النظريات السيكولوجية وإسهاماتها في عملية التعلم
 النظرية السلوكية

من السلوكية الكلاسيكية إلى السلوكية الجديدة: ظهرت السلوكية Behaviorisme في العقد الثاني من القرن العشرين في حمأة الصراع بين الاتجاهات السيكولوجية، ونتيجة للمخاض الابستمولوجي النظري والمنهجي الذي ميز هذه الفترة. لكن واطسون Watson استفاد من دراسات ثورنديك حول الحيوانات ومن نظرية الإشراط الكلاسيكي لبافلوف Pavlov فاستطاع أن يفصل فصلا قاطعا بين مفهوم السلوك، الذي يغلب عليه المنطق المادي ومفهوم الشعور واللاشعور ذي الطابع الميتافيزيقي. وقد تولدت عن هذه الوضعية سلوكية جديدة تسمى بالنظرية الإجرائية التي تعتمد التحليل التجريبي للسلوك. ومن روادها سكينر .Skiner وما يهمنا هنا هو:
 حدود تطبيق النظرية السلوكية في عملية التعلم:
إن التعلم بحسب السلوكيين، يحصل بالمثير والاستجابة أي بطريقة؛ ولذلك يطلب من المعلم أن يدون الاستجابات التي تصدر عن المتعلم لمعرفة وتيرة التعلم التي يمكن أن تتخذ ثلاث حالات هي: التصاعد، والنزول، والاستقرار. كما أنه لابد من تكرار المثير الاصطناعي بالمثير الطبيعي. ويمكن استخدام التكرار في تعليم مواد كثيرة منها: الحساب، والإملاء، وحفظ معاني الكلمات في اللغات الأجنبية ودراسة الخرائط الطبونيمية.
 إن السلوكية المتطرفة تعرضت لانتقادات أفقدتها ملاءمتها لجميع الوضعيات التعليمية. أما السلوكية الجديدة فإنها لا تخلو من قيمة تربوية، ولعل "طريقة المشروع" خير مثال على ذلك، ناهيك عن طريقة "التعلم بالمحاولة والخطإ" وما تحيل عليه من حرية التلاميذ دون قيود بافلوف. وهناك طرق أخرى لكنها سلوكية فردية مثل "التعليم المبرمج ببرامجه الطولية (سكينر) والمتشعبة (كراودر)[33].لقد أفادت النظرية السلوكية في ما يخص التدرج من السهل إلى الصعب في إعطاء الدروس والمقاطع التعليمية. وكذلك في بناء البرامج ووضع المناهج. لكن تطبيقها دون تبيئتها وتعديلها (
adaptation et calibration) سوف لن يفيد في بلورة العملية التعليمية في مجتمعنا. وفي هذا السياق وجهت للسلوكية انتقادات لاذعة حيث لاحظ إيزنر (E,W, Eisner) أن التدريس بواسطة الأهداف PPO مؤسس على ثلاث خلفيات هي: الاستعارة السلوكية، والاستعارة البيولوجية، والاستعارة الصناعية[34].
النظرية الجشطالتية
Gestaltisme: تعد من اتجاهات علم النفس المعاصر، روادها الأولون فيرتملر Wertheimer ( 1880 – 1943) وكوفكا ( 1886 – 1941) وكوهلر Kohler ( 1881 – 1967).
 ومن إسهامات الجشطالتية في عملية التعلم أنها توظف مفاهيم محورية ذات دلالات تربوية إيجابية مثل الإدراك والاستبصار وقوانين التشابه (
similarité)والتجاور (Proximité) والتماثل (symétrie) والإغلاق (clôture) والاستمرارية (continuité) وتقدم هذه النظرية للمعلم فوائد منها[35].
- استخدام الطريقة الكلية (
Gestalt)في عملية التعلم والانتقال من الكل إلى الجزء، ومن العام إلى الخاص، مثال تعليم القراءة في التعليم الأساسي السلك الأول حيث ينبغي للمعلم أن يطلب من التلاميذ أولا قراءة الجمل وثانيا تجزيئ كل منها إلى كلمات ثم إلى حروف.وتجربة سلمن أش (Solomon, Asch) جد مفيدة في رأينا[36].
- تنظيم الدروس بكيفية توضح عناصر الموقف أمام التلميذ وما بينها من علاقات.
- تنظيم المعلومات في شكل كلية متصلة العناصر، بعضها ببعض وكذلك بالخبرات السابقة للتلميذ رغم أن الجشطالتية تحط من دور الخبرات السابقة. [37]
- التمرين الموزع على فترات أكثر مردودية في التعلم من التمرين المستمر.
- اهتمامها بكل عناصر وضعية التعلم مع التركيز على المجال السيكولوجي(
champ psychologique) الذي هو " بحسب لوين (Lewin) يمثل بنية سيكولوجية شبه عقلية وشبه اجتماعية و شبه طبيعية ".
النظرية البنائية: " البنائية صفة تطلق على كل النظريات والتصورات التي تنطلق في تفسيرها للتعلم من مبدإ التفاعل بين الذات والمحيط من خلال العلاقة التبادلية بين الذات العارفة وموضوع المعرفة. ولا نريد الخوض هنا في آراء بياجي وباشلار ومفاهيم النظريات البنائية وإنما نكتفي بذكرها:
-المعرفة العامية(
Savoir public): تنتج لدى المتعلم عن طريق الألفة مع محيطه وهي غير علمية هذا التصور الباشلاري رغم أنه مستمد من العلوم الفيزيائية والطبيعية فيمكن توظيفه في عملية التعلم.
-المعرفة العلمية الموضوعية(
Savoir savant): نوظفها في علاقتها مع الأولى. كأن نبين لتلميذ يحمل معرفة عامية أنه لو كانت الأرض ثابتة لما أمكن لنا أن نصل إلى بلد في الشرق عن طريق الغرب. إذن المعرفة العلمية التي جاءت بها الثورة الكوبرنيكية هي الصحيحة لحد الآن.
-العائق الابستمولوجي (
Obstacle épistémologique) هو بمثابة عتبة (Seuil) تحول دون بلوغ المعرفة الموضوعية العلمية. إنه المعرفة العامية.
-القطيعة الابستمولوجية (
Coupure) تحصل بالثورة المعرفية وهي ضرورية للانتقال من معرفة إلى أخرى.
- الاستيعاب(
Assimilation) ذلك أن المتعلم يؤثر على الموضوع الذي يتعلمه انطلاقا من بنيات وعمليات فكرية تكونت لديه سابقا لتلائم (Accommodation) وهي من قال يتحول فيها الموضوع ويلاحظ المتعلم كذلك. وهي تأثير معكوس لأنه صادر عن المحيط نحو الذات والأمثلة على ذلك كثيرة: إن مخترع أو مكتشف نظرية التبادلية في الرياضيات (La commutativité) 6 + 4 = 4 + 6 أو 5× 2 = 2 × 5 كان قد أخذ عشر كرات في وضع ثم رتبها وكان يعد فيجد نفس العدد وخرج أخيرا بنظرية التبادلية.
و من إسهامات البنائية في العملية التعليمية أنها جعلت الفعل التربوي يتجه نحو الوضعيات التفاعلية (
Interactives) التي تثير لدى التلميذ الرغبة في البحث وصياغة المشكلات وخوض الصراع والمجابهة (Conflits sociogognitifs). وذلك عن طريق ما يلي:
- وضعه أمام مشكل يستقيه المعلم من اليومي (
le quotidien).
- مناقشة المشكل جماعيا وتقبل اقتراحات وتمثلات (
les représentations) التلاميذ ثم محاولة استغلالها تربويا.
- جعل التعليم هيكلا وليس واجهة.
- القول بنسبية المعرفة.

Post a Comment

Previous Post Next Post