دور الجامعة العربية في تسوية المنازعات االاقليمية:
أن الجامعة العربية هي أقدم المنظمات الاقليمية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية, فقد أنشأت قبل منظمة الأمم المتحدة بثلاثة أشهر, وهي منظمة اقليمية الوحيدة التي تشترك شعوبها بقواسم فريدة لا تتوافر في أية منظمة اقليمية أخرى في العالم, وقد جمعت دولها وشائج كثيرة مشتركة: كاللغة والدين والحضارة والتاريخ والآلام والآمال وغيرها من العوامل المشتركة , كلها عوامل تؤكد أن العرب أمة واحدة ، الأمر الذي يعني أنه من الممكن تحقيق أعلى درجات التعاون وفي مختلف المجالات بين دول الجامعة ، فيما لو توافرت الارادة والنية الصادقتين ، وعلى الرغم من أن الحقيقة التي يجب أن تقال أن تأسيس جامعة الدول العربية كان بهدف امتصاص نقمة الجماهير العربية في الأربعينات والالتفاف على طموحات الجماهير العربية في تحقيق الوحدة العربية، هذه الوحدة التي تخشاها القوى الاستعمارية, فعلى الرغم من ذلك فأن هذه الجامعة حاولت جاهدة ولا تزال في حل المنازعات التي تحصل بين أعضائها .

تسوية المنازعات الدولية في اطار ميثاق جامعة الدول العربية:
نصت المادة (5) من ميثاق جامعة الدول العربية على أنه " لا يجوز الالتجاء الى القوة لفض المنازعات بين دولتين أو أكثر من دول الجامعة ، فاذا نشب بينهما خلاف لا يتعلق باستقلال الدولة أو سيادتها أو سلامة أراضيها ولجأ المتنازعون الى المجلس لفض هذا الخلاف كان قراره عندئذ نافذا وملزما، وفي هذه الحالة لا يكون للدول التي وقع بينها الخلاف الاشتراك في مداولات المجلس وقراراته ، ويتوسط المجلس في الخلاف الذي تخشى منه وقوع حرب بين دول الجامعة فيما بينها ، أو بين دولة من دول الجامعة وأخرى غيرها للتوفيق بينهما ، وتصدر قرارات التحكيم والقرارات الخاصة بالتوسط بأغلبية الاراء "(1).









 
(1) المادة (5) من ميثاق الجامعة العربية

 ومن نص المادة الخامسة من الميثاق نستنبط القواعد والأسس التي ينظر من خلالها مجلس الجامعة العربية في فض المنازعات وتتلخص بما يأتي:
1. أن صلاحية مجلس الجامعة لحل المنازعات لا تقتصر على الدول العربية الأعضاء ، بل تشمل الدول العربية غير الأعضاء وكذلك المنازعات بين الدول العربية (الأعضاء وغير الأعضاء) والدول الأجنبية .
2. لا يمتلك المجلس ولاية اجبارية للنظر في المنازعات ، بل تجب موافقة الدول المتنازعة على احالة النزاع إليه .
3. أقرت المادة المذكورة وسيلتين فقط لحل المنازعات وهما (التحكيم والوساطة) ولا ندري ما هي الحكمة من تحديد هاتين الوسيلتين فقط, واهمال الوسائل الأخرى كالمساعي الحميدة، والمفاوضات الخ ، كما أن القرارات في هاتين الوسيلتين تصدر بالأغلبية .
4. لا يحق للأطراف المتنازعة الاشتراك في مداولات المجلس وقراراته. ويلاحظ أن المادة المذكورة (الخامسة) قد فرضت على الدول الأعضاء التزاما, وهو عدم الالتجاء الى القوة لفض المنازعات فيما بينها ، دون أن يفرض على الدول الأعضاء التزاما آخر (كما فعل ميثاق الأمم المتحدة) بوجوب فض المنازعات بالطرق السلمية.

كما أن تحديد ميثاق جامعة الدول العربية لوسائل معينة لتسوية المنازعات لا يعني أبدا أن أطراف النزاع لا يمكنها الاستعانة بوسائل أخرى ، فقد سبق وأن تمت تسوية منازعات عربية بغير الوسائل التي حددها الميثاق, كما هو الحال في اللجوء الى المفاوضات لايقاف الحرب في اليمن بين كل من مصر والسعودية عام 1965 ، اذ أفلحت المفاوضات في وضع حد لهذه الحرب(1).







 
(1) الكاظم, د. صالح جواد, دور الجامعة العربية في حل المنازعات العربية, الجامعة المستنصرية, العدد (5) , 1974- 1975 , ص 32
أما تسوية النزاعات العربية - العربية وحلها فيلاحظ أن ثقة الأطراف العربية المتنازعة في الجامعة العربية كانت محدودة, بدليل أنها لجأت أحيانا في محاولة تسوية نزاعاتها الى منظمة الوحدة الأفريقية والأمم المتحدة, بأكثر مما لجأت الى الجامعة العربية، وربما كان سببه عدم الرضا عن ميزان القوى داخل الجامعة، كما أن ازدياد شدة الصراع في بعض الاحيان كان يفرض على أحد طرفي النزاع أو كلاهما اللجوء الى بعض المنظمات الدولية الاخرى فيما اذا ساورهما الشك في النتائج المحتملة التي يمكن ان ينتهي اليها في تسوية النزاع (1).

أما الدكتور محمد السيد سليم في دراسة قد أعدها عن دور الجامعة العربية في ادارة المنازعات بين الدول الأعضاء، فقد توصل في هذه الدراسة إلى أنه "خلافا لمقولات أنصار المنظمة العالمية، فان مقارنة سجل جامعة الدول العربية في تسوية المنازعات العربية، يوضح أنها كانت –على وجه الاجمال- أكثر كفاءة من الأمم المتحدة في التعامل مع تلك المنازعات، فليس لدينا مثل واحد لنزاع عربي خالص تمت تسويته تماما في اطار الأمم المتحدة، بينما لدينا العديد من الأمثلة التي تم حلها تماما في اطار جامعة الدول العربية، ودون تدخل من الأمم المتحدة. والواقع أن هذا النمط يعكس قدرة الجامعة على توفير نوع من الاتفاق بين الدول الأعضاء حول القضايا الأساسية، وحساسيتها أزاء التدخل الأجنبي في قضاياها".(2)

وتتأكد هذه النتيجة، بالإشارة الى ما أورده د.بطرس غالي في دراسته عن الجامعة العربية وتسوية المنازعات المحلية من أن الجامعة العربية " أسهمت بأجهزتها المختلفة في تسوية بعض المنازعات العربية في مهدها قبل أن تنفجر، وتعلن على الملأ، ويصعب حلها. هذا المجهود التوفيقي لا أثر له في ملفات الجامعة، ما دامت التسوية قد تمت عن طريق الجهود الشخصية للأمين العام، أو لغيره من كبار موظفي الجامعة"(3).






 
(1) أحمد, يوسف أحمد, الصراعات العربية – العربية, مركز دراسات الوحدة العربية, ط2, 1996, ص 194- 195
(2) المصدر السابق
(3) غالي, د. بطرس بطرس, الجامعة العربية وتسوية المنازعات المحلية, معهد البحوث والدراسات العربية, القاهرة, 1977, ص79 وما بعدها
وسائل تسوية المنازعات المنصوص عليها في الميثاق :
لقد أشارميثاق الجامعة العربية الى ذكر وسيلتين من وسائل تسوية المنازعات الدولية وهما الوساطة والتحكيم, وكما قلنا سابقا ان ميثاق الجامعة قد ركز على وسيلتين من وسائل تسوية المنازعات الدولية واهمل باقي الوسائل الاخرى وهما:
1- الوساطة:
    
اقتصر ميثاق جامعة الدول العربية على ذكر وسيلة سياسية و دبلوماسية واحدة تتيح تدخل مجلس الجامعة في فض المنازعات بطريقة سلمية متمثلة في " الوساطة " ، مع ملاحظة أن الميثاق قد ربط مسألة اجراء الوساطة بالخلافات التي يمكن أن تتطور و تؤدي الى نزاع مسلح أو يستشف منها امكانية أن تؤدي الى نشوب حرب بين الأطراف المتنازعة .

و نستنتج من هذا أن أي وساطة في أي نزاع عربي تقع من خارج المجلس لا تعتبر من قبيل الوساطة التي تقوم بها الجامعة ، و انما هي وساطة عربية. ويتدخل المجلس في الوساطة التي تقوم بها الجامعة لحل المنازعات التي يخشى منها وقوع حرب بين دولتين عربيتين
(1) ، وهذا أمر يمكن أن يؤخد بطبيعة الحال على واضعي الميثاق ، اذ أن المفترض في وظيفة المنظمة الاقليمية أنها " وظيفة وقائية " بمعنى أنها لا يجب أن تنتظر حتى يتصاعد النزاع ثم يتحول الى حرب.
أن الوساطة التي تحدث عنها الميثاق تتسم بسمة أساسية ، وهي أن النتيجة التي تصل اليها ليست بالضرورة ملزمة. فالوساطة تظل في النهاية مبادرة ودية يقوم بها المجلس بغية الوصول الى حلول مرضية للأطراف المتنازعة وهنا نتسائل ، ماذا لو قبلت الأطراف المتنازعة اللجوء الى مجلس الجامعة العربية في أمور يحق للمجلس بموجبها اتخاذ قرار ملزم ولم يطبق أحد الأطراف نتائج الوساطة خاصة في ظل غياب نص صريح يعالج مثل هذه الأمور؟. ان ذلك وبدون شك يساهم في اضعاف فعالية نظام التسوية السلمية للمنازعات التي تقوم بها الجامعة العربية. ومع ذلك بحث مجلس الجامعة في العديد من الخلافات العربية / العربية، وخاصة في مسألة الحدود ، فقد نظر في النزاع العراقي الكويتي سنة 1961 ، النزاع المصري السوداني ، النزاع بين شطري اليمن الشمالي والجنوبي ، والنزاع الحدودي بين المغرب والجزائر (2).



 
(1) المهنا, د. فخري رشيد المهنا, د. صلاح ياسين داوود, مصدر سابق ,ص163
(1) دهبي, د. عبد الحق, وسائل تسوية المنازعات في اطار الجامعة العربية, الحوار المتمدن, العدد 1435, تاريخ 19/1/ 2006
2- التحكيم :
 يظهر من خلال قراءة نص المادة (5) من ميثاق جامعة الدول العربية أنها أشارت الى جانب الوساطة كوسيلة سياسية الى جانب التحكيم كوسيلة قضائية, مع تأكيدها على التحكيم الاختياري و ليس الاجباري، و هذا يعني أن المسألة تظل مرهونة برغبة وارادة الأطراف المتنازعة، فلا يحق لمجلس الجامعة القيام بمهمة التحكيم بدون رضى الأطراف المعنية بنزاع أو خلاف ما بغض النظر عن درجة خطورة هذا النزاع و طبيعته(1) .
ان تحديد الاطار السابق ( التحكيم الاختياري ) بالتأكيد يساهم في اضعاف دور الجامعة العربية في هذا المجال ، كما أن غياب أية اشارة في الميثاق الى طبيعة الجزاء الذي يمكن أن يترتب على الأطراف التي قبلت التحكيم ثم رفضت الالتزام بقراراته. ولذلك يعد االتحكيم الاختياري الذي تمسكت به الجامعة العربية هو الحفاظ على استقلال الدول العربية وسيادتها الوطنية , والتحكيم الاجباري هو ربما سيخلق وضعا خطيرا يهدد تركيب الجامعة وينهي كيانها.

وسائل التسوية الغير المنصوص عليها في الميثاق:
شهد مجلس جامعة الدول العربية تطورا بالنسبة لدوره في مجال تسوية المنازعات العربية ، وذلك على مستوى استخدام أساليب جديدة خارج الاطار الضيق الذي حدده الميثاق في الوسيلتين السابقتين أي الوساطة والتحكيم الاختياري ، فقد استعان المجلس بالعديد من الوسائل الاخرى فلجأ في المنازعات المختلفة التي عرضت عليه الى المساعي الحميدة والمصالحة والتحقيق وبعثات تقصي الحقائق .
كما اعتمد المجلس أسلوب الفصل بين الأطراف المتنازعة من خلال ارسال قوات عربية مشتركة، وقد حدث ذلك مرتين في تاريخ الجامعة : الأولى كانت أثناء النزاع العراقي الكويتي سنة 1961، حيث عرفت القوات التي أرسلت الى الكويت باسم " قوات الطوارئ العربية" أو" قوات الجامعة العربية".والمرة الثانية كانت أثناء أزمة الحرب الأهلية اللبنانية، حيث عرفت القوات التي أرسلت باسم " قوات أمن الجامعة العربية" أو "القوات العربية الرمزية" الى أن تم تعزيزها فعرفت ب" قوات الردع العربية ".الا أن أهم وسائل تسوية المنازعات العربية غير الواردة في الميثاق تتمحور حول جهازين رئيسيين : جهود الأمين العام ، ودور دبلوماسية مؤتمرات القمة(1).




 
(1) السيد, د. رشاد عارف, مصدر سابق, ص183
(1) المهنا, د. فخري رشيد , د. صلاح ياسين داوود, مصدر سابق, ص163

Post a Comment

Previous Post Next Post