التفاوت في الثروة والدخل في النظام الاقتصادي الإسلامي
ذكرنا أنَّ أهداف العدالة الاجتماعية في الاقتصاد الإسلامي تتمحور في تحقيق هدفين عامين هما: توفير حد الكفاية لأفراد المجتمع المسلم، والتخفيف من حدة التفاوت في المجتمع المسلم.
وقد نجد أن الاتفاق بشكل عام على مفردات الهدف الاول بين مفكري الاقتصاد الإسلامي، ولكن الاختلاف في النظر لمسألة التفاوت في الثروة والدخل في الاقتصاد الإسلامي قد لا نرى مقاربًا له في بقية الأنظمة الاقتصادية، فمِنْهم مَنْ يقول: إن الإسلام اعترف بالطبقية (المُرَشَّدَة)([1])، إلى نجد من يقول بأنَّ الإسلام لا يعترف بالغنى مع وجود الحاجة، وجعل الحاجة فيما دون حد الكفاية ([2]).
وهذا يوضح لنا مدى الاختلاف في تقرير أصول الاقتصاد الإسلامي، وأثر تحكيم البيئة والمعارف الأخرى في الحكم على التصورات، ولكن مع ذلك نشاهد أنَّ الصورة في الأخير تتقارب، وسنذكر بمشيئة الله عزوجل الرؤية التي نراها في هذه المسألة.



نتائج البحث
1.     تكونت الأنظمة الاقتصادية في التاريخ الإنساني وفق فلسفة مذاهب اقتصادية حددت هياكل هذا النظام ووسائله العامة، ولذا من الخطأ اعتبار النظام الاقتصادي الإسلامي وليد منتصف القرن العشرين لأنه نظام استمد أصوله العامة ووسائله العملية من حين بدأ نزول القرآن الكريم، وظهور السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، فهو اقتصاد مستقل بأصوله ورؤيته منذ خمسة عشر قرناً، ولم يتأثر بأي اقتصاد آخر، بل هو نظام اقتصادي متكامل وشامل سابقٌ لكلِّ الأنظمة الاقتصادية المعاصرة.
2.     يعتبر أساس التوزيع في الاقتصاد الإسلامي العدالة، ولذا تعمل العدالة في كل مراحل التوزيع ابتداءً في مرحلة تنظيم توزيع ملكية الثروة من خلال: تقسيم الملكية إلى ملكية خاصة وعامة وملكية الدولة، ولا يجوز لكل فئة أن تتعدى على الملكية الأخرى. ثم عدالة توزيع فرص العمل والإنتاج، والعدالة في حصول كل عامل ومجتهد على المكافأة العادلة على جهده من خلال منع الاحتكار وتحريم الربا والغش والقمار وأكل أموال الناس بالباطل، حتى تصل العدالة إلى أنَّ من لم يكن له نصيب من ثمار الإنتاج لعجز كلي أو جزئي يصل إليه عائدٌ أيضًا بناء على هذه العدالة.
3.     كَفلتِ الشريعةُ للأفراد حق إشباع حاجتهم عن طريق العمل، أو عن طريق نِتاجِ عملٍ سابقٍ (ملكية سابقة). كما أنها كفلت هذا الحق للعاجزين عن طريق أقاربهم القادرين، ثم بضمانِ الدولة المسلمة، وبتشجيعِ التكافل الطوعي بين أفراد المجتمع حتى لغير المسلمين، وامتازت بتغطية حاجات أصناف لم يتم تغطيتها في أي نظام اقتصادي آخر كابن السبيل والغارمين، ووصلت بذلك إلى درجة وجوبِ إشباع حاجات الحيوان.
4.     لا يعترف الإسلام بالطبقية الاجتماعية بمعناها الغربي، وإنما يسمح بوجود تفاوت في الثروة والدخل وفق ميزان العدل، مع أنَّ في آلياته العملية ما يضمن التخفيف من حدة التفاوت السلبية والإبقاء على الجوانب الإيجابية للتفاوت مثل التحفيزِ والمبادرة. ويُعتبرُ الفَقْرُ قدرًا من أقدارِ الله التي على المؤمن الفرار منها إلى قدر الله الغِنى استجابةً لأمر الله عز وجل ونبيه محمد e في السعي للرزق.
5.     لا تعارض في الاقتصاد الإسلامي بين تحقيق العدالة الاجتماعية وبين العمل على حصول كل مجتهد على نصيبه، وبالتالي حصول تفاوت في الثروات والدخول, وذلك من خلال إقامة حد لكفاية كل أفراد المجتمع ثم ترك المجال لكل صاحب قدرة أو جهد لينال نصيبه دون وجود حد أعلى لهذا النصيب.
6.     يستخدم الاقتصاد الإسلامي من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية مجموعة من الوسائل المباشرة وغير المباشرة. ويأتي على رأس الأدوات والوسائل المباشرة التي يستخدمها الاقتصاد الإسلامي في تحقيق العدالة الزكاة (الركنُ الثالث من أركان الإسلام) التي لو طُبقت التطبيق الصحيح لغطت في الأحوال الاعتيادية الحاجات الأساسية لكل أفراد المجتمع، ويأتي تبعًا لها الركاز والوقف والعريا والهدايا والكفارات وغيرها من الأدوات. ومن أمثلة الوسائل غير المباشرة إيجاد فرص العمل ودعم التنمية وتحريم الربا والغش والقمار والتبذير والإسراف ومنع الاحتكار والحمى الخاص وغيرها.
7.     من خلال وفرة هذه الوسائل وتنوع درجة إلزاميتها من الإلزام إلى الندب، يتضح لنا مكانة هدف تحقيق العدالة الاجتماعية في الاقتصاد الإسلامي حتى أنَّه يُعْتبرُ مقصدًا من مقاصد الشريعة، والذي قرره قوله تعالى: )كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ(، وكذلك مقصد توفير حد الكفاية لأفراد المجتمع المسلم.
8.     يَسمح الاقتصاد الإسلامي بإيجاد صور حديثة لأدوات شرعية أصلية كمؤسسات معاصرة لتحقيق العدالة، ويأتي في البداية مؤسسة الزكاة، ثم مؤسسات أخرى كالوقف والتمويل الإسلامي وصناديق الضمان والرعاية الاجتماعي، ومنها السياسات الاقتصادية المعا صرة كآليات الإنفاق العام من أجل تحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي ومن خلال السياسات المالية كالدعم الحكومي للغذاء والعلاج والسكن. كما لا يعارض الاقتصاد الإسلامي عمل بعض المؤسسات الحديثة التي لها دور في تحقيق العدالة ما دامت ملتزمة بالصور الشرعية مبتعدة عن الصور المحرمة من التعامل بالربا والغرر والقمار مثل مؤسسات التأمينات الاجتماعية والتقاعد، ومؤسسات الإقراض الصغير والأصغر، وبنوك التسليف الاجتماعية والتنموية المتخصصة.


[1] - الفقراء والأغنياء في ميزان الشريعة. محمد عمر الحاجي. دار المكتبي-دمشق. ط 1. 1418هـ-1998م ، ص 35.
[2] - انظر: الإسلام والمشكلة الاقتصادية للفنجري، ص80، وفي مقدمته على كتاب نظرية التوزيع ص (هـ) . وفي كتاب حق الفقراء المسلمين في ثروات الأمة، ص 39.

Post a Comment

Previous Post Next Post