أهمية السلوك الحسن
موضوع عن اهمية السلوك الحسن
السلوك  الحسن هو سيرة الإنسان ومذهبه واتجاهه، يقال: فلان حسن السلوك أو سيّئ السلوك( ).
والسلوك: عمل إراديٌّ، كقول: الكذب، والصدق، والبخل، والكرم ونحو ذلك.
فاتّضح أن الخلق حالة راسخة في النفس، وليس شيئاً خارجاً مظهريّاً، فالأخلاق شيء يتصل بباطن الإنسان، ولا بد لنا من مظهر يدلنا على هذه الصفة النفسية، وهذا المظهر هو: السلوك، فالسلوك: هو المظهر الخارجي للخلق، فنحن نستدل من السلوك المستمر لشخصٍ ما على خلقه، فالسلوك دليل الخلق، ورمز له، وعنوانه، فإذا كان السلوك حسناً دلّ على خلق حسن، وإن كان السلوك سيئاً دلّ على سلوك قبيح، كما أن الشجرة تعرف بالثمر، فكذلك الخلق الحسن يعرف بالأعمال الطيبة( ).
فضائل الخلق الحسن
أولاً: الخلق الحسن من أعظم روابط الإيمان وأعلى درجاته؛ لقوله : ((أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً))( ).
ثانياً: الخلق الحسن من تخلّق به كان من أحبّ الناس إلى النبي وأقربهم منه مجلساً يوم القيامة: ((إن من أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً))( ).
ثالثاً: الخلق الحسن يجعل المسلم من خيار الناس مطلقاً، ولا يكون كذلك إلا بالتخلّق بهذا الخلق العظيم، قال النبي : ((إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً))( ).
وقد أحسن الشاعر إذ يقول:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت       فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رابعاً:الخلق الحسن من أعظم القربات وأجلّ العطايا والهبات، ؛ ولهذا قال النبي : ((ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن فإنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الفاحِشَ البذِيء))( ).
خامساً: الخلق الحسن يدرك المسلم به درجة الصائم القائم، قال النبي : ((إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم))( ).
سادساً: الخلق الحسن خير من الدنيا وما فيها؛ ولهذا قال النبي  لعبد اللَّه بن عمرو: ((أربع إذا كن فيك فما عليك ما فاتك من الدنيا: حفظُ أمانةٍ، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعفة في طعمة))( ).
سابعاً:يحصل بالخلق الحسن: جوامع الخيرات والبركات؛ قال النبي : ((البر حسن الخلق))( ).
ثامناً: الخلق الحسن هو وصية رسول الله إلى جميع المسلمين، فقد أوصى به معاذ بن جبل حينما بعثه إلى اليمن والياً، وقاضياً، وداعياً إلى اللَّه فقال له: ((.. وخالق الناس بخلق حسن))( ).
تاسعاً: الخلق الحسن ذو أهمية بالغة؛ لأن اللَّه أمر به نبيه الكريم، وأثنى عليه به، وعظّم شأنه الرسول الأمين . قال اللَّه : خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْـجَاهِلِينَ ( )، وقال : وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ( )، وقال النبي : ((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق))( ).
وسئلت عائشة رضي الله عنها عن خُلُقِهِ فقالت: ((.. فإن خلق نبيكم كان القرآن))( ).
عاشراً: الخلق الحسن من أعظم الأساليب التي تجذب الناس إلى الإسلام، والهداية، والاستقامة؛ ولهذا من تتبَّع سيرة المصطفى وجد أنه كان يلازم الخلق الحسن في سائر أحواله وخاصة في دعوته إلى اللَّه تعالى، فأقبل الناس ودخلوا في دين اللَّه أفواجاً بفضل اللَّه تعالى ثم بفضل حسن خلقه ، فكم دخل في الإسلام بسبب خلقه العظيم.
إن صلاح الأمة وهدايتها والنهوض بها لا يكون سليماً نقياً إلا بالأخذ من المنبع الصافي، والبعد عن الأفكار الهدامة المنحرفة، والتزام المسلمين بالخلق الحسن ودعوة الناس إليه هو من هذا المنبـــــــع، وتطبيق ذلك على أنفسهم قبل الدعوة إليه، قال اللَّه : يَا أيُّها الَّذِينَ آَمَنُوا لِـمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ ( )؛ ولهذا أمر اللَّه بالعلم قبل العمل، وبالعمل قبل الدعوة إليه، فقال تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْـمُؤْمِنَاتِ ( )، وقال:وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِـحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْـحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ( )، فقدَّم العمل قبل الدعوة إلى الحق.
طرق اكتساب الخلق الحسن
الأسباب والوسائل التي يكتسب بها الخلق الحسن كثيرة، ولكن من أبرزها على سبيل المثال ما يأتي:
1 - التدريب العملي،والممارسة التطبيقية للأخلاق الحسنة ولو مع التكلّف في أول الأمر، وقسر النفس على غير ما تهوى؛ فالعلم بالتعلم والحلم بالتحلّم، والصبر بالتصبّر، والاستعفاف بالتعفّف، قال : ((ومن يستعفف يعفّه اللَّه ومن يستغن يُغنه اللَّه، ومن يتصبّر يُصبِّره اللَّه))( ).
2 - الغمس في البيئة الصالحة؛ لأن من طبيعة الإنسان أن يكتسب من البيئة التي ينغمس فيها ويعيش مع أهلها، فيكتسب ما لديهم من أخلاق، وعادات، وتقاليد، وأنواع سلوك عن طريق المحاكاة والتقليد، وبذلك تتم العدوى النافعة، ولهذا قيل: إن الطبع للطبع يسرق، وأعظم من ذلك توجيه النبي وبيانه أن الجليس الصالح كحامل المسك إما أن تبتاع منه أو تجد منه ريحاً طيبة( ).
ولاشك أن الرجل على دين خليله، فلينظر كل مسلم من يخالل( )؛ ولهذا قال النبي : ((الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ))( ).


فروع الخلق الحسن
فروع حسن الخلق كثيرة جداً فهو يشمل: العلم، والحلم، والأناة، والحكمة، والجود والكرم، والعفو، والصفح، والرفق واللين، والصبر والعزيمة، والثبات، والعدل، والإنصاف، والصدق والإخلاص، والبر، والوفاء، والإيثار والرحمة، والتواضع، والزهد، والكيس والنشاط، والسماحة، والمروءة، والشجاعة، والأمانة، وحفظ السر، والورع، واليقين، والتوكل... وهذا مفهوم واسع لا يتسع له هذا المبحث، وسيأتي بعض هذه الأخلاق في المباحث الآتية.

الجود والكرم
الجود والكرم خُلقٌ عظيم وهو على عشر مراتب على النحو الآتي:
1 - الجود بالنفس وهو أَعْلى مراتب الجود.
2- الجود بالرياسة، فيحمل الجواد جوده على الجود برياسته والإيثار في قضاء حاجات الناس.
3 - الجود براحته، فيجود بها تعباً في مصلحة غيره.
4 - الجود بالعلم وبذله وهو من أعلى مراتب الجود،وهو أفضل من المال.
5 - الجود بالنفع بالجاه كالشفاعة وغيرها.
6 - الجود بنفع البدن على اختلاف أنواعه، فكل يوم تعدل فيه بين اثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته فترفع متاعه عليها أو تحمله عليها صدقة، والكلمة الطيبة صدقة.
7 - الجود بالعرض، كمن يعفو عمن اغتابه، أو سبّه، ونال من عرضه، كما فعل أبو ضمضم( ).
8 - الجود بالصبر،والاحتمال،وكظم الغيظ،وهذا أنفع من الجود بالمال.
9 - الجود بالخلق الحسن، والبشاشة، والبسطة، وهو فوق الجود بالصبر.
10 - الجود بترك ما في أيدي الناس عليهم فلا يلتفت إليه.
ولكل مرتبة من الجود مزيد وتأثير خاص في القلب، واللَّه سبحانه قد ضمن المزيد للجواد والإتلاف للممسك، واللَّه المستعان( ).
وكل أنواع الجود والكرم ينبغي للدعاة أن يتحلوا بها في دعوتهم، ومن الصور العظيمة لتطبيق الجود والكرم ما فعله رسول اللَّه ومن ذلك:
عن أنس قال: ما سئل رسول اللَّه على الإسلام شيئاً إلا أعطاهُ، قال: فجاءه رجل فأعطاه غنماً بين جبلين فرجع إلى قومه فقال: يا قومي أسلموا فإن محمداً يعطي عطاءً لا يخشى الفاقة ( ).
وهذا الموقف الحكيم العظيم يدلّ على عظم سخاء النبي ، وغزارة جوده( ).
وكان يعطي العطاء ابتغاء مرضاة اللَّه وترغيباً للناس في الإسلام، وتأليفاً لقلوبهم، وقد يُظهر الرجل إسلامه أولاً للدنيا ثم - بفضل اللَّه تعالى، ثم بفضل النبي ونور الإسلام - لا يلبث إلا قليلاً حتى ينشرح صدره للإسلام بحقيقة الإيمان، ويتمكّن من قلبه، فيكون أحب إليه من الدنيا وما فيها( ).
ولهذا شواهد كثيرة، منها: ما رواه مسلم في صحيحه أن النبي غزا غزوة الفتح - فتح مكة - ثم خرج بمن معه من المسلمين فاقتتلوا بحنين، فنصر اللَّه دينه والمسلمين، وأعطى رسول اللَّه يومئذ صفوان بن أمية مائة من الغنم، ثم مائة، ثم مائة، قال صفوان: واللَّه لقد أعطاني رسول اللَّه ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إليّ، فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إليّ( ).
وقال أنس : ((إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها))( ).
وإذا رأى النبي الرجل ضعيف الإيمان، فقد كان يجزل له في العطاء، قال : ((إني لأعطي الرجل وغيره أحبّ إليّ منه خشية أن يُكبَّ في النار على وجهه))( )؛ ولذلك كان ((يعطي رجالاً من قريش المائة من الإبل))( ).
ومن مواقفه الحكيمة العظيمة في ذلك ما فعله مع المرأة المشركة صاحبة المزادتين( )، فإنه بعد أن أسقى أصحابه من مزادتيها، ورجعت المزادتان أشد ملاءةً منها حين ابتدأ فيها قال لأصحابه: ((اجمعوا لها))، فجمعوا لها - من بين عجوةٍ، ودقيقةٍ وسويقةٍ - حتى جمعوا لها طعاماً كثيراً وجعلوه في ثوب، وحملوها على بعيرها، ووضعوا الثوب بين يديها، فقال لها : ((اذهبي فأطعمي هذا عيالك، تعلمين واللَّه ما رزأناك( ) من مائك شيئاً، ولكن اللَّه هو الذي أسقانا)).
وفي القصة أنها رجعت إلى قومها فقالت: لقيت أسحر الناس، أو هو نبي كما زعموا، فهدى اللَّه ذلك الصرم( ) بتلك المرأة، فأسلمت وأسلموا( ).
وفي رواية: فكان المسلمون بعد ذلك يغيرون على من حولها من المشركين ولا يصيبون ذلك الصرم الذي هي فيه، فقالت يوماً لقومها: ما أرى أن هؤلاء القوم يدعونكم عمداً، فهل لكم في الإسلام؟ فأطاعوها، فدخلوا في الإسلام( ).
وقد كان سبب إسلام هذه المرأة أمران:
الأمر الأول: ما رأته من أخذ النبي وأصحابه من مزادتيها ولم ينقص ذلك من مائها شيئاً، وهذا من معجزات النبي الّتي تدل على صدق رسالته.
الأمر الثاني: كرم النبي حينما أمر أصحابه أن يجمعوا لها، فجمعوا لها طعاماً كثيراً.
أما قومها، فقد أسلموا على يديها؛ لأن المسلمين صاروا يراعون قومها بإقرار النبي على سبيل الاستئلاف لهم، حتى كان ذلك سبباً لإسلامهم( ).
وهذه الأمثلة التي سُقْتُها ما هي إلا قطرة من بحر من كرم النبي ، فما أحوجنا، وما أولى جميع الدعاة إلى اللَّه إلى الاقتداء بالنبي والاقتباس من نوره وهديه في دعوته وفي أموره كلها، واللَّه المستعان.



جاء الإسلام ليهذب السلوك والأخلاق ويدعو  المسلم إلى حسن التعامل مع من حولة بطريقة حسنة وراقية وحضارية وجعل ذلك التعامل الحسن من العبادات العظيمة ورتب عليها سبحانه وتعالى عظيم الأجر وأجزل الثواب ففي جانب الكلمة أمر الله تعالى عباده أن يتخيروا من الألفاظ أحسنها ، ومن الكلمات أجملها عند حديث بعضهم لبعض حتى تشيع الألفة والمودة ، وتندفع أسباب الهجر والقطيعة والعداوة ، فقال الله تعالى : (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً) (الإسراء:53) ولم يبح الله عز وجل لعباده الجهر بالسوء إلا في أحوال محددة كحالة التظلم فقال: ( لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً) (النساء:148) وفي التعامل الأسري في البيت المسلم أمر الإسلام بالمودة والرحمة كأساس لبناء الحياة بين الزوجين والأبناء والآباء قال تعالى ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً  إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم:21) وفي جانب التعامل في المجتمع المسلم بين الجيران والأقارب والضيوف الأرحام جعل الإسلام المعاملة الحسنة علامة على قوة الإيمان وقرب العبد من ربه قال صلى الله عليه وسلم (  مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ )(البخاري)  وعن  أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن قيل من يا رسول الله قال الذي لا يأمن جاره بوائقه )) رواه البخاري .

ولئن كانت الأخلاق في المفهوم الإسلامي تتجاوز الناحية الشكلية إلى أعماق النفس الإنسانية ؛ لأنها أخلاق تطهير وليست أخلاق تجميل، فإن أعظم ما يتزين به المسلم بعد استقرار الإيمان بالله تعالى في قلبه: التحلي بالأخلاق الفاضلة، والتعلق بآدابها وإلزاماتها السلوكية فهي "تطعيم وتجميل لكل ما يتعلق بالعقائد والعبادات والمعاملات"، بحيث يشمل الخلق كل جوانب السلوك الإنساني، وهو أعظم ما أعطي العبد من النعم، يقول الرسول r لما سُئل: "ما خير ما أعطي العبد؟ قال: خلق حسن"؛ وذلك لأنه يُزين الإنسان، ويضفي عليه قدراً من الجمال، خاصة الفتاة: فإن الأخلاق تسبغ عليها جمالاً وبهاء، وفوق كل ذلك فإن الأخلاق الحسنة من أهم الصفات التي تُميِّز الإنسان عن البهائم.
إن الخلق الحسن ضروري للفتيات المسلمات، فهو مع كونه فطرة فيهن، يملن إليه بطبعهن أكثر من الذكور، فإن التوجيهات النبوية الكثيرة جاءت لتؤكد أهمية الخلق الحسن لهن، وأنه شعار الصالحات منهن، وأفضل ما تزيَّنَّ به، فقال عليه الصلاة والسلام:( الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة) فجعلها من خلال خلقها الحسن: أسمى ملذات الحياة الدنيا، وأعلاها على الإطلاق، ورشَّحها للراغبين في النكاح، لتستحوذ بأخلاقها الفاضلة على مراتب الجميلات، وذوات الأحساب والمال، فقال عليه الصلاة والسلام:(…. فخذ ذات الدين والخلق تربت يمينك).
ولعل مما يشير إلى أهمية الخلق للفتيات، وعلاقته بصورة خاصة بمسائل الزواج: أنه في عام 1907م "صدر في نيويورك قانون يفرض على النساء تقديم شهادة خطية تحمل القَسَم بالنسبة إلى السن وحسن السلوك والأخلاق قبل الزواج".
ضرورة الأخلاق لراحة الفتاة النفسية
يلتزم الإنسان المادي ببعض القيم الخلقية التي تُحقق له مكاسب دنيوية، ويُغفل القيم التي ليس لها مردود مادي. وهذا السلوك في غاية القصور؛ إذ إن من أعظم آثار الالتزام الخلقي في حياة الفرد: تحقيق السعادة النفسية، التي يهدف إليها عامة الخلق من :الأمن، والرضا، وراحة القلب، والخلو من التوترات العصبية الزائدة، والاستمتاع بالحياة، والاعتدال في تلبية متطلبات الجسم والروح، والتوافق مع الناس، وهذه الآثار لا يمكن أن تتحقق لنفس تنكَّبت نهج السلوك الحسن، والخلق السوي حيث تملؤها الأحقاد والتوترات، والانفعالات النفسية الحادة، وسرعة الغضب، والسلبية، وكثرة النسيان، ومن المعلوم أن كثرة الانفعالات وشدّتها" تؤثر تأثيراً بالغ الضرر على مختلف الوظائف والعمليات العقلية للفرد كالإدراك والتذكر والتفكير"، وقد قيل: "الخلق السيء يضيِّق قلب صاحبه؛ لأنه لا يسع فيه غير مراده، كالمكان الضيق لا يسع غير صاحبه".
إن استيعاب الفتاة المسلمة لهذا التصور، وعلمها بأن المرأة الصالحة السوية الخلق من السعادة الدنيوية: يشعرها بأهمية الأخلاق الشخصية وضرورتها لاستقرار حياتها، واطمئنانها، وتحقيق السعادة في الحياة الدنيا، والأجر والثواب في الآخرة.
أهمية الأخلاق لاتزان الفتاة السلوكي
تكثر التوترات في مرحلة الشباب، وفترة التوجه نحو النضج، حيث يصاحبها شيء من التصرفات الصاخبة، والارتباكات، وعدم التوازن، وذلك بسبب التغيرات والتطورات الجسمية والنفسية والعقلية المصاحبة لعملية النمو.
وهذا الطبع قد لا يكون شاذاً، ولا مستنكراً؛ فإن التفلت من الالتزامات الخلقية في بعض الأحيان لا يعد سلوكاً غريباً على الطبع الإنساني، وإنما المستنكر أن يكون هذا الطبع خلقاً دائماً لا يكاد ينفك عنه صاحبه، وعندئذٍ يصبح مرضاً يحتاج إلى علاج.
والفتاة أحوج ما تكون للاتزان السلوكي؛ وذلك لطبيعة المهمات الاجتماعية والتربوية التي تتهيأ للقيام بها، والتي قد تستدعي شيئاً من الإثارة، التي قد تخرج الفتاة عن نهج الاتزان.
وللأخلاق الإسلامية في شخصية الفتاة المسلمة أهميتها وضروريتها: لتحقيق جانب الاتزان في سلوكها؛ فالسلوك "هو مفتاح شخصية الإنسان؛ لأنه ترجمانها ولسان حالها، والمعبر عما في مكنوناتها، والكاشف عن خباياها، والناطق بأسرارها، وهو القالب المحسوس الذي تتجسد فيه المشاعر والأحاسيس، والعواطف والانفعالات.. وهو الإطار الذي تتحدد فيه ملامح النضج العقلي والنفسي والاجتماعي، فإذا رسخت الأخلاق – من خلال التربية الإسلامية – في طباع الفتاة، وتشربت بها نفسها: كان الاعتدال السلوكي نهجها، فإن الثابت ميدانياً: أن الفتيات المتدينات أكثر اتزاناً، وانضباطاً من غيرهن".
تعريف الفتاة أهمية التحلي بالأخلاق الحسنة
الأخلاق أخص أوصاف الإنسان، وهي "الأصل في كل عمل، وحسنُها هو الأصل في كل نفع، وما الفعاليات الإنسانية الأخرى إلا فروع لها"، والمتأمل في النصوص الكثيرة الواردة في فضل الأخلاق، ومكانتها في التصور الإسلامي: لا بد أن يقتنع بسموِّها، وضرورة التزامها، حتى وإن ضعفت به العزيمة عن ممارستها في سلوكه، فمن هذه النصوص قول الله تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [النحل:90] وقوله عليه الصلاة والسلام:(إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً), وقوله:(ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق), وبيَّن r أن الأخلاق الفاضلة محبوبة لله تعالى، وأن الساقط منها مبغوض عنده U حيث قال r :(إن الله كريم يحب الكرم ومعالي الأخلاق ويبغض سفسافها), فجعل الأخلاق الفاضلة أعظم ما يحرص عليه المسلم بعد الإيمان، وأغلى ما يدخره لنفسه عند ربه U ، وخص u المرأة بحسن الخلق حين سئل:(أي النساء خير؟ قال: التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره),فربط عليه الصلاة والسلام بين جمال الظاهر في حسن الخلْقة، وبين جمال الباطن بحسن الخُلُق، وهذا أكمل ما يكون من الفتاة، فإن هناك علاقة بين الجمالين حيث يتشابهان في الحسن والقبح، فإذا لم يحصل التشابه بينهما فإن جمال الباطن يزين الصورة الظاهرة ويُجمِّلها، حتى وإن لم تكن جميلة، وفي الجانب الآخر حذر عليه الصلاة والسلام من سوء الخلق، حيث قال فيما روي عنه: "الشؤم سوء الخلق"، ورُوي عنه في تصنيف أخلاق النساء أنه قال: "النساء على ثلاثة أصناف: صنف كالوعاء تحمل وتضع، وصنف كالعرِّ وهو الجَرَبُ،  وصنف ودودٌ ولودٌ مسلمة تُعين زوجها على إيمانه، وهي خير له من الكنز".
إن من الضروري لضمان تطبيق الأخلاق الفاضلة، وتجنب الأخلاق المذمومة: أن يحصل للفتاة القناعة الكاملة بضرورة هذه الأخلاق، وأهميتها لحياتها، وضروريتها لكمال شخصيتها، وحاجتها الملحة للأخذ بها، فإن مجرَّد استيعابها لهذه النصوص، والعلم بها: لا يكفي لدفعها نحو التطبيق، فكم ممن يدرك الخير ويعرفه، ثم لا يسعى إليه ولا يأخذ به، لهذا فإن من الضروروي حصول القناعة العقلية بأهمية الأخلاق الحسنة، وضرر الأخلاق السيئة، فإن تكوين الأخلاق لا يتم إلا بعد حصول هذه القناعة الراسخة، بحيث يصبح السلوك الخلقي الفاضل: قاعدة مقبولة، والسلوك الخلقي الساقط: سُقماً نفسياً يحتاج إلى علاج، ومن ثمَّ يحصل الميل النفسي نحو الفعل الخلقي الصائب، ثم الممارسة والتكرار، حتى يصبح الخلق سجيَّة في النفس يصدر عنها دون تكلُّف.


Post a Comment

Previous Post Next Post