الإخصاب:
اتّحاد خلية منوية مع خلية بويضة
كما أسلفنا،
يحتاج التكاثر التزاوجي لأبوين: الذكر يعطي الخلية المنوية للتكاثر والأنثى تعطي
خلية البويضة. الإخصاب هو المرحلة التي تتّحد فيها الخليتان التكاثريتان. في أعقاب
ذلك تتكوّن لاقحة (بويضة مخصبة)، ويتطوّر منها الجنين (فرد النسل). لا يؤدّي كلّ
لقاء بين خلية منوية وخلية بويضة إلى الإخصاب. ليتمّ الإخصاب، يجب أن تكون
الخليتان التكاثريتان من الذكر ومن الأنثى، اللذين يتبعان لنفس النوع (species). على سبيل المثال، الخلية المنوية التي من أيل الكرمل الذكر
يمكنها أن تخصب خلية بويضة من أنثى أيل الكرمل، ولا يمكنها أن تخصب خلية بويضة من
الغزال الإسرائيلي؛ كذلك في النباتات: الخلية التكاثرية الذكرية من الصنوبر يمكنها
أن تخصب خلية تكاثرية أنثوية من الصنوبر، ولا يمكنها أن تخصب شجرة المصطكى.
صحيح أنّ
هناك حالات ( شاذه ) خارجة عن القاعدة، التي يحدث فيها إخصاب بين أفراد لا تتبع
لنفس النوع (على سبيل المثال، الفرس والحمار)، لكنّ فرد النسل الذي ينتج (البغل)
ليس خصبًا في هذه الحالة.
شكل الخلايا
التكاثرية وتركيبها ملاءمان لأدائها الوظيفي. لدى معظم المخلوقات الحيّة، خلايا
البويضة كبيرة وثابتة في مكانها (لا تتحرّك من مكانها)، لكنّ الخلايا المنوية
صغيرة (على سبيل المثال، الخلايا المنوية عند الإنسان أصغر بمئة ضعف من خلية
البويضة) وتمتلك القدرة على الحركة التي تتيح لها الوصول إلى خلية البويضة. خلية
البويضة ذات شكل دائري، بينما الخلية المنوية تشبه شرغوف الضفدع: لها
"رأس" "وذنب". نواة الخلية تملأ جزءًا كبيرًا من حجم "الرأس"؛
"الذنب" هو فرع دقيق يبدو كالسوط. هذا هو السوط، وهو الذي يكسب
الخلايا المنوية القدرة على الحركة والتقدّم نحو البويضة.
في أغلب
الحالات، خلايا منوية كثيرة جدًّا (مئات وأحيانًا آلاف) تصل إلى خلية البويضة،
لكنّ خلية منوية واحدة فقط تخصبها: تدخل الخلية المنوية عن طريق غشاء البويضة والنواتان
(نواة الخلية المنوية ونواة خلية البويضة) تتّحدان. في هذه المرحلة تختلط
المادّتان الوراثيتان اللتان للأبوين.
اللاقحة التي تتكوّن تسمّى بويضة مخصبة، وليس "خلية منوية
مخصِبة"، لأنّ معظم حجم اللاقحة تقريبًا وكلّ الموادّ الموجودة فيها تقريبًا-
مصدرها من خلية البويضة وليس من الخلية المنوية. خلية البويضة الكبيرة تعطي
اللاقحة معظم المركّبات: غشاء الخلية والسيتوبلازما والميتوكندريا وموادّ مختلفة،
يشكّل جزء منها مخزن غذاء للجنين في أيّامه الأولى. الخلية المنوية تعطي اللاقحة
نواتها فقط.
كما رأينا
في الموضوع الفرعي الأوّل، كلّ خلية تكاثرية تعطي اللاقحة نصف مادّتها الوراثية.
(انظروا الرسم التوضيحي في الخلفية العلمية في الفصل السابق، صفحة 16).
الإخصاب
الخارجي والإخصاب الداخلي
كي لا تجفّ
الخلايا التكاثرية وكي تتمكّن الخلايا المنوية من الحركة نحو خلية البويضة، يجب أن
يكون اللقاء بينها (الإخصاب) في بيئة مائية أو على الأقلّ في بيئة رطبة.
لدى معظم
المخلوقات الحيّة، يُفرِز الذكر والأنثى الخلايا التكاثرية إلى خارج الجسم- في
الماء- وهناك يحدث الإخصاب. يسمّى هذا الإخصاب إخصابًا خارجيًا. ما هي
المخلوقات الحيّة التي تتكاثر بالإخصاب الخارجي؟ اللافقاريات البحرية (كالشعاب
المرجانية وقناديل البحر والأخطبوط وبعض الأسماك). الإخصاب عند البرمائيات خارجي
أيضًا. صحيح أنّ معظم البرمائيات البالغة تعيش في اليابسة (كالضفدع والعلجوم)،
إلاّ أنّها تعود إلى الماء في موسم التكاثر، وتتكاثر هناك. تضع الأنثى بيضها في
الماء، والذكر الذي يرافقها يخصبها خارج الجسم.
في الإخصاب
الخارجي، من المهمّ بأن يُفرِز الأبوان خلاياهما التكاثرية في الماء في نفس الوقت،
وعندما يكونان بالقرب من أحدهما الآخر. كما من المهمّ بأن يُنتج الذكر والأنثى
كمّيات هائلة من الخلايا التكاثرية وأن يحرّراها في الماء في نفس الوقت. بذلك
تزداد الاحتمالات بأن تنجح بعض الخلايا التكاثرية في الالتقاء وحدوث الإخصاب. على
سبيل المثال، تُنتِج إناث الأسماك في موسم التكاثر عشرات آلاف أو مئات آلاف
الخلايا التكاثرية، ويُقدَّر عدد الخلايا المنوية الذكرية بعشرات الملايين!
عند
المخلوقات التي تعيش على اليابسة، يجب أن يتمّ الإخصاب داخل جسم الأنثى، حيث تكون
البيئة رطبة. يسمّى هذا الإخصاب إخصابًا داخليًا. يُفرِز الذكر الخلايا
المنوية داخل جسم الأنثى ومعها السائل المنوي. تسبح الخلايا المنوية في السائل
المنوي إلى خلية البويضة وتخصبها. ما هي المخلوقات التي تتكاثر بالإخصاب الداخلي؟
اللافقاريات اليابسية (كالحشرات) والزواحف والطيور والثدييات (بما فيها الإنسان). يحدث
لدى معظمها تزاوج، وللذكر عضو خاصّ يلائم لإدخال الخلايا المنوية إلى جسم الأنثى.
كذلك في الثدييات البحرية (الدولفينات والحيتان) وفي الزواحف البحرية (السلاحف
البحرية)، الإخصاب هو داخلي.
في الإخصاب
الداخلي، احتمالات اللقاء بين الخلايا التكاثرية عالية جدًّا، لأنّ الخلايا
المنوية تتحرّك داخل الجهاز التكاثري للأنثى. لذلك المخلوقات التي تتكاثر بالإخصاب
الداخلي، تُنتِج كمّية قليلة من الخلايا التكاثرية بالمقارنة مع المخلوقات التي
تتكاثر بالإخصاب الخارجي. على سبيل المثال، إناث الثدييات تُنتِج خلايا بويضة
قليلة فقط (عند المرأة تنضج خلية بويضة واحدة فقط كلّ شهر). لكن لدى هذه المخلوقات
أيضًا، عدد الخلايا المنوية أكبر بكثير من عدد خلايا البويضة.
الإخصاب عند
الإنسان
كما هو
الحال عند جميع الحيوانات، عند الإنسان أيضًا تنتج الخلايا التكاثرية في جهاز
التكاثر. تنتج الخلايا المنوية عند الذكر في الخصيتين ابتداءً من مرحلة البلوغ
وحتّى آخر الحياة. خلال هذه الفترة تنتج ملايين الخلايا المنوية في جسم الرجل كلّ
يوم.خلايا البويضة عند المرأة، التي تسمّى بويضات، تنتج في المبيض عند
المرأة منذ كونها جنينًا في رحم أمّها. عندما تولد الطفلة، يكون في أعضائها
التكاثرية حوالي نصف مليون خلية بويضة، لكنّها غير ناضجة وإنّما تتواجد في
"سبات". يحدث النضوج في جيل البلوغ فقط، وخلال كلّ فترة الخصوبة عند
المرأة (حتّى سنّ 45-50 سنة
تقريبًا). في هذه الفترة تنضج إحدى البويضات كلّ شهر، وتتحرّر من المبيض وتصل إلى
أنبوب البويضات الذي يسمّى قناة فالوب.
كما أسلفنا،
الإخصاب عند الإنسان داخلي. يُطلِق الذكر خلاياه المنوية داخل مهبل المرأة،
ومن هناك تتحرّك عن طريق الرحم إلى قناة فالوب.
إذا التقت
الخلايا المنوية داخل قناة فالوب مع بويضة ناضجة، يحدث إخصاب، وعندها تواصل
البويضة المخصبة طريقها إلى الرحم.
الإخصاب عند
النباتات
النباتات
أيضًا تُنتِج خلايا تكاثرية- خلايا بويضة وخلايا منوية- واللقاء بينها يكوّن
لاقحة. فيما يلي بعض الحقائق والتعريفات التي يجب معرفتها قبل التعلّم عن الإخصاب في النباتات:
- تحوي الزهرة الأعضاء التناسلية في النباتات. الأعضاء التناسلية الذكرية في الزهرة هي الأسدية، والعضو التكاثري
الأنثوي في الزهرة هو المدقّة.
- تنتج الخلايا المنوية في حبيبات اللقاح التي في الأسدية.
كلّ سداة مبنية من خيط ، الذي هو
عبارة عن سويق صغير، ومن المتك ، الذي هو عضو سميك يحوي حبيبات اللقاح.
داخل حبيبات اللقاح تتواجد الخلايا المنوية. الخلايا المنوية محفوظة في
البيئة الرطبة التي داخل حبيبات اللقاح. تُنتِج الأزهار عددًا كبيرًا جدًّا من
حبيبات اللقاح.
- تتكوّن خلايا البويضة في المتاع . المتاع مبني من
ثلاثة أجزاء : المبيض والقلم والميسم. تتكوّن البويضات في مبيض الزهرة
وتكون محمية هناك إلى أن يتمّ اللقاء بينها وبين الخلايا المنوية. يربط القلم بين
المبيض المستتر في قاعدة الزهرة وبين الميسم الذي في رأسها. عندما تكون الزهرة
جاهزة للإخصاب، يُفرِز الميسم سائلاً
لاصقًا، وحبيبات اللقاح التي تصل إلى الميسم "تَعْلَق" فيه.
- في نباتات من أنواع كثيرة، تحوي الزهرة الأسدية وكذلك
المتوع ، أي أنّ الزهرة ثنائية الجنس. على سبيل المثال: شقائق النعمان والركفة.
- في نباتات من أنواع أخرى، تحوي الأزهار أسدية فقط
(الأزهار الذكرية) أو متوع فقط (الأزهار الأنثوية). هذه الأزهار هي أزهار أحادية الجنس.
على سبيل المثال: البلّوط والنخيل والبطم.
- كي يحدث الإخصاب في النباتات، يجب على حبيبات اللقاح أن
تنتقل من الأسدية إلى مياسم الأزهار. تحدث هذه المرحلة قبل الإخصاب، وتسمّى
التلقيح. لاحظوا أماكن عمليّتَي التلقيح والإخصاب في دورة حياة
النباتات.
الإنبات
|
النموّ
|
الإزهار
|
التلقيح
|
الإخصاب
|
تطوّر الثمرة
|
نشر البذور
|
طرق التلقيح
هناك نباتات
تنتقل فيها حبيبات اللقاح من الأسدية إلى الميسم داخل نفس الزهرة أو من زهرة إلى
أخرى تنبت على نفس النبتة. يسمّى هذا التلقيح تلقيحًا ذاتيًا. مثال لمثل
هذه النبتة: البازيلاء العطرة.
في نباتات
أخرى تنتقل حبيبات اللقاح من زهرة نبتة معيّنة إلى زهرة نبتة أخرى من نفس النوع.
يسمّى هذا التلقيح تلقيحًا غريبًا. أمثلة لمثل هذه النباتات: المريمية
والخشخاش والعنصل.
مبنى
الأزهار وصفاتها ملاءمة لطريقة تلقيحها: في النباتات التي تُلقَّح بالتلقيح
الذاتي، أسدية ومياسم النباتات قريبة جدًّا من بعضها البعض، وفي الكثير من الحالات
تتلامس. بهذه الطريقة تنتقل حبيبات اللقاح بسهولة من الأسدية إلى المياسم.
مقابل ذلك،
في النباتات التي تُلقَّح بالتلقيح الغريب، يجب أن تقطع حبيبات اللقاح مسافة أكبر،
تصل أحيانًا إلى كيلومترات كثيرة. لأنّ النباتات لا تستطيع التحرّك من مكانها،
فإنّها تحتاج إلى عامل معيّن، "رسول" ينقل حبيبات اللقاح من نبتة إلى أخرى.
هذا الرسول يمكن أن يكون حيوانًا (الحشرات مثلاً) أو الرياح أو الماء. في التلقيح
الغريب أيضًا، هناك ملاءمة بين صفات الأزهار "والرسول" الذي ينقل حبيبات
اللقاح.
في البلاد،
معظم ملقّحات النباتات البرّية هي الحشرات: النحل والخنافس والفراش والذباب. هذه
الأزهار هي أزهار ملوّنة أو تنبعث منها رائحة، وبهذه الطريقة تجذب الحشرات إليها.
من المهمّ
التنويه: الملقّحات لا تصل إلى الأزهار بقصد تلقيحها، وإنّما تنجذب إليها
بسبب ألوانها أو شكلها أو رائحتها، وفي أغلب الأحيان تجد الملقّحات في الأزهار
مقابلاً وهو الغذاء: الرحيق و/ أو مسحوق تغذية. أثناء جمعها للغذاء، تلتصق حبيبات
اللقاح بجسمها، وبهذه الطريقة تنقلها من زهرة إلى أخرى. عادةً تكون حبيبات اللقاح
خشنة (ويمكنها الالتصاق بجسم الحشرات) والمياسم لاصقة (يمكنها الإمساك بحبيبات
اللقاح، التي وصلت ملتصقة بجسم الملقّح).
الأزهار
التي تُلقّح بواسطة الرياح تكون عادةً صغيرة ولونها يميل إلى الخضرة وجميعها عديمة
الرحيق والرائحة. لكونها غير ملاءمة لجذب الحشرات وتلقّح بواسطة الريح، فإنّ
أسديتها ومياسمها بارزة جدًّا خارج الزهرة، وتكون المياسم كبيرة ومتفرّعة جدًّا.
حبيبات اللقاح خفيفة وملساء، ولهذا تكون احتمالات طيرانها في الهواء كبيرة، ويمكن
للمياسم الإمساك بها. النباتات التي تُلقّح بواسطة الرياح تُنتِج كمّيات هائلة من
حبيبات اللقاح، لأنّ الرياح تنشر الحبيبات في كلّ الاتّجاهات، وليس فقط باتّجاه الزهرة . لذلك تصل كمّية قليلة من
حبيبات اللقاح إلى مياسم الأزهار والتي يمكنها المشاركة في الإخصاب.
مرحلة الإخصاب
الإخصاب في
النباتات داخلي: يحدث داخل الأعضاء التناسلية
الأنثوية- داخل مبيض الزهرة. كيف يحدث الإخصاب؟
عندما تهبط
حبيبات اللقاح على الميسم، يجب على الخلايا المنوية التي داخلها أن تتحرّك نحو
البويضات التي داخل المبيض. رأينا أنّ الخلايا المنوية عند الحيوانات تتحرّك
بواسطة أسواط، لكنّ الخلايا المنوية عند النباتات ذات الأزهار عديمة الأسواط.
إذًا، كيف تصل إلى البويضات؟ تتحرّك الخلايا المنوية في الجهاز التكاثري الأنثوي
للزهرة بطريقة مغايرة: حبيبات اللقاح التي على ميسم الزهرة تُنبِت فرعًا دقيقًا
يسمّى أنبوب اللقاح. يكبر أنبوب اللقاح ويستطيل عن طريق القلم باتّجاه
المبيض، والخلايا المنوية تتحرّك داخله. عندما يصل طرف أنبوب اللقاح إلى المبيض،
تخرج الخلايا المنوية منه وتتحرّك نحو البويضات وعندها يحدث الإخصاب. كما يحدث في
الحيوانات، كذلك في النباتات تتكوّن لاقحة يتطوّر منها الجنين.
من المهمّ
ذكره أنّه يمكن أن تصل إلى زهرة معيّنة حبيبات لقاح من أزهار من أنواع مختلفة،
لكنّ نبت أنبوب اللقاح باتّجاه مبيض الزهرة يحدث فقط بين نباتات من نفس النوع (species). سائل الميسم يثير نبت أنبوب
اللقاح فقط في حبيبات اللقاح التي مصدرها من نفس النوع.
إرسال تعليق