه وأيضاً هذا دليل خاص بالصوم وهو خارج محل النزاع لكن أصحاب هذا القول ألحقوا بالصوم غيره من المندوبات .
الدليل
الرابع : على هذه المسألة أنه هناك
إجماع سكوتي من الصحابة رضوان الله عليهم حيث أن مثلاً أبا
الدرداء وأبا طلحه وأبا هريرة وابن عباس وحذيفة رضي الله عنهم جميعاً كانوا يصومون تطوعا ثم يقطعون ذلك من غير إنكار من بقية الصحابة فيكون
هذا إجماع سكوتي على أن
المندوب لا يلزم بعد الشروع فيه فلو أنكر عليهم بعض الصحابة لنقل ذلك إلينا فلما لم ينقل إلينا دل على جواز قطع المندوب بعد الشروع فيه وعلى
كل حال هذا دليل خاص
بالصوم ولكن أصحاب هذا القول يلحقون به غيره من المندوبات .
الدليل
الخامس : في هذه المسألة قالوا إن آخر المندوب يعد من جنس أوله ولا فرق بينهما فكما أن المكلف
مخير ابتداءً في فعل المندوب كذلك هو مخير في إتمامه انتهاءً فحاصل الكلام هنا إنهم يقيسون حالة الانتهاء على حالة الابتداء فيقولون إنه ما
دام مخيراً في فعله
ابتداءً فهو مخير في فعله انتهاءً ، قالوا ولا يصير المندوب لازماً بعد الشروع فيه لأن حقيقة الشيء لا تتغير بمجرد الشروع .
هذا
مايتعلق بأدلة أصحاب القول الأول القائلين بأن المندوب لا يلزم بعد
الشروع فيه أو لا يلزم بالشروع فيه.
القول الثاني: أن
المندوب يلزم بعد الشروع فيه أي أن يكون لازماً وواجباً بعد الشروع فيه
فمعناه أنه إذا شرع المكلف في فعل مندوب فإنه يجب عليه المضي فيه وإتمامه وهذا القول ذهب إليه أكثر الحنفية وأكثر المالكية
على تفصيل بينهم:
فالحنفية
ذهبوا إلى أن المكلف إذا شرع في أداء المندوب فيجب عليه إتمامه فإذا
خرج منه لعذر لزمه القضاء ولا إثم عليه وإن خرج منه لغير عذر لزمه القضاء وعليه إثم وهذا عندهم في جميع المندوبات .
أما المالكية فذهبوا إلى أنه يجب الإتمام إذا شرع في المندوب فإن خرج منه لغير عذر فعليه القضاء فقط وإن خرج بعذر فلا قضاء عليه وهذا عندهم في سبع مندوبات هي الحج المندوب والعمرة المندوبة وهذا كما قلنا خارج محل النزاع أصلاً وطواف التطوع والصلاة المندوبة والصوم المندوب و كما قلنا الصوم المندوب خارج محل النزاع والإتمام فمن صلى جماعة امتنع أن يفارق الإمام وأيضاَ الاعتكاف فمن نوى الاعتكاف عشرة أيام مثلاً وجب عليه إكمالها إذا شرع فيها هذا كما قلنا عند المالكية ، أما ما عدا ذلك من المندوبات عند المالكية فيجوز عندهم أن يقطعها إذا دخل فيها.
أما المالكية فذهبوا إلى أنه يجب الإتمام إذا شرع في المندوب فإن خرج منه لغير عذر فعليه القضاء فقط وإن خرج بعذر فلا قضاء عليه وهذا عندهم في سبع مندوبات هي الحج المندوب والعمرة المندوبة وهذا كما قلنا خارج محل النزاع أصلاً وطواف التطوع والصلاة المندوبة والصوم المندوب و كما قلنا الصوم المندوب خارج محل النزاع والإتمام فمن صلى جماعة امتنع أن يفارق الإمام وأيضاَ الاعتكاف فمن نوى الاعتكاف عشرة أيام مثلاً وجب عليه إكمالها إذا شرع فيها هذا كما قلنا عند المالكية ، أما ما عدا ذلك من المندوبات عند المالكية فيجوز عندهم أن يقطعها إذا دخل فيها.
استدل أصحاب هذا القول بـأدلة منها :
الدليل الأول
: على أن المندوب يلزم إذا شرع فيه المكلف استدلوا
بقوله تعالى ( ولا تبطلوا أعمالكم
) ووجه الدلالة أن الله سبحانه تعالى نهى عن إبطال الأعمال مطلقاً وهذا يعم الأعمال الواجبة والأعمال المندوبة والنهي يدل على التحريم فيكون
إبطال هذه الأعمال حراماً
وترك الحرام واجب فيكون إتمام ما شرعنا فيه من المندوبات واجبا هذا ما يتعلق بالدليل الأول من هذا القول
ويمكن أن يناقش هذا الدليل أن هذه
الآية خاصة في إبطال الأعمال
بالردة بدليل سياق هذه الآية فإنه قد ورد قبل هذه الآية قوله تعالى
﴿ إن الذين
كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئا وسيحبط أعمالهم * يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا
الرسول ولا تبطلوا
أعمالكم ﴾ فقالوا إن هذه الآية خاصة بالردة بإبطال
الأعمال بالردة وليس بإبطالها بقطعها بعد الشروع فيها ويمكن أن يضاف الجواب عن ذلك بأن هذه الآية كما قال بعضهم خاصة بإبطال الأعمال بالرياء وهذا رأى ابن عباس كما نقل
بعض المفسرين عنه ، فتكون الآية خاصة بقطع الأعمال بالرياء
وليس قطع الأعمال خاصة في المندوبات بطريق قطعها
بعد الشروع فيها .
الدليل
الثاني : ما روى عن عائشة رضي الله عنها قالت ( أصبحت أنا وحفصة صائمتين متطوعتين فأهدي لنا حيس فأفطرنا ثم سألنا رسول الله عليه الصلاة والسلام عن ذلك فقال اقضيا يوما مكانه)
ووجه الدلالة أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أوجب أن تقضيا عائشة وحفصة رضي
الله عنهما يوما مكان
اليوم الذي أفطرتا فيه فإنه يشير إلى أن المندوب يلزم بعد الشروع فيه
ويجاب عن هذا الحديث من حيث إسناده
ومن حيث متنه من حيث الإسناد قيل إنه مرسل وضعيف كما ورد عن كثير
من علماء الحديث ذكر ذلك ابن حجر العسقلاني في فتح الباري وأيضاً قال الترمذي فيه مقال وقال أبو داود أيضاً لا يثبت فإذا كان هذا كذلك
لا يصح الاحتجاج به في
هذا المقام ، ويجاب عنه من حيث متنه بأنه على فرض صحته فإن الأمر في قوله اقضيا يحمل على الندب لا على الوجوب والقرينة الصارفة هي الأحاديث
التي وردت عند أصحاب
القول الأول .
الدليل
الثالث: قالوا إن
المندوب يلزم بعد الشروع فيه
قياساً على المندوب المنذور فكما أن المنذور إذا نذره الإنسان لزمه فعله وصار لله تعالى فإنه يلزم كذلك المندوب المشروع فيه ، وقالوا بل إن
المندوب المشروع فيه يكون
إتمامه وقضاؤه من باب أولى من المندوب المنذور لأن المندوب المنذور صار لله تعالى بطريق القول والمندوب المشروع فيه صار حقاً لله تعالى عن طريق
الفعل وما صار حقاً لله بطريق الفعل أقوى
مما صار حقاً لله تعالى بطريق القول فيكون إتمام المندوب المشروع فيه أولى من
إتمام المندوب المنذور
والجواب عن هذا أن هذا
قياس
فاسد لأنه قياس مع الفارق حيث إننا نتكلم عن
المندوب المطلق أما المندوب المنذور فإنه
مقيد بالنذر فالناذر أوجب على نفسه فعل ذلك فهو خارج محل النزاع .
الدليل الرابع
: لأصحاب هذا القول
في هذه المسألة قالوا إن المندوب قد صار طاعة وحقا لله تعالى فينبغي إتمامه صيانة لحق الله تعالى .
الدليل
الخامس : قالوا إن الحج والعمرة
المندوبة يجب بالشروع فيها فكذلك أي نفل يشرع فيه يجب إتمامه ولا فرق والجامع أن كل من الحج والعمرة وغيرهما يطلق عليه اسم المندوب ويجاب
عن هذا أن هذا قياس فاسد
لأنه قياس مع الفارق لأن نفل الحج والعمرة قد ورد بشأنهما نص خاص وهو قوله
تعالى (وأتموا الحج والعمرة لله ) فيكون خارج
محل النزاع في المسألة ، طبعاً هذا حاصل القولين في هذه المسألة.
وهناك قول ثالث في المسألة وهو رواية عند الإمام احمد وهو أن المندوب يلزم بالشروع فيه
إذا كان صلاة فقط وحجة هذه الرواية أن الصلاة
عبادة ذات إحلال وإحرام فيجب إتمامها كالحج المندوب وهذا قياس مع الفارق لأن الحج
قد ورد بشأنه دليل خاص فلا يسوغ إلحاق الصلاة به في هذا المقام .
والذي يترجح في هذا المقام والله تعالى أعلم أن المندوب يلزم
بالشروع فيه إلا انه يستثنى من ذلك صوم التطوع فلا يلزم إتمامه بل يجوز قطعه ولا يلزم
قضائه
ووجه
ترجيح هذا القول:
أن فيه جمعاً
بين الأدلة فقد ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قطع صوم التطوع
كما سبق وذكرنا وهو في صحيح مسلم ولا معارض لهذا الحديث لقوته فلا يلزم إذن إتمام صوم التطوع دون غيره من المندوبات والنوافل فيلزم إتمامها
وذلك لأن وقت الصوم طويل فقد يعرض للصائم في النهار ما يرجح فطره على صومه كضيافة
ومؤانسة ضيف ونحو ذلك فيبقى
إتمامه مندوبا بخلاف غير الصوم كالصلاة مثلا فان وقتها قصير فبإمكان المكلف أن يتنفل وينتهي منها في دقائق معدودة ولا يقاس غير الصوم عليه لأن
حكم الصوم ثبت على خلاف
القياس وما ثبت على خلاف القياس لا يقاس عليه .
ومن
أوجه الترجيح للقول الذي ذكرناه في الجمع بين هذه
الأقوال أن هذا أحوط في باب العبادات فإن في إتمام المندوبات
حفظ لحق الله عز وجل واحترام للعبادة نفسها ولكن كما قلنا يجدر التفريق بين ما كان قابل للتجزئة وما ليس قابل للتجزئة فما كان قابل للتجزئة
لا يلزم إتمامه وما ليس
قابل للتجزئة يلزم إتمامه .
أما ثمرة الخلاف في هذه المسألة ونوع الخلاف : فهذا خلاف معنوي
في هذه المسألة فإنه قد أثر في الفروع الفقهية فمن دخل
مثلاً في نافلة من
النوافل أو مندوب من المندوبات سواء كان في الصوم أو في الصلاة ونحو ذلك فعند
أصحاب القول الأول يجوز له قطع ذلك سواء كان بعذر أو بدون عذر لا شئ عليه أما عند الحنفية
وأصحاب المذهب الثاني فانه إذا قطع ما دخل فيه من النافلة فانه ينظر إن كان قد قطع النافلة بعذر فعليه القضاء ولا إثم عليه وإن كان قد قطع
النافلة بغير عذر
فعليه القضاء وعليه الإثم أيضاً
وعند المالكية وكما قلنا هم من أصحاب القول الثاني
يقولون إذا قطع ما دخل فيه من المندوب فإنه ينظر إن كان قطعها بعذر فلا قضاء عليه وإن قطعها بغير عذر فعليه القضاء ، والخلاف هنا له ثمره في
الواقع الفقهي ينبني
عليه قضاء المندوب بعد قطعه يلزم قضاؤه أو لا يلزم فينبني عليه الخلاف الذي ذكرناه آنفا ، هذا ما يتعلق بمسألة المندوب هل يلزم بالشروع فيه ؟
المسألة الرابعة :
لزوم المندوب في
حالات أخرى :
وهي مسألة متعلقة بحالات كما
بينا في المسألة الرابعة لزوم المندوب في حالات أخرى يعنى هل هناك حالات أخرى يلزم فيها المندوب نعم هناك حالات أخرى يلزم فيها
المندوب ذكرها بعض العلماء فمثلاً :
õ يلزم
بالنذر فلو نذر إنسان على نفسه فعل مندوب
من المندوبات فإنه يصبح واجباً ويلزمه فعله ويعاقب على تركه فيأخذ حكم الواجب.
õ
قال بعضهم أيضاً أن المندوب يلزم إذا أمر به الإمام ويصبح واجباً
.
وهنا وقف العلماء من
هذه المسألة الوقفة قالوا نفرِّق وهو الذي يترجح بإذن الله تعالى
وهو إنه إذا كان الذي أمر به الإمام من الشعائر الظاهرة فإنه يجب إذا أمر به الإمام
ومثلوا لهذا الخروج
لصلاه الاستسقاء ، وإذا كان من
الشعائر الخفية فإنه لا يلزم إذا أمر به الإمام ولا يكون واجباً إنما يكون مستحباً
فعله يبقى على أصله الاستحباب ومثلوا لهذا
الأمر بالصدقة أو الأمر بالصوم كأن يأمر الإمام بصوم تطوع أو صدقه فهذه من الشعائر الخفية التي لا يلزم المرء على فعلها بأمر الإمام بها
والحاصل أن الراجح هو التفريق
بين المندوب الذي أمر به الإمام هل هو من الشعائر الظاهرة التي تلزم أم من الشعائر الخفية التي لا تلزم هذا فيما يتعلق بالمسألة الرابعة .
المسألة الخامسة : كون المندوب من أحكام التكليف :
يعنى هل يعد
المندوب من قبيل أحكام التكليف
أو لا يعد ، الحقيقة هذه المسألة محل كلام بين الأصوليين في هذا فإنه جرى كثير من الأصوليين على أن هذه المسألة فيها خلاف وحصروا
الخلاف بين الجمهور من جهة
وبين الإسفراييني من جهة أخرى وهو من علماء الشافعية
فالجمهور
يقولون المندوب ليس فيه تكليف وينسبون إلى أبي إسحاق الاسفراييني أنه يقول إن
المندوب فيه تكليف وهو من أحكام التكليف ، وهناك عدد غير قليل من الشافعية يثبتون أن المندوب من أحكام التكليف ومن هؤلاء الزركشي كما انه أيضاً قول
عدد من العلماء من الحنابلة
كالفتوحي في شرح الكوكب المنير نقل عن أبي إسحاق الاسفراييني والقاضي أبي بكر الباقلاني وابن عقيل وابن قدامة والطوفي وابن قاضي الجبل رحمهم
الله أنهم يقولون إن المندوب من أحكام
التكليف وفيه تكليف فمعنى هذا أن ليس أبي إسحاق الاسفراييني
هو وحده الذي يقول بهذا .
والجمهور القائلين أن المندوب ليس من أحكام التكليف يقولون إن التكليف هو ما فيه كلفة ومشقة والمندوب مساو
للمباح في التخيير بين الفعل والترك مع غير حرج مع زيادة الثواب مع الفعل
فالمباح ليس من أحكام التكليف فيكون المندوب من باب أولى فهو ليس من أحكام التكليف ، من يقول إن المندوب من أحكام التكليف كالذي نسب إلى
أبي إسحاق الاسفراييني وغيره من العلماء قالوا إن المندوب
لا يخلوا عن كلفة ومشقة في فعله فلا يخلو من التكليف وسبب الخلاف في هذه
المسألة أن الزركشي أعاد الخلاف في هذه المسألة إلى الخلاف في تعريف التكليف فمن قال إن التكليف هو الأمر بما فيه كلفة أو النهي عما في
الامتناع عنه كلفة فإنه يعد
الندب والكراهة مثلاً من أحكام التكليف ، ومن
عرف التكليف أنه إلزام ما فيه كلفة أخرج الندب والكراهة عن التكليف إذ
لا إلزام في طلب الندب والكراهة وهذا كما قال قول إمام الحرمين ، الحق حقيقة مع ما
ذكره الزركشي في هذه المسألة من تعليل الخلاف ونوعه فالخلاف فيها لفظي لا أثر له
يترتب عليه في هذا المقام لأن كلا الطرفين متفقين على أن المندوب مطلوب إلا
إن أحدهما رفع عنه اسم التكليف لعدم الإلزام في طلبه والآخر أثبت أنه من أحكام
التكليف لوجود الكلفة والمشقة في امتثاله ،
علما بأن ما جرى عليه جمهور الأصوليين القائلين بالقول
الأول من تأويلهم لكلام الأستاذ
أبي إسحاق الاسفراييني الذي جعلوه طرفاً في المسألة مقابلاً للجمهور قالوا بأنه أراد بقوله أنه من أحكام التكليف قالوا باعتبار وجوب اعتقاد
كونه مندوباً ، والحقيقة
أنه لا حاجة لهذا التأويل فالصحيح أن التعليل لوجود الكلفة والمشقة في المندوب هو الصواب هنا في تعليل كون المندوب من أحكام التكليف وليس
كما ذكر جمهور الأصوليين
في تعليلهم لكلام أبي إسحاق الاسفراييني بأنه قال أنه من أحكام التكليف باعتبار وجوب اعتقاد كونه مندوبا ،
بل الصحيح في تعليل كلام أبي إسحاق أن نقول أنه أراد بكون المندوب من أحكام التكليف أراد
بأن المندوب لا يخلو من كلفة ومشقة فهذا هو الصحيح في تعليل كون
المندوب من أحكام التكليف بل إن الفتوحي من الحنابلة
يقول في
تعليل ذلك أن المندوب أحيانا قد يكون أشق من الواجب فهذا هو الظاهر لأن المندوبات
في امتثالها قد يكون أحيانا مشقة على النفس أكثر من امتثالها
الواجبات وعلى هذا
يكون تعليل من قال إن المندوب من أحكام التكليف يقصد بذلك أن في فعله وامتثاله مشقة والتكليف لا يخلو من مشقة فعلى هذا فإن المندوب من
أحكام التكليف ، وقد بينا
وجهة نظر الجمهور القائلين بأن المندوب ليس داخلاً في أحكام التكليف لأنهم ينفون عنه الكلفة والمشقة فحصل أن الخلاف بينهم هل في المندوب
كلفة فإن كان فيه كلفة ومشقه فهو من أحكام التكليف وإن قلنا
ليس فيه كلفة فليس من أحكام التكليف والخلاف كما نبهنا ليس بين أبي إسحاق الاسفراييني والجمهور ولكن أيضاً مع أبي
إسحاق علماء
آخرون من علماء أصول الفقه أيضاً يقولون المندوب من أحكام التكليف كما قلنا عن أبي بكر الباقلاني وابن عقيل وابن قدامة والطوفي وابن قاضي الجبل
وغيرهم وبختام القول
على هذه المسألة نختم الكلام على مسألة المندوب هل هو من أحكام التكليف.
Post a Comment