وقع تأثير البيئة الاجتماعية الثقافية في تكوين شخصية الشيخ زايد
 زايد بن سلطان آل نهيان يعود بأصله إلى الشيخ عيسى بن نهيان أول حكام آل نهيان الذي عمل على جمع شمل قبيلة بني ياس عندما تم أكتشاف المياه في أبو ظبي سنة 1761م، " أسمه زايد بن سلطان بن زايد بن خليفة بن شخبوط بن ذياب بن عيسى بن نهيان آل نهيان الفلاحي " ( هذه القبيلة التي بسطت نفوذها من قطر حتى واحة البريمي، وكانت القبيلة منذ أستقرارها في هذه المنطقة تهتم بأفرادها، والقبائل المقيمة في منطقة نفوذها، حتى أن شيوخ قبائل بني ياس كانت تشغلهم دائماً مشكلة المياه من أجل شعبهم، وهي واحدة من أخطر المشاكل التي تواجه قبائل الصحراء في ذلك الزمن، ولكن هذه القبيلة يحالفها الحظ دائماً، وقصة ظبي الجزيرة معروفة، حيث وجد بعض الأفراد من قبيلة بني ياس ظبياً في جزيرة شبه مهجورة، هي جزيرة أبو ظبي حالياً، يشرب من نبع مياه وسط الجزيرة، فأقترب أبناء القبيلة إلى المكان الذي كان يشرب منه هذا الظبي، فإذا بهم أمام ينابيع مياه حلوة، وهبهم الله إياها، وكان العثور على هذه الينابيع الحلوة بمثابة العثور على كنز الحياة، فأطلق رجال بني ياس على هذه الجزيرة { جزيرة أبو ظبي } ثم سميت المنطقة فيما بعد بإمارة أبو ظبي )([1]).
الشيخ زايد بن سلطان أول رئيس لدولة الإمارات العربية المتحدة وحاكم إمارة أبو ظبي، حيث ولد سنة 1918 في قصر الحصن بمدينة أبو ظبي، وهو الأبن الرابع لشيخ سلطان بن زايد آل نهيان والذي حكم إمارة أبو ظبي من 1922 إلى 1926م، وأخذ أسمه من جده المرحوم الشيخ زايد بن خليفة آل نهيان، والذي حكم أبو ظبي من سنة 1855 حتى سنة 1909م وجاء بعد وفاته في 2.2.2004م في أستلام إمارة أبو ظبي ولده الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان الذي أصبح رئيساَ للإتحاد عندما أختاره المجلس الأعلى للإتحاد. وفيما يلي جدول زمني لحكام آل نهيان      :                                         
 - عيسى بن نهيان، أول حاكم من آل نهيان حكم إمارة أبو ظبي في أواخر القرن الثالث عشر.                                                                 
- الشيخ ذياب بن عيسى، ........ 1761   -1793.يعتبر مؤسس البوفلاح أقوى قبائل حلف بني ياس.
- الشيخ شخبوط بن ذياب،........ 1793 -1816 .
- الشيخ محمد بن شخبوط، ...... 1816 -1818.
-الشيخ طحنون بن شخبوط،..... 1818 -1833.
- الشيخ خليفة بن شخبوط، ...... 1833 -1845.
- الشيخ سعيد بن طحنون، ....... 1845 -1855 .
- الشيخ زايد بن خليفة،........... 1855 -1909 ( زايد الكبير).
- الشيخ طحنون بن زايد،......... 1909 -1912.
- الشيخ حمدان بن زايد، ......... 1912-1922.
- الشيخ سلطان بن زايد، ......... 1922-1926.
- الشيخ صقر بن زايد،............ 1926 - 1928.
- الشيخ شخبوط بن سلطان،...... 1928-1966 )([2]).
-الشيخ زايد بن سلطان، .......... 1966 -2004.
- الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، 2004.
   لقد أستلم الشيخ زايد آل نهيان فقيد الأمة حكم إمارة أبو ظبي بعدما قرر مجلس العائلة عزل أخيه شخبوط من الحكم، وذلك بسبب تضاعف واردات النفط، وبسبب سياسته في عدم الإنفاق وعدم القيام بالمشروعات في الإمارة، فأعلنت الأسرة بان ذلك من أجل رفع مستوى المعيشة وإستثمار عائدات النفط في تطوير شعب أبو ظبي، ( فقد كان يكره التغيير وكان أمله أن يستمر الساحل المتصالح على أوضاعه الراكدة، وأتسمت تصرفاته بالتردد والحذر، فكان إذا وافق على إقامة مشروع يقدم بعد ذلك على ألغائه، فأصبح بذلك عقبة في سبيل تقدم الإماراة، وحائل دون قيام مشروع يقود إلى أي إتحاد مع أية إمارة أو الإمارات مجتمعة )([3]). أن سمو الشيخ زايد ومنذ توليه الحكم كان عازماً على أن يعمل مع الشعب في قيام دولة قوية حضارية لها كل مقومات الدول المعاصرة أسوةً بالدول الأخرى، لذلك عمل منذ البداية على الإستعانة بالخبراء من الخارج الذين لهم الباع الطويل في مختلف المجالات للإستفادة من قدراتهم وخبراتهم في بناء دولة عصرية قوية في إمارة أبو ظبي، ولكن حلمه لم يكن في قيام هذه الدولة القوية التي تستطيع مواكبة الحضارة في الوقت الحاضر في إمارة أبو ظبي فقط بل كان يعمل من أجل توحيد جميع الإمارات المتصالحة التي كانت تسمى بهذا الأسم نتيجة الإتفاقية التي تمت بينها وبين بريطانيا في دولة واحدة، حيث كانت آنذاك خاضعة للإنتداب البريطاني، ( تم الإتفاق على نصوص هدنة بحرية لعشر سنين بتاريخ أول حزيران 1843م، حيث جاء في المادة الأولى منها : إنه أبتداء من أول حزيران لعام 1843م سيكون وقف لجميع الإعتداءات في البحر بين رعايا مشايخ ساحل شبه جزيرة العرب ومن التاريخ المذكور حتى نهاية شهر أيار 1853م ستقوم هدنة لاعدوان فيها)([4]).  ويقال بأن  والده قد أرسلهم  إلى واحة العين في شهر يوليو من سنة 1926م وذلك عندما أحس بوجود أضطرابات وبقرب الخطر على العائلة، فما كان منه إلا أرسال أبنائه إلى العين وأبقى أبنه خالد معه، وفي 24من شهر الثامن من نفس العام تم أغتيال الشيخ سلطان رحمه الله، والشيخ زايد كان في الثامنة من عمره، فكان لهذا الحدث تأثير كبير على سمو الشيخ زايد فحزن كثيراً على رحيل والده، وقد تولت الشيخة سلامة* بنت بطي رعاية أولادها بعد موت والدهم، وكانت سديدة الرأي راجحة العقل، فعملت على غرس روح الأخاء والسلام فيهم، كما أنها عملت على تعويدهم على نبذ التفرقة والأبتعاد عن الخلافات.                                                                                          
  لقد ساهمت العديد من الأسباب في بلورة شخصية الشيخ زايد آل نهيان، فالظروف الاقتصادية وخصوصاً بعد أكتشاف النفط ومانتج عنه من أرتفاع في دخل الفرد في دولة الإمارات العربية المتحدة ساعدته  على النهوض بدولته، فأجتمع ذلك مع  العقل النيّر وسدادة الرأي والحب للوطن كل ذلك كان وراء العمل في النهوض بالدولة وإزدهارها وكذلك حماسه ورغبته في تحقيق السعادة والرفاه لأبناء الشعب كان وراء الإمارات بشكلها الحالي.                                  
 أن الباحثين والمهتمين بشؤون المجتمعات وسلوكيات القادة أهتموا بالسياسة وبالشخص القائم على هذه السياسة، حيث تم تعريف السياسة بأنها ذلك الفن الذي يقوم بدراسة المجتمع من خلال تنظيمه في شكل الدولة، ( السياسة هي وسيلة يستخدمها الإنسان لتنظيم وضبط تفاعلاته وسلوكه وإدارة المصادر والثروات الطبيعية بجميع أنواعها وبلورة القيم الاجتماعية وفض النزاعات وتذليل المشاكل بين الأطراف سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي للدولة، وإدارة التغير الذي يطرأ على القيم والعادات ومايتضمنه كل ذلك من صنع القرارات)([5]).  وتطرق هؤلاء إلى شخصية القادة ودورهم ومدى قيامهم بالأدوار المختلفة في مجتمعاتهم، والدوافع التي كانت وراء قيامهم بتلك التصرفات، ودرسوا من خلال ذلك علم النفس من أجل الأستفادة منه في المجال السياسي، وكما نعلم أن علم النفس يقوم بدراسة نفس الإنسان، وماتتضمن هذه من دوافع وغرائز وميول وحاجات، لأن سلوك الفرد يحدده تلك الأمور، كما أن ثقافة المجتعمات يكون لها الدور الكبير في تحديد سلوكيات الفرد بما تتضمنه من العادات والتقاليد والقيم التي تقوم الجماعات بغرسها لدى أبنائها وتعمل على نقلها من جيل إلى أخر، وعليه وكما هو معروف بأن البنية الأساسية للمجتمع العربي قائم على الأساس العشائري، هذه العشيرة التي كانت فرع من فروع القبيلة، ( العشيرة هي عبارة عن مجموعة كبيرة من الأسر ينحدرون من جد واحد في الغالب تربط بينها أواصر القرابة، وعلاقة الرحم ومن مجموعة العشائر تتكون القرية أو المدينة)([6]). و تشكل الأسرة الخطوة الأولى والرئيسية في عملية التنشئة السياسية للفرد في هذا المجتمع، حيث تقوم هذه الخلية بتربية الأطفال وتهيئتهم لقيام بدورهم الإيجابي في النهوض وتطور المجتمع والمحافظة على الهوية الخاصة بهذا المجتمع، وذلك من خلال تنشئتهم تنشئة صحيحة قائمة على السلوك الحسن والتفاعل الإيجابي في المجتمع، وكذلك تقوم الإسرة بنقل ثقافة المجتمع المتضمنة القيم والعادات والتقاليد من جيل إلى أخر، وعلى الرغم من كل التطور الحاصل في الوقت الحاضر فأن ذلك لم  يستطع نزع الثقافة التي قام عليها الإنسان في المجتمع، بل يحاول الإنسان بالقدر المستطاع الإستفادة من تجاربه السابقة وممارستها في الحياة اليومية. وعليه فأن خلق أجيال غير نافعة وغير مستقرة في المجتمع  يكون نتيجة لنقل تلك الصراعات والخلافات الموجودة في المجتمع والتي يتم نقلها إلى الأجيال المتعاقبة نتيجة التنشئة التي تقوم بها الخلية الأولى في المجتمع إلا وهي الأسرة والعكس هو صحيح. لذلك يجب الإهتمام بالشكل الرئيسي بهذه البيئة الأولى التي ينشئ فيها الإنسان وأن تتوفر لها كل سبل العيش الكريم والحر، من خلال توفير الخدمات الصحية والرعاية الاجتماعية ونشر العلم والثقافة بين الأباء والأمهات، وتوفير فرص العمل لكل القادرين عليه، وبالتالي وعند خلق المناخ المناسب في الأسرة سوف يكون لها الدور المهم في نشوء إفراد إيجابيين فعّالين في المجتمع، عكس السلبيين والذين يكونون عالة على المجتمع، وبالتالي تكون هناك أجيال غير نافعة وذوي سلوكيات غير حضارية.                                                                                            
لكل إنسان بيئته التي يولد ويعيش فيها، ومهما كانت هذه البيئة قاسية بظروفها الطبيعية والمناخية، حيث هناك أختلاف بين البيئات حسب وجودها على خارطة العالم " قربها من المسطحات المائية، ووجود الغابات فيها والطبيعة الجبلية، كل ذلك له الدور في تحديد نوعية هذه البيئة " ومهما كانت البيئة متطورة ومزدهرة أو متخلفة وجاهلة فهي تغرس لدى أبنائها العديد من الصفات والخصائص التي تختلف عن أبناء البيئات الأخرى، ويحاول قدر الأمكان التأقلم مع البيئة وظروفها المناخية وتسخيرها لمصلحته والإستفادة من مواردها. أن للبيئة التي ولد فيها وترعرع الشيخ زايد الأثر البالغ في تحديد ملامح شخصيته، وهذه البيئة لعبت الدور الأساسي في الخصائص والمميزات الحميدة التي غرست في نفسه، فقد ولد لعائلة من العوائل التي كانت لها الباع الطويل في المشيخة وإدارة شؤون الأفراد، فمنذ صغره حرص والده وعلى رغم من عدم وجود المدارس على تعليم أبنائه أصول الدين وتعاليمه " من خلال إرسالهم إلى كتاتيب لتعلم أصول الدين والقراءة والكتابة فكان نمو الأبناء مع العادات والتقاليد والقيم التي كانت تسود في المجتمع. كماأنه أستلهم حكمته وخبرته من خلال حضوره لجلسات والده والإستماع إلى ماكان يدور فيها من الأحاديث والمناقشات وكان يستمع ويلاحظ الطريقة التي يتبعها والده في حل المشاكل والخلافات التي تظهر بين القوم، وكان يتأمل فيها ويشارك في البعض من الأحيان في إدارة المناقشات على الرغم من صغر سنه، لقد كان محب للإطلاع و مهتم بالظواهر الطبيعية من حوله وشغوفاً بمعرفة كل جديد.أن المميزات التي كانت موجودة في شخصية الشيخ زايد كانت وراء أكتسابه للخبرات و للمهارات المختلفة التي كانت السبل والوسائل التي يعتمد عليها في إدارة دفة الحكم في البلاد، من الفروسية والصيد والحنكة السياسية والذكاء ، فكان من سماته الصبر والشجاعة والكرم ومحبة الأخرين ومساندة الضعيف، والتواضع وعدم التكبر، لقد كان مع الشاب شاباً ومع الكبار كبيراً ومع الأطفال طفلاً، حيث  كان واعي لمتطلبات كل مرحلة من المراحل التي يمر بها الإنسان، ويعمل على تلبية المتطلبات وتوفير السبل والوسائل للعيش الحر والكريم، وفي الكثير من الأحيان كان ينفق على ذلك من أمواله الخاصة. لقد كان يعتمد الأساليب المرنة في التعامل مع الناس، ويعمل على تطوير المجتمع وحث الغير على القيام بالأعمال الخيّرة والأبتعاد عن التفرقة والخلافات، والهدوء والصبر في حل المشاكل ونبذ العنف في حل الخلافات، حيث ( يعتبر العنف من أبرز الثوابت في الحياة البشرية فمنذ أن أنوجد الإنسان على سطح الأرض وهو يمارس العنف ضد أخية الإنسان، وقد بدأت أول عملية عنف إنسانية بين هابيل وقابيل أبني آدم عليه الصلاة والسلام ولم تنته بعد، ومع ظهور التنظيمات المختلفة للحياة البشرية أخذت ظاهرة العنف تأخذ أشكالاً وصوراً أختلفت وتطورت تبعاً لأختلاف وتطور تلك التنظيمات)([7]). وعلى الرغم من فقدانه لوالده وهو في السن الثامنة إلا أن ذلك لم يثنيه عن طموحه في إكتساب المهارات والخبرات، وكان لوالدته الدور في ذلك، حيث كانت تفسح المجال لأبنائها لتعبير عن آرائهم وإظهار مقدراتهم، وغرست فيهم الكثير من السلوكيات الحسنة والتي تتناسب مع القيم العربية الأصيلة. أن البيئة التي عاش فيها المرحوم الشيخ زايد آل نهياك متمثلة بالعوامل الخارجية والداخلية كان لها التأثير المباشر في بلورة شخصيته. أن هذه العوامل تشمل الأسرة والرفاق وكل المحافل التي يأخذ منها الشخص كل العلوم ويكتسب القيم والمهارات والسلوكيات التي تأهله للتفاعل مع المجتمع. ويقصد بالبيئة. ( مجموعة العوامل الخارجية التي تؤثر في نمو الفرد والتي تكون خارج وحدات الوراثة والتي تؤثر على نشاطه منذ تكوينه وحتى اللحظات الأخيرة من حياته، والبيئة أما أن تكون مادية طبيعية أو أجتماعية، وتؤثر مجموعة العوامل البيولوجية في تكوين شخصية الفرد وانماط سلوكه في معالجة شتى المواقف الحياتية تأثيراً مباشرا ً)([8]). فأول بيئة أثرت في نمو شخصيته* هي الأسرة فهي التي وفرت له كل الأساليب والفرص للحصول على المعارف وغرست فيه السلوكيات الحسنة، حيث ينحدر من أسرة حاكمة تعود بجذورها إلى قبيلة غارقة في القدم ولها باع طويل في مقاومة الأستعمار من خلال تحالف بني ياس.                                                                              
بعد الأنتقال من أبو ظبي إلى العين حيث قضى فيها سنوات شبابه الأولى، وعندما بلغ ال { 28 } من عمره تولى شؤون مدينة العين، ونتيجة لأفكارة النيّرة وذكائه وحرصه على الوطن وحسن معاملته أحبه الشعب. وعلى الرغم من قلة الأمطار والمياه في هذه المدينة والمناخ القاسي، فأن كل ذلك لم تنال من عزيمة زايد في بناء الوطن والعمل على تقدمه والنهوض به، فقد قام بحفر الأبار وعمل على تحسين نظام السقايا، كما أنه بنى مدرسة في المدينة وأنشئ فيها سوق تجارية، بالإضافة إلى الكثير من الأعمال التي ساهمت في تطوير المدينة وإزالة التخلف والجهل عنها، والعمل على توطيد الأمن والأستقرار في المجتمع والعمل على تحقيق المساواة بين الشعب وتحقيق مبدأ تكافئ الفرص، فقد كان بسيط في سلوكياته ومعاملاته مع أبناء الشعب، فأقواله كانت مرتبطة بالفعل وذو قلب كبير، أتصف الشيخ بالصفات البدوية الأصيلة من الشجاعة والصبر، وكان رافض لظلم لايقبل به، وكان حاكم عادل يستمد ذلك من مبادئ الإسلام وشريعته كان ذلك وراء تعلق ومحبة أفراد الشعب له. وبسبب تواضعه كان يجلس في الكثير من الأوقات مع كبار السن من أجل التحدث عن الماضي وماقام به الأجداد في سبيل الوطن والدفاع عنه ورد العدو، فكان القائد والأخ والأب الذي ينخرط في صفوف الشعب ويعمل من أجل تطوره ونهضته فيقول في ذلك ( إن اللقاء بين القائد والشعب هو في مفهومي لقاء الأب وأبنائه وأي أبتعاد من القائد عن الشعب يبعد عنه الصورة الواقعية لاحتياجات شعبه وبذلك يحصل النفور والإبتعاد من قبل الشعب تجاه القائد المغرور)([9]).                                   
وعلى الرغم من الطبيعة الصحراوية التي تمتاز بها المنطقة، حيث الحرارة المرتفعة وقلة الأمطار، وغلبة الصحراء والكثبان الرملية، إلا أن ذلك يؤثر على لم يثني من عزيمة الشيخ عندما كان في مراحل الشباب من تعلم وإكتساب الكثير من العادات التي كانت سائدة في المجتمع، من ركوب الخيل وصيد الصقور وقوة التحمل، حيث كان بارع في أستخدام السلاح. ومنذ أستلامه للإدارة الأمور في العين كان يهتم بكل جوانب الحياة المتعلقة بالشعب من القضاة والشؤون الدينية، وأهتم بالجانب الاقتصادي في المنطقة بالشكل العام. فقد تجمعت العديد من الأسباب التي ساهمت في نضوج شخصية الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ومن ذلك العوامل النفسية التي كانت وراء التحركات والسلوكيات التي قام بها، حيث كانت لهذه العوامل النفسية الدور الهام في إدارة شؤون البلاد والتي برع فيها الشيخ، وكذلك قيامه بصنع السياسة الخارجية لبلاده، لقد كان لسلوكياته الأثر الكبير على توجيه مقدرات الشعب نحو ماكان يرمي إليه من قيام الإتحاد والمحافظة على أمن وسلامة أبناء المنطقة وبالتالي تحقيق أهداف سياساته والتي لم تكن بعيدة عن تطلعات الشعب وآماله، أن الخصائص التي تميز بها الشيخ ساعدته على التكيف مع الواقع الذي كانت تعيشه الإمارات، فعمل بجهد ونشاط على توجيه سلوكيات الأفراد نحو الوحدة والتفاعل والتضامن مع البعض ضمن وحدة قائمة بحد ذاتها، فالظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والدينية التي عاش فيها قائد الإمارات جعلته يتفاعل مع المجتمع بالشكل الإيجابي وأكسبته الكثير من السلوكيات والإتجاهات وأفكار والمبادئ التي مكنته من الإنخراط في الجماعة والإندماج معها، والتفاعل والتضامن معها والعمل على نموها وتطورها وإيصالها إلى منابر العلم والنور، فالشخصية القيادية التي تميز بها المغفور له الشيخ زايد آل نهيان كان ورائها التنشئة الثقافية والاجتماعية والسياسية والدينية التي ساهمت في أكسابه العديد من الصفات والمميزات التي يفتحر لها الكثير من القادة، وعليه فأن البيئة التي عاش وترعرع فيها الشيخ والتربية التي تلقاها كانت وراء تكوين شخصيته الحكيمة والقيادية وغرست فيه أنماط سلوكية* وأساليب وطرق ووسائل من أجل التكيف مع الواقع وحل المشاكل التي تعترضه، بالإضافة إلى العادات والتقاليد والقيم التي شبّ عليها والتي كان لها الدور المهم في بلورة شخصيته، كما أن التنشئة الدينية التي نشأ عليها الشيخ زايد وإيمانه بالسلوكيات والأخلاقيات الحميدة التي تحث عليها العقيدة الدينية كان لها أيضاً دور لايستهان به في تكوين شخصيته القيادية ، فيقول في ذلك ( إن واجبي هو توفير كل مقومات الحياة لك مواطن...وأن العقيدة والإيمان والعمل هي أساس النجاح وأن التمسك بالدين يوصلنا إلى الطريق الصحيح )([10]).
 وعليه فان البيئة التي يعيش ويترعرع الإنسان في كنفها لها تأثير كبير على شخصيته والسلوكيات التي يقوم بها في مراحل حياته، لذا نرى بأن الشيخ زايد قد عاش في بيئة صحراوية، وهذه البيئة تركت وغرست في نفسه العديد من الصفات والخصائص ، كما أنها رسخت فيه التواضع وعدم التكبر حتى أنه وفي المجالس كان يتم السلام عليه ب " زايد حياك الله" دون ألقاب وكان يقوم من مكانه ويرد السلام ويصافح الضيف دون أن يكون هناك أي حاجز بينه وبين بقية أفراد الشعب ونتيجة ذلك أحبه الشعب وتعلق به، فالطريقة التي كان يتبعها زايد في معاملة أبناء الإمارات هي تلك الطريقة التي كانت دارجة بين أبناء البدو، فكان رحب الصدر ومتفهم لكل مشاكل التي تعرض عليه من قبل الذين يقصدونه، فأحبه الناس من خلال تصرفاته وسلوكياته الحسنة. وعليه فأن البيئة التي يعيش فيها الفرد ومن خلال العادات والتقاليد والقيم التي يتربى عليها يكون لها التأثير في بناء شخصية الإنسان وبالتالي ينعكس ذلك على سلوكياته، فهذه البيئة الاجتماعية التي يتربى فيها يكون لها الدور البارز في تحويل سلوك الشخص إلى الإتجاه السليم والنافع أو العكس، أي لهذه البيئة وجهان، أولهما الحسن والإيجابي والأخر سلبي وسئ، وهذا مرتبط بتلك العادات والقيم التي يتم ترسيخها لدى الأبناء والتي يتم تناقلها من جيل إلى أخر، وذلك مرتبط بمدى أستقرار وضمان المنطقة التي يعيش فيها الفرد. ومرتبط بالصفات والخصائص التي يتمتع بها الإنسان، هذه الصفات التي تساهم في قيامه بالواجبات والوظائف ومواجهة الصعوبات اليومية، فالشيخ زايد رحمه الله ومن خلال تمتعه بالكثير من الصفات الشخصية التي ساعدته على كسب ثقة الشعب ومحبته، فقد توفر لديه السلوكيات والعادات والقيم والمعتقدات جعلته يسلك أسلوب حسن المعاملة المتواضعة مع أبناء الشعب. فهذه البيئة التي ترعرع وعاش فيها على رغم من مرورها بالكثير من المصاعب وشتى أنواع الأستعمار الذي أستغله ورسخ في المجتمع كل بذور التخلف والتجزئة، والظروف المناخية الصعبة كان له الدور في خلق الكثير من الشخصيات البارزة والتي ظهرت على الساحة وكان لها الدور المهم في تطور وتقدم المجتمع، فشخصية الشيخ زايد من خلال الصفات والخصائص الحميدة التي تمتع بها أهلته للقيام بالدور الأهم في النهوض بالإمارات وأزدهارها الاقتصادي وتحقيق الرفاه بين أفراد الشعب. إذاً فالبيئة الاجتماعية التي يعيش فيها الفرد وماتتضمنه من العادات والتقاليد والقيم والمعارف والنظم السياسية والقيم الدينية السامية لها تأثير في بلورة شخصية الفرد ومبادئه وخصائصه. ولكل مجتمع عاداته وتقاليده وقيمه التي يعتز بها ويتناقلها أبنائه من جيل إلى أخر، ولكل بيئة ظروفها ومناخها وطبيعتها، وخصائص ومميزات يفتخر بها أبن هذه البيئة، وإن كانت في نظر أبناء البيئات الأخرى نظرة مختلفة، حيث تختلف وجهات النظر من بيئة إلى أخرى، فمايجده أبن الريف من عادات والتقاليد الاجتماعية ويفتخر بها يمكن أن يجدها أبن مدينة بأنها بالية وغير متأقلمة مع العصر الراهن، ومايمارسه أبن المدينة من العادات والتقاليد في المدينة قد يجدها أبن البادية بأنها لاتواكب كرامة الإنسان وعزة نفسه ....إلخ من أختلاف في وجهات النظر بين البيئات المختلفة، وعليه فأن للبيئة الدور المهم والأثر البارز في بلورة شخصية الفرد وتطبيعها بسلوكيات تحتم التي عليه القيام بتصرفات وأعمال وفقاً وطبيعة هذه البيئة التي عاش وترعرع فيها وإنطلاقاً من ذلك نرى بأن الفرد الإماراتي وبحكم البيئة التي عاش ويعيش فيها غرست فيه الكثير من الصفات والخصائص التي دفعته إلى الترابط والتكافل والتضامن فيما بينه وكل ذلك كان له الدور في خضوع والأنصياع للقيادة السياسية في البلد بأعتبار أن هذه القيادة منحدرة من بيئته ومعتزة بعاداته وتقاليده فهي ليست بغريبة عليها وليس لها مايخالف قيمه الاجتماعية وبالتالي الكل يساهم في توطيد الأمن والأستقرار والقيام بالدور الذي يقع على عاتقه في سبيل تطور وإزدهار المجتمع.( بسبب إنحدار أصول الفرد الاجتماعية العربية من البداوة ولكون الفلاح هو الشخصية الوراثية لهذه البداوة، هذه الأصول تدفع بالفرد محكوماً بأرتباطه بالشعور الجماعي للمجموعة التي يتقاسم معها نفس القيم، إلى تقبل كل مايضعه له زعيمه أو قائده)([11]). فالثقافة التي تميز بها المجتمع الإٌماراتي، حيث اللغة الواحدة والتاريخ المشترك والعادات والتقاليد والقيم التي تربى عليها الإنسان الإماراتي ووجود القيادة الحكيمة والحريصة على الوطن والمواطن وغرس روح المحبة والتعاون بين الشعب ساهمت في تحديد الهوية الجماعية للشعب في الإمارات العربية المتحدة، فهذه الثقافة دفعته إلى التعاون والتفاعل فيما بينه، ونظمت العلاقات بينهم.
فالخلاصة للبيئة تأثير على شخصية الإنسان، وهذه البيئة تنقسم إلى البيئة الجغرافية، البيئة الثقافية، البيئة الاجتماعية والبيئة السياسية، فاللبيئة الثقافية ومهما كانت هذه بدائية او متطورة فلها عاداتها ومعتقداتها وقيمها وسلوكياتها، حيث لكل ذلك تأثير في الشخصية، فاللبيئة الاجتماعية من خلال التنشئة التي تقوم بها الأسرة الدور في بلورة تلك الشخصية وغرس قيم المجتمع فيها، وكذلك للبيئة الدينية الدور الذي لايستهان به في غرس القيم والسلوكيات المحددة من خلال ثقافة الحلال والحرام.


- أبو ذكرى، وجيه. تقديم إبراهيم سعده. زايد عن قرب.ص19[1]
- الغانم، عبدالله خليفة.مولد القواسم وتاريخ بسط نفوذهم السياسي،1200م-1820م.ص129،ط1 2003، المؤسسة العربية للطباعة.[2]
-الحبروش،فاطمة الحاج عبدالله. التطور التاريخي لإمارات الساحل المتصالح.مؤسسة التعاون، دبي 2008 ط1، ص19[3]
-نوفل، سيد(د). الأوضاع السياسية لإمارات الخليج العربي وجنوب الحزيرة.مطبعة الجبلاوي،ط2، 1972. ص183[4]
*- عملت الشيخة وبمساعدة الشيوخ على أستلام أبنها شخبوط زمام الحكم في أبو ظبي عام 1928 وأصبح شيخ آل فلاح بعد مقتل عمه صقر بن زايد
- العزام، عبد المجيد عرسان(د). و الزعبي، محمود ساري(د). دراسات في علم السياسة. عمان 1988م.ص 20.[5]
[6] -http://www.mzabnet.com/pol3.htmالشبكة المزابية، الأنظمة الأجتماعية والسياسية,
- الهزايمة، محمد عوض(د). قضايا دولة، تركة قرن مضى وحمولة قرن آتى. عمان 2005. ط1، ص45.[7]
[8] -http://follarose.maktoobblog.com.العوامل البيئية المؤثرة في النمو الإنساني ، فاطمة الظاهر، 12.5.2010
*- أن التنشئة الاجتماعية والسياسية التي عاشها الشيخ في كنف أسرته والقيم الدينية السامية والبدوية الأصيلة والاجتماعية والثقافية التي شب عليها كل ذلك لعب دور بارز في بلورة شخصية الشيخ زايد آل نهيان السياسية والثقافية والاجتماعية

- زايد آل نهيان، سلطان بن خليفة.زايد والعالم المعاصر. مؤسسة الاتحاد للطبع واانشر. أبو ظبي 1985م، ص 76[9]
- آل نهيان، سلطان بن خليفة بن زايد. زايد والعالم المعاصر.مطبعة الإتحاد للنشر والتوظيع أبو ظبي 1985م، ص84.[10]
*- أن الظروف الصعبة التي عاش فيها الشعب الإماراتي والطبيعة الصحراوية وقلة الأمطار وشح المياه كانت لها التأثير القوي على شخصية الفرد الإماراتي فجعلته يتأقلم معها وليس ذلك فقط وأنما أثر فيها وسخرها لصالحه، فهذه البيئة الصعبة لم تنال من عزيمته بل زادته قوة ونشاط، فحفر آبار من أجل ري الأراضي وخزن المياه، كل ذلك جعل البدوي يترك  حياة الترحال والتنقل وبدأ يستقر في القرى والمدن ويمارس الزراعة والتجارة والمهن المختلفة من أجل كسب لقمة العيش والقيام بدوره في النهوض بالمجتمع والعمل على إزدهاره.
-العزي، سويم(د). السلوك السياسي في المجتمع العربي. دار الألفة. ط1، 1992م .ص22[11]

Post a Comment

Previous Post Next Post