أدُب في اللغة بمعنى راض نفسك على المحاسن، وأدَّبه: راضه على محاسن الأخلاق، ولقنه فنون الأدب، وجازاه على إساءته. وتأدب بمعنى، تعلم الأدب، ويقال: تأدب بأدب القرآن أو بأدب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). والأدب: رياضة النفس بالتعليم والتهذيب على ما ينبغي. والأديب: هو الآخذ بمحاسن- الأخلاق، والحاذق بالأدب وفنونه، ويقال: قيمة أدبية: بمعنى تقدير معنوي (غير مادي) ومنه: مركز أدبي، وشجاعة أدبية، وكسب أدبي، وموت أدبي. يقول الشاعر:

ليس من مات فاستراح بميِّتٍ              إنما الميْتُ ميِّتُ الأحياء

وللآداب الاجتماعية صلة وثقة بأفكار الأمم وعقائدها، وهي تجسيد عملي لقيمها ومُثُلها، فالأخلاق هي التي تحدد شكل السلوك، وتجعله متوافقا مع عقيدة الأمة، مترجمة مُثلها إلى آداب تلتزمها الأمة فتنعم بالسعادة في ظلالها وتسمو بالتمسك بها:

وإنما الأمم الأخلاقُ ما بقيتْ    فإن هُمو ذهبتُْ أخلاقهم ذهبوا

وتمتاز الآداب الاسلامية عن غيرها بالخصائص التالية:

أ- بالشمول: وأعني بالشمول: استغراق الاسلام لكل أحوال المسلم صغيرها وكبيرها، في الفرد، والاسرة، والمجتمع- كما وأن وجوب التخلق بأدب الاسلام يشمل كل المسلمين كباراً وصغاراً ذكوراً وإناثاً.

ب- بالثبات: فأدب السلوك الاجتماعي ثابت بثبوت قِيَم الاسلام ومُثله. وثابت: بثبوت سنة رسول الله صلى الله عليه آله وسلم، باعتبارها المرجع التطبيقي لخلق القرآن- فلقد كان (صلى الله عليه وآله وسلم خلقه القرآن) فالاستئذان والسلام والمصافحة التيامن والصدق في المزاح وغيرها من آداب الاسلام ثابتة لا تتغير بتغيير الزمان أو المكان.

جـ- بالغيْريَّة: ان المتتبع لآداب الاسلام، يرى أنها تُربي

(9)

المسلم على الاهتمام بالغير، فهي بمجموعها تهدف لتحقيق سعادة الناس كل الناس، ذلك بحرصها ومحافظتها على راحتهم وكرامتهم وحريتهم، لأنَّ الحرية في نظر الإسلام مصونة ما دامت في حدود المشروع، وما دامت لا تمس حرية الآخرين.


د- بالطوعية: فالمسلم الحق يُقبل على التزام آداب الاسلام برغبة ذاتية ابتغاء مرضاة الله تعالى، وأستجابة لأمره (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) الاحزاب 21، وهو لا يلتفت لما يستحدث في الغرب أو الشرق ما عادات ومسالك تتناقض في معظمها مع الاسلام، إلا بما يراه منسجماً منها مع روح الاسلام. هذه الرغبة الذاتية في طلب ورضاء الله تعالى هي سر نجاح هذه الأمة في ماضيها المشرق الزاهر ومستقبلها المنشود.

ومن المؤسف- بل ومن الخطورة بمكان: أن يبتعد بعض المسلمين عن التأدُّب بأدب الاسلام، ويقبلوا على تقليد آداب الغب الفاسد والشرق الملحد، ظناً  منهم أنها طريق  الرقي والتقدم، ناسين أن التقدم لا يكون إلا بعد

(10)

الثقة بالنفس، والاعتزاز بالقيم، ثم بالأخذ بأسبساب العلم التفوق فيه.

ولقد آنست بنفسي شعوراً بحاجة المسلمين إلى كتيب، يجمع آداب الإسلام مبسطة ومرتبة بايجاز، يلبي حاجتهم اليومية والمعاشية، مما شجعني على جمع هذه الباقة الطيبة من الآداب السامية، لأضعها بين يدي القارىء الكريم، سائلاً المولى تعالى: أن لا يؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، وأن يُخَلقنا بأدب الإسلام كما طبقه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مجتمعنا متميزا بلغ بهم أوج الحضارة والمجد والسيادة، والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.

(11)

(الأدب مع الله تعالى)

إذا كان التأديب مع أصحاب الفضل واجباً، فإن من أوجب الواجبات، التأديب مع الله تعالى المتفضل الأعظم بنعمة التي لا تحصى (وإن تعدوا نعمة الله لا  تُحصوها) النحل 18 ويتمثل الأدب مع الله جل وعلا بما يلي:

1- العبادة: وهي الخضوع والانقياد لله تعالى على وجه التعظيم، وعبد الله عبادة وعبودية: انقاد له وخوضع وذل- فالعبادة بهذا المعنى ليست مقصورة على الصوم والصلاة والحج والزكاة- إنما هي بمعناها الواسع: أن يبتغي المسلم رضاء الله تعالى في كل من أعماله، وأن ينسجم مع منهج الله في كل مسلك من مسالكه- ولما كانت العبادة بهذا الشمول، فقد جعلها الله تعالى غاية الوجود فقال (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) الذاريات 56.

ولقد عبر الفقهاء عن هذه الفكرة بقولهم- النية الصالحة تقلب العادة عبادة-، فطعامنا بنية التقوي على طاعة الله عبادة، والتعليم لخدمة المسلمين عبادة، والجهاد لاعلاءكلمة الله عبادة، وإماطة الأذى عن الطريق عبادة وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما


(12)

لكل امرىء مانوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه) متفق عليه.

2- الطاعة: وتكون باتباع أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه ولقد فسر بعض العلماء الطاعة بالاستقامة على منهج  الله تعالى (فاستقم كما أمرت) هود- وقال تعالى (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون) فصلت 30 والطاعة ودليل صدق المحبة، والمعصية دليل على عدم الصدق في المحبة، وقديماً قيل: : إن المحبة لمن يحب مطيع لذا فقد وعد الله أحبابه الطائعين بالجنة لمن يحب مطيع لذا فقد عد الله أحبابه الطائعين بالجنة فقال تعالى (ومن يطع الله ورسوله فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا) النساء69- ولم يكتف الله تعالى بأن قرن محبته مع محبة نبيه محمد صلى الله عليه سلم، بل نص صراحة على وجب اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم  بقوله: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) الحشر 7 ذلكم أمر الله وما على الصادقين في

(13)

محبتهم لله تعالي إلا طاعته، باتباع نبيه صلى الله عليه وسلم استجابة لله تعالى، وكسبا لمحبته- قال تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: (قل أن كنتم تحبون ا لله فاتبعوني يحببكم الله يغفر لكم) آل عمران 13.

3- الحياءُ: من أهم مظاهر التأدب مع الله تعالى، والحياءُ: لغة الاحتشام، ومعناه عدم الظهور أو الرضا بمظهر مخالف لشرع الله، أو عدم المجاهرة بمعصيته. وقد عرَّفه بعض العلماء بقوله: الحياء خلق يبعث على ترك القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق. وعرفه آخرون بأنه: تحرج من فعل مالا ينبغي. عن عمران ابن الحصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحياء لا يأتي إلا بخير) متفق عليه. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد  حياء من العذراء في خدرها، فإذا  رأى شيئا يكرهه عرفناه في وجهه)- رواه مسلم- متفق عليه.

قال السمرقندي حدثنا الخليل بن أحمد حدثنا  الماسرجسي حدثنا جرير عن منصور عن ربعي بن خراش عن عقبة ابن عامر رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى:

(14)

(إذا لم تستح فاصنع ماشئت). رواه البخاري.

ولقد شرح رسول الله صلى الله عليه وسلم الحياء بحديث رواه ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (استحيوا من الله حق الحياء.

قلنا إنا نستحيي من الله يا رسول الله والحمد لله قال:

ليس ذلك. الاستحياء من الله حق الحياء: أن تحفظ الرأس وما وعى البطن وما حوى، وتذْكُرِ الموت والبلى ومن أراد  الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا، وآثر الآخرة على الأولى، فمن فعل ذلك فقد استحيى من الله حق الحياء)- رواه الترمذي.

وعن عطاء أنه قال: (مر النبي صلى الله عليه وآله وسلم برجل يغتسل فقال: يا أيها الناس إن الله حيي حليم ستار ويحب الحياء والستر فإذا اغتسل أحدكم فليتوار عن أعين الناس).

وقد قسم أبو الليثث السمرقندي الحياء إلى نوعين فقال: الحياء علي وجهين حياء فيما بينك وبين الناس وحياء فيما بينك وبين الله تعالى- فأما الحياء الذي بينك وبين الناس: أن تغض بصرك عما لا يحل لك.

وأما الحياء الذي بينك وبين الله تعالى: أن تعرف نعمته فتستحيي أن تعصيه. وروي عن عمر رضي الله عنه (أنه دخل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فوجده يبكي فقال: ما يبكيك يا رسول الله قال: أخبرني جبريل عليه السلام.

أن الله يستحيي من عبد يشيب في الاسلام أن يعذبه، أفلا يستحيي الشيخ من الله أن يذنب بعد ما شاب في الاسلام).

4- الشكر على النعم: وصحة الشكر أن يفرح المسلم بالمنعم المتفضل لا بالنعمة والانعام- والشكر إما أن يكون بالقلب أو باللسان أو بالجوارح:

أ- أما شكر القلب: فيكون بأن تضمر الخير لكافة المخلوقات (فالخلق كلهم عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله).

ب- أمر شكر اللسان: فيكون بالحمد والثناء على الله تعالى المتفضل الأعظم، وبدوام الذكر والدعاء والتسبيح.

جـ- أما الشكر الجوارح: فيكون باستعمالها في طاعة الله سبحانه وتعالى، وعدم الاستعانة بها في معصيته، فشكر نعمة البصر يكون بغضه عن محارم الله تعالى، وشكر نعمة اللسان يكون  بكفه عن الغيبة والنميمة، وشكر

(16)

نعمة القوة يكون بالانتصار للمظلومين والجهاد في سبيل الله، وشكر نعمة الثراء يكون بأداء حق المحتاجين، وشك نعمة الجاه يكون بمساعدة المستضعفين- ففي الآية (وإذ تأذَّن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم) ابراهيم 7.

5- التسليم الكامل لله والرضا بقضائه وقدره والصبر حين ابتلائه- ففي الحديث (لوتو كلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خصاماً وتروح بطاناً) وفي الآية (وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قولوا إنا لله وإنا إليه راجعون) البقرة 156.

وإ خير حديث في ذلك: حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يا غلام إني أعلمك كلمات: إحفظ الله يحفظك إحفظ الله تجده تُجاهك- إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف). رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح

(17)

(آداب الاستئذان)

الاستئذان من الأدب الاجتماعي الذي أمرنا الله أن نتخلق به في حياتنا الاجتماعية، وهو: طلب الإذن ممن نودٌّ زيارته، حتى لا يفاجأ بزيارتنا له في وقت  قد يكون منشغلا فيه بواجبات أخرى، أو قد يكون في وضع لا يريد أن يراه عليه أحد- لذا فمن الكياسة واللياقة، أن نستأذن قبل الدخول على من نريد، مراعاة لحرمة الإنسان، وحفاظاً على شعوره أن يتأثر بالمفاجأة، وعلى حريته أن تقيد بزيارة غير متوقعة- فعن  سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما جعل الاستئذان من أجل البصر) متفق عليه.

والاستئذان مطلوب مع أقرب الأقربين- فقد روى سعد عن زيد بن أسامة عن عطاء: أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم (أأستأْذن على أمي. قال: نعم.

فأمر أن يُستأذن عليها)- حديث مرسل باسناد جيد ورد في الموطأ.

ويجب الاستئذان على الكبار، ومن بلغ سن الوعي من الأطفال، لقوله تعالى (فإذا بلغ الأطفال منكم الحلم

فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم) النور 59.

كما يجب استئذان الأطفال الصغار والخدم على ذويهم ثلاث مرات في اليوم، فهي أوقات محرمة تمنع الزيارة فيها على الكبار والتطواف على الصغار وهي:

أ- من قبل صلاة الفجر: فهو وقت النوم أو التهجد- كما يتحمل أن تكون الغرف مشغولة بالنائمين (وأن حضور زائر في هذا الوقت سيؤدي إلى ايقافهم واقلاق راحتهم.

ب- وقت القيلولة (أثناء الظهيرة): وهو وقت الراحة والتحلل من الألبسة الخارجية والنوم وسعد النهار.

ج- الوقت المتأخر من الليل: من بعد صلاة العشاء- لاحتمال النوم فيه.

تلك هي العورات الثلاثة التي عنتها الآية الكريمة، فلقد نظم الإسلام وقت المسلم- فجعل وقتاً للعمل، ووقتاً للراحة ووقتاً للعبادة، ووقتاً للالتزامات الأخرى، وأوصى أن لا يطغى وقت على وقت، ولا حق على حق (فآت كل ذي حق حقه) ومن حق الإنسان أن يرتاح ليستأنف عمله وعبادته بنشاط، ولا يحقّ لأحد كائنا من

(19)

 كان، أن يحرمه هذا الحق، حتى أطفاله الصغار، وخدمه الخاصين، إلا حين الضرورة وبعد استئذان.

لذا كان من أدب الاسلام: أن نبتعد عن زيارة بعضنا بعضاً في هذه الأوقات الثلاثة، استجابة لأمر الله تعالى:

(يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم، والذين لم يبلغوا الحلم منكم، ثلاث مرات: من قبل صلاة الفجر، وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة، ومن بعد صلاة العشاء، ثلاث عورات لكم، ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن، طوافون عليكم بعضكم على بعض، كذلك يبين الله لكم  آياته، والله عليم حكيم) (النور 58).

والمقصود بالأطفال الذين لم يبلغوا الحلم: هم الذين، لم يبلغوا سن البلوغ- أما الذين لم يبلغوا سن الوعي والادراك، فلا بأس بدخولهم والمبيت مع والديهم- وأما ملك اليمين: فهم الخدم المملكون (الأرقاء) وهؤلاء لا وجود لهم في عصرنا الحاضر- أما خدم هذا العصر فهم أجانب، لا يجوز التكشف أمامهم أو أمامهنَّ، ولا الخلوة بهم أو بهنَّ،  ولا السماح لهم بالدخول دون أستئذان في أي وقت كان.

(20)

(كيفيّة الاستئذان)

1- يطرق المستأذن باب من يرغب زيارته بلطف، أو يرن الجرس ثم يقف بجانب الباب لا يواجهه خشية أن يفتح الباب فينكشف له من بداخل. فعن عبدالله ابن بسر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تأتوا البيوت في أبوابها- أي من مواجهتها- ولكن ائتوها من جوانبها، فاستأذنوا فإن أذن لكم فادخلوا، وإلا: فارجعوا) رواه الطبري في الترغيب والترهيب.

2- بعد طرق الباب ينتظر المستأذن مدة ركعتين، ثم يطرقه ثانية، وينتظر مدة ركعتين، لاحتمال أن يكن صاحب البيت في صلاة، ثم يطرقه الثالثة، فإن لم يُحب: ينصف. لحديث أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الاستئذان ثلاث فإن أذن لك، وإلا فارجع) متفق عليه.

3- فإن أجيب وسئل من الطارق فليذكر اسمه، وما يكنى به، ولا يجيب بكلمة- أنا- لغموضها. فعن جابر، رضي الله عنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فدققت الباب. فقال: من: فقلت أنا. فقال صلى الله عليه وسلم أنا أنا كأنه كرهها).  متفق عليه.

(21)

4- فإن استأنس بوجد أحد من أهل البيت فليسلم عليه، ثم يستأذن بالدخول. فعن كلدة بن الحنبل رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدخلت عليه، ولم أسلِّم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ارجع فقل السلام عليكم أأدخل). رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن. فإن أذن له دخل، وإن اعتذر إليه فليرجع وهو راضي النفس، استجابة لأمر الله تعالى (يا أيها الذين الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتكم، حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها، ذلكم خير لكم لعلكم تذكَّرون فإن لم تجدوا فيها أحدا، فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم، وإن قيل لكم ارجرعوا فارجعوا هو أذكى لكم، والله بما تعملون عليم) النور 27، 28.

5- ومن أدب الاستئذان: الدخول من المدخل الطبيعي للبيت- من بابه لا من نافذته ولا يتسلق  جداره سوره كما يحدث في بعض القرى والمزارع لقوله تعالى (وأتوا البيت من أبوابها). (البقرة 189)

6- ومن أدب الاستئذان: أن يتلفظ المستأذن بكلمات تشعر من في البيت بوصوله كأن يقول: يالله، إلى أين، وغيرها، وأن يتريث بالدخول ريثما تمكن صاحب

(22)

البيت من الاستعداد لاستقباله وفتح الطريق له.

7- ومن الأدب: الاعتذا من الدخول إذا لم يجد صاحبه، البيت ولو كان قريبه أو صديقه- إلا إذا كان صاحب البيت قد أصى بإدخاله ريثما يحضر وكانت غرفة  الضيوف  منعزلة أو وجد من يستقبله من أولاد صاحب البيت أو محارم زوجته، وذلك درءاً للشبهات، وقطعاً لألسنة المغرضين من أن تشكك في هذه الزيارة، وابتعاد  عن الخلوة بأجنبية، والتي نها عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار:  يا سول الله أرأيت الحمو قال: الحمو الموت).

(والحمو: قريب الزوج من غير المحارم كالأبناء والآباء والأخوة) وذهب الماوردي إلى أن دخول المقصود بالحمو- أبو الزوج- وحكمة ذلك: أن دخول أقارب الزوج على زوج قريبم أبعد للشبهة وأدعى للفتنه، فقد يكون الحمو أجمل وألطف أو أكرم من الزوج، أو أنه ميسور والزوج في فاقه، أو أنه يتمتع بصفات محببة إلى زوجة قريبة، فمع استمرار الصلة الصلة دون عوائق يحدث الميل (سيما إذا تقصد الحمو إستمالة هذه الزوجة) هذه الزوجة فإذا انعدم الورع وقعت الكارثة، وسيطر الشيطان، وكان الابتلاء الشديد فتنقطع أواصر القربى وتتمزق صلة الرحم- لذا فقد سد رسول الله صلى الله عليه وسلم مداخل الشيطان بقوله (عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دع ما يريبك إلى ما يريبك) رواه الترمذي- حديث حسن صحيح.

(24)

(آداب السَّلام)

السلام أدب اجتماعي به يبدأ المرء قومه حين يلقاهم للتعبير عن حبه وتمنياته الطيبة لهم بحياة عزيزة كريمة.

والسلام: تحية، والحياة: تأتي بمعنى النمو والبقاء والمنفعة- والحيا: معناه الخطب والمطر. وكلمة حياك الله: تعني أبقاك الله، وقد اصطلحت كل أمة على عبارة أو إشارة، جعلتها رمزاً للتعبير عن التحية، وكان لفظ السلام عليكم: هو شعار المسلمين لتحية بعضهم بعضا، وقد عرَّف المروندي السلام بقوله: السلام: اسم من أسماء الله تعالى ومعناه: اسم الله عليك- أي: أنت من حفظ الله، ويأتي بمعنى السلامة- أي السلامة ملازمة لك.

ونظا لما في السلام من تحاب وترابط بين أفراد المجتمع. فقد حض رسول الله صلى الله عليه وسلم على إفشائه بين من نعرف ومن لا نعف- فقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أي الإسلام خير- قال: تطعم الطعام تقرىء السلام على من تعرف ومن لا تعرف).- رواه البخاري ومسلم وأبو داود.

كما جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم سبيلا لدخول

(25)

الجنة- باعتباره وسيلة التحاب، والتحاب دليل الايمان، وجزاء الايمان الجنة. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال سول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم: أفشوا السلام بينكم). رواه مسلم،، والسلام بمثابة تنبيه للحاضرين لاستقبال القادم عليهم والترحيب به ومعرفة حاجته.

والسلام تحية المؤمنين منذ عهد آدم عليه السلام، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لما خلق الله آدم عليه السلام قال: اذهب فسلم على أولئك- نفر من الملائكة جلوس- فاستمع ما يحيونك فإنهها تحيتك وتحية ذريتك. فقال: السلام عليكم.

فقالوا: السلام عليك ورحمة الله- فزادوه ورحمة الله-) رواه البخاري ومسلم.

وإلقاء السلام سنة يثاب فاعلها، ورد واجب يأثم  الممتنع عن رده، فقد نقل العطاء: سئل أبو عبدالله أحمد ابن حنبل عن رجل مرَّ بجماعة فسلم عليهم فلم يردوا عليه  السلام فقال: يسرع في خطاه لئلا تلحقه اللعنة مع القوم.

(26)

ومن السنة أن يردَّ السلام على الفور دون تباطؤ.

إذا ألقي السلام على جماعة يصح أن يرد أحدهم نيابة عنهم-  كما يصح أن يلقي السلام فرد من جماعة نيابة عنهم، لحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يجزىء عن الجماعة مروا أن يسلم أحدهم، ويجزىء عن الجلوس أن يرد أحدهم). رواه أبو داود والبيهقي بإسناد حسن كما ورد في الجامع الصغير.

ويكون السلام بلفظ (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) ويصح مجزوءاً بلفظ السلام عليكم- أو السلام عليكم ورحمة الله، والأفضل أن يكون كاملا. فعن عمران بن الحصين قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم. فرد عليه السلام ثم جلس.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عشر (أي عشر حسنات) ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله. فرد عليه السلام فجلس فقال: عشرون. ثم جاء آخر فقال:  السلا م فجلس فقال: عشرون. ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله بركاته. فرد عليه السلام فجلس فقال ثلاثون). رواه أبو داود وقال حديث حسن.

أما رد السلام فيكون بعبارة (وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته) ويستحب أن يزيد على عباة المسلم، فإن قال: السلام عليكم. أجاب بزيادة ورحمة الله. وأن قال السلام وعليكم ورحمة الله، أضاف وبركاته. استجابة لأمر الله تعالى: (وإذا حُييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) النساء ثم لا بأس بعد الانتهاء من السلام أن نتبادل عبارات الترحيب مثل: مساك الله بالخير- و(كيف حالك. فيجيب: بخير.. أحمد الله. وإذا قال له أحد إني أحبك. يجيبه: أحبك الذي احببتني له). كما روى أبو داود والنسائي وقال حديث صحيح. ومن آداب السلام.

1-  إذا كان الجمع كبيراً  فيسن تكرار السلام ثلاثاً بحيث يعم الحضور الجهات كافة. فعن أنس  رضي الله  عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا حتى تفهم عنه، وإذا أتى على قوم فسلم عليهم سلم ثلاثا)- رواه البخاري.

2- من الأدب خفض الصوت بالسلام على قوم بينهم نيام- حتى لا نعكر نومهم فمن حديث طويل للمقداد:

(28)

(كنا نرفع للنبي صلى الله عليه وسلم نصيبه من اللبن فيجىء من الليل فيسلم تسليما لا يوقظ نائما ويسممع اليقظان). رواه مسلم.

3- ومن أدب الاسلام:ك (ما أمرنا به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا دخلت على أهلك فسلم عليهم تكن بركة عليك وعلى أهل بيتك). حديث حسن غريب. وإذا كان البيت خاليا من السكان، فسلم على نفسك بقولك (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) لقوله تعالى: (فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة) النور 91، وروى نافع عن ابن عمر  (كان إذا دخل  بيتا ليس فيه أحد قال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين). ولم يرد ابن عمر على نفسه.

اسناده جيد.

4- ولا بأس من الاشاة باليد أثناء السلام عن بعد- فقد روى عن أسماء بنت يزيد (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر في المسجد يوما، وعصبة من النساء قعود، فألوى بيده بالتسليم). رواه الترمذي حديث حسن.

5- ولا بأس بسلام الرجال على النساء، ولابسلام

(29)

النساء على الرجال، شريطة الاحتشام وغض الطرف وأمن الفتنة. جاء في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه عن أسماء بنت يزيد قالت: (مر علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة فسلم علينا). قال الترمذي حديث حسن.

وورد في صحيح مسلم عن أم هانىء بنت أبي طالب قالت: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وهو يغتسل وفاطمة تستره، فسلمت عليه فقال: من هذه. قلت: أم هانىء بنت أبي طالب. فقال: مرحباً بأم هانىء.

فلما فرغ من غسله قام فصلى) كما ثبت في صحيح مسلم أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما زارا أم أيمن وسلما عليها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد روى ابن الجوزي في الحلية عن الزبيدي عن عطاء الخرساني قال: ليس للنساء  سلام ولا عليهن سلام:

ولم يرفعه إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم.... ومما تقدم نخلص إلى النتائج التالية:

(أ) لا بأس بسلام رجال على امرأة متقدمة في السن لانتفاء الفتنة- أو على امرأة شابة اعتادت ملاقاة الرجال وكلامهم بحكم عملها كالموظفة مثلا في مكتبها، أو

(30)

البائعة في متجها، ولا بأس بسلام النساد على رجل في متجره.

(ب) لا بأس بسلام امرأة أو مجموعة نساء على مجموعة رجال، ولا بسلام رجال أو مجموعة رجال على مجموعة نساء.

(جـ) لا بأس بسلام المرأة على رجل بحضور محارمه، ولا بسلام رجل على امرأة بحضور محارمها، وهذا ما رآه الامام النووي في شرح صحيح مسلم:

(د) لا يجوز سلام رجل على امرأة شابة بمفردها خشية الفتنة- والله أعلم.

6- ومن أدب الاسلام أن يبدأ الاكب بالسلام على الماشي، والماشي على الواقف والقاعد، والقليل على الكثير والصغير على الكبير- لحديث أبي هريرة قال: قال (رسول الله صلى الله عليه وسلم: يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير) متفق عليه. وفي رواية البخاري: والصغير على الكبير.

7- إذا غادر المسلم أصحابه، ثم عاد فليسلم عليهم،

(31)

ولو لم يغب عن أنظارهم. لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه، ورذا حالت بينهما شجرة أو جدا أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه أيضا) رواه أبو داود. وليس معنى هذا أنه إذا سار اثنان يتحادثان وبينهما سلسال من الأشجار: أن يتبادلا السلام كلما اجتازا شجرة- بل المقصود أن يسلم إذا  ذهب لحاجة ثم عاد إلى صاحبه ولو لم يحتجب عنه.

8- يسن السلام على الصبيان: تقوية لشخصيتهم وتأليفاً لقلوبهم وذلك مما يساعد على توجيههم وإرشادهم.

فعن أنس رضي الله عنه أنه مر على صبيان فسلم عليهم وقال: (كان رسول الله صلى الله عليه سلم يفعله). متفق عليه. وفي رواية لمسلم (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على غلمان فلم عليهم)، وكذلك جاء في سنن أبي داود باسناد الصحيحين.

9- عبارة (السلام عليكم) شعار المسلمين في التحية هو خاص بهم دون غيرهم ولا مانع من القاء السلام على قوم أخلاط بينهم مسلمون، لحديث أسامة بن زيد (أن النبي صلى الله عليه سلم، مر على مجلس فيه أخلاط من

(32)

المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود، فسلم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم). متفق عليه.

10- يسن السلام حين الدخول إلى المجلس، وحين الخروج منه. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم، فإذا أراد أن يقوم فليسلم، فليست الأولى بأحق من الثانية). رواه أبو داود والترمذي، حديث حسن.

11- إذا لقي الأخ أخاه فليلقه بوجه بشوش، لقوله صلى الله عليه وسلم (لا تحتقرنَّ من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق). وليلم عليه وليصافحه، فعن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا) رواه أبو داود. وروى في الأثر (من أخلاق النبين والصديقين: البشاشة إذا تراءوا والمصافحة إذا تلاقوا).

12- إذا كان الزائر قادماً من سفر: فليقم إليه وليعانقه ويقبله، لحديث عائشة قالت: (قدم زيد بن حارثة

(33)

المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، فأتاه فقرع الباب فقام إليه صلى الله عليه وسلم يجر ثوبه فقرع الباب فقام إلي صلى الله عليه وسلم يجر ثوبه فاعتنقه وقبله). رواه الترمذي- حديث حسن.

أما تقبيل الرجل للمرأة الأجنبية فحرام بإجماع العلماء وأما تقبيل الرجل لمحارمه من النساء فجائز. ومن أدب الاسلام أن يكون التقبيل في الرأس أو الجبين. قال أسحق بن راهوية: ولكن لا يفعله على الفم أبداً، الجبهة أو الرأس، وقال الشيخ حسن أيوب: الثابت في تقبيل المرأة الكبيرة التي هي محم للرجل أن يقبلها في رأسها أو بين عينيها، ومنع الكثيرون تقبيل الخد إلا أن تكون أما أو بنتاً.

13- ليس من أدب الاسلام تقبيل المقيم أو الأمرد- الذي لم تنبت لحيته- أو جميل الصورة، فقد استند  الامام النووي بتحريم ذلك  إلى حديث أنس قال: (يا رسول الله: الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه، أينحني له.

قال: لا. أفيلتزمه ويقبله: قال: لا. ويصافحه- قال: نعم) رواه الترمذي- حديث حسن.

أما مصافحة الرجال للنساء من غير المحارم فقد ثبت

(34)

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أقبلت النساء على مصافحته أثناء البيعة: أنه أمتنع عن مصافحتهن وقال (إني لا أصافح البيعة: أنه أمتنع عن مصافحتهن وقال (إني لا أصافح النساء) حديث صحيح أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة. ومن الأدب أن يتأسى المسلمون برسول الله صلى الله عليه وسلم فيمتنعوا عن مصافحة النساء رفعاً من كرامة المرأة وليس امتهانا لها (كما يصوَّر أصحاب النوايا الخبيثة) وحرصاً على يدها من أن تدنسها يد إنسان وضيع بعيد عن خلق الاسلام.

14- وليس  من الأدب: السلام على المبتدعة ومرتكبي الكبائر وذلك استنكاراً لابتداعهم ومعصيتهم ولعلهم  يرجعون إلى الحق.

قال الإمام النووي في الأذكار: وأما المبتدع ومن ارتكب ذنباً  لم يتب عنه ينبغي أن لا نسلم عليه ولا نرد عليه السلام. وقال الامام البخاري: لا تسلموا علي شربة الخمر. فإن اضطر للسلام على الظلمة فدرءا لمفسدة أو مظلمة تصيبه فلا بأس بالسلام عليهم.

15- يكره السلام على من يقضي حاجته، فقد روي

(35)

وعن الامام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يردّ السلام على الذي سلم عليه وهو يبول.

كما يستحسن تأجيل السلام على من يتوضأ حتى ينتهي من وضوئه (فقد سلم أحد الصحابة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ فلم يرد عليه حتى انتهي  من وضوئه. قال صلى الله عليه وسلم:  إنه لا يمنعني أن أرد عليه السلام، إلا أنني كرهت أن أذكر الله عز وجل لا على طهارة) رواه ابن ماجة باسناد جيد وهذا دليل على أن من السنة أن يُبقي السلم على طهارته بشكل دائم.

16- وليس من المستحسن السلام على تالي القرآن أو الذاكر لئلا نشغله عن عبادته- أما السلام على المصلي فقد أجازه البعض لما ثبت في الحديث: أنه سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فرد السلام بالاشارة بيده فقط، وكرهه  بعضهم معتبرا أن حكم رد السلام باليد قد نسخ بعد نزول الآية الكريمة (وقوموا لله قانتين). البقرة 238.

كما يستحسن عدم السلام على المؤذن وخطيب الجمعة والمحاضر لئلا نشغله عن مهمته- فان سلام على المؤذن وجب الرد أثناء  الأذان، و لا يؤثر  على ذلك علي الأذان.

(36)

(أدب المجَالس)

تضم المجالس أصناف شتى من الناس ونماذج متنوعة من الأمزجة والعادات- تضم الكبير والصغير، والعالم  والجاهل، ورقيق الحس وغليظه- لذا كان لابد من سلوك لبق، وأدب اجتماعي مرن، يراعى فيه وضع جميع الجالسين، وكسب مودتهم. ولما كان الاسلام دين نظام اجتماعي متكامل لذا فقد تعرض لتنظيم حياة الناس وعلاقاتهم وأساليب الأدب والتعامل فيما بينهم فهو دين الرحمة بالانسانية (ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) الانبياء 107 وإليكم بعض هذه الآيات:

1- يستحب حين الدخل إلى المنزل أن تدعو بهذا الدعاء (اللهم إني أسألك خير المولج وخير المخرج بسم الله ولجنا وبسم الله خرجنا وعلى الله ربنا توكلنا) حديث صحيح أخرجه أبو داود.

2- إذا دخلت مجلساً عاما فسلم واجلس في آخر مكان خالٍ في المجلس. أو في المكان الذي يحدده لك صاحب البيت أو مسؤول التنظيم- إن كنت في قاعة محاضرات-، وإن دخلت مجلساً خاصاً وعدد الجالسين قليل فسلم عليهم

(37)

وصافحهم واجلس حيث ينتهي بك المجالس. فعن جابر قال: (كنا إذا أتينا النبي صلى الله عليه وسلم جلس أحدنا حيث  ينتهي). رواه أبو داود. وإذا أردت الخروج فاستئذن ثم سلم واخرج . وفي الحديث: (إذا جلس إليك أحد فلا تقم حتى تستأذن).

3- ليس من أدب الاسلام أن تفرق بين اثنين وتجلس بينهما دون إذنهما إلا وجدت فرجة بينهما. فعن شعيب قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لرجل أن يفرق بين اثنين إلا باذنهما). رواه أبو داود والترمذي.

4- ليس من الأدب أن تقيم أحداً من مكانه لتجلس فيه، فإن لم تجد مكانا، فلتطلب من الجالسين أن يتفسحوا في مجلسهم ليتسع المكان للجميع. فعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقيمن الرجل الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه، ولكن تفسحوا وتوسعوا). أخرجه الخمسة إلا النسائي. وفي الآية الكريمة (يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس يفسح الله لكم) المجادلة 11 .

5- ليس من الأدب أن يجلس أحد وسط قوم متحلقين لما في هذه الجلسة من شذوذ عن جلسة القوم، فقد روى حذيفة بن اليمان (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من جلس وسط الحلقة)  رواه أبو داود باسناد حسن وضعفه الألباني.

كما ليس من الأدب أن يجلس جلسة استهتار بالآخرين كأن يضطجع وهم جلوس الا لعذر، أو أن يضع رجله في مواجهتهم وما شاكل ذلك.

6- إذا قام أحد الجالسين من مكانه لحاجة طارئة- كأن قام ليشرب أو ليتناول شيئاً وما شابه ذلك- فليس من الأدب أن نشغل محله إلا إذا تأكدنا من عدم عودته، وإذا شغلنا محله وعاد فيفضل أن نفسح له ليجلس مكانه. لحديث أبي هريرة رضي الله عنه (أن رسول صلي الله عليه وسلم قال: إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به). رواه مسلم.

(7) إذا صم المجلس ثلاثة فليس من الأدب أن يتهامس اثنان دون استئذان الثالث حفاظاً على شعوره أن يجرح

(39)

ودرءاً لسوء الظن- كأن يظن بأن الحديث عليه- أو أنه يتضايق من جلوسه وحده ساكناً. ففي الحديث (إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس من أجل أن ذلك يحزنه) رواه البخاري و مسلم-  ويقاس على ذلك أنه إذا تحدثنا بلغه أجنبية لا يفهمها فإن ذلك يؤذيه ويحزنه.

8- ومن أدب المجالس التيامن: في الدخول والخروج وفي توزيع الضيافة من حلويات ومشروبات وغيرها فإن آثر صاحب الحق- الذي على اليمين- كبير السن أو صاحب الفضل عليه بُديء به وهو الأفضل وإلا: بدىء بمن على اليمين. لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (تيامنوا) فقد شرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس وكان أبو بكر عن شماله فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم من على يمينه أن يتناول عن حقه في الشرب وأن يسمح لأبي بكر بالشرب بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذر قائلا: الله لا أوثر على سؤرك أحدا يا رسول الله. (فاستئذن رسول الله لتقديم أبي بكر بالشرب لا يعتبر مخالفة لسنة التيامن، إنما هو تكريم لصاحب الفضل).

(40)

9- يفضل عدم القيام لقادم تعظيماً له، وذلك انسجاماً مع روح الاسلام في عدم التكلف، وفي عدم تعظيم الأشخاص، أما إذا كان القادم آتياً من سفر فيمنُّ القيام إليه لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوموا إلى سيدكم فانزلوه (يعني سعد بن معاذ). أما إذا كان القادم والدنا أو معلمنا أو ولي أمرنا فيستحسن أن نقوم إليه، ونرحب به ونجلسه في مكان مناسب. وإن عدم قيام اللصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كان حرصاً منهم على كسب رضاه، نظراً لما يعرفون من شدة كراهيته للقيام له. فعن أنس قال: (لم يكن شخصٌ أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من شدة كراهيته لذلك). رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن صحيح.

أما حديث (من سره أن يتمثل  الناس له قياماً فليتبوأ مقعده من النار) رواه الترمذي وأبو داود باسناد صحيح ففيه تهديد لمن يرغب أن يعظمه الناس بالقيام له، وليس تهديداً لمن يقوم لأصحاب الفضل ع ليه لما في ذلك من آثار كثيرة.

 (41)

روى البيهقي عن أنس: قال عبدالرزاق عن ابن طاووس عن أبيه (من السنة أن توقر العالم وذو الشيبة والسلطان والوالد، ومن الجفاء أن يدعو الرجل والده باسمه).

وقال حنبل سألت عمي (أحمد بن حنبل) ترى للرجل أن يقوم للرجل إذا رآه. قال: لا يقوم أحد لأحد إلا الولد لوالده أو لأمه لغير الوالدين فلا.

وعن عائشة أم المؤمنين قالت: (ما رأيت أحداً كان أشبه سمتاً وهدياً ودلاً برسول  الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة، كانت إذا دخلت عليه قام إليها فأخذ بيدها وقبَّلها وأجلسها  في مجلسه، وكان إذا دخل عليه قامت إليه  فأخذت بيده فقبلته وأجلسته في مجلسها). رواه النسائي والترمذي وأبو داود باسناد صحيح وجيد.

وقد اعتبر بعض العلماء في حديث (قوموا إلى سيدكم) إشارة لتكريم الأمير بالقيام له وصح عن رسول الله قوله: (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا) رواه أحمد- وفي رواية (ليس منا من لم يبجل كبيرنا

(42)

ويرحم صغيرنا ويوف لعالمنا حقه) رواه أحمد ومالك وهو حسن .

ولقد رد الامام الطبري على من قال بعدم القيام محتجاً بحديث (لا تقوموا كما تقوم الأعاجم) بقوله أنه حديث ضعيف مضطرب السند فيه من لا يعرف، وقد أجمع العلماء القائلون بالجواز والمنع على عدم القيام لفاجر أو ظالم إلا إذا ترتب على ذلك مفسدة أو ضرر.

أما ابن الجوزي: فيرى عدم القيام إلا إذا فهم منه المهانة فيقام له، كما رأى معظم العلماء أنه ينبغي ترك القيام في اللقاءات المتكرة المعتادة انسجاما مع نظرة الاسلام في عدم التكلف، ولكن إذا وجدنا  في بيئة أو مجتمع لا يرى كرامته  إلا بالقيام له ويعتبر عدم القيام استهانة به فلا بأس عند ذلك بالقيام له، ويعتبر تكريماً للقادم ومنعا للأحقاد وحرصاً على تحاب أفراد المجتمع المسلم، والمسلم كيس فطن. وخلاصة القول: أن القيام في نظر المسلم يجب أن يكون للتكريم لا للتعظيم.

10- ومن أدب  المجلس أن يكرم صاحب البيت زائريه بأن يرحب بهم ويؤمن لهم الجلسة المريحة، وأن يشيعهم.

(43)

إلى الباب حين انصرافهم من مجلسه. سئل ابن عباس رضي الله عنه قال: من أكرم الناس عليك. قال جليسي حتى يفارقني. وعن ابن عمر مرفوعا: ثلاثة لا ترد: الوسائد والطيب واللبن- رواه الطبراني وفي رواية الترمذي: (ثلاثة لا ترد: الوسائد والدهن واللبن)- حديث حسن صحيح.

وعن سلمان مرفوعاً: ما من مسلم يدخل على أخيه فيلقي له وسادته أكراماً، إلا غفر الله له. ذلك لأن هذا الأكرام يؤدي إلى تحاب وترابط أفراد المجتمع المسلم.

11- ومن أدب المجلس: نظافة المكان المعد لاستقبال الناس، اهتمام المجتمعين بنظافة أجساهم وألبستهم وابتعادهم عن أكل البصل والثوم قبل اللقاء، لئلا يتأذى الناس برائحتهم. فعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا أو فليعتزل مسجدنا).

رواه البخاري ومسلم. كما ورد في الحديث (إن الله طيب يحب الطيب- نظيف يحب النظافة- كريم يحب الكرم- جواد يحب الجود. فنظفوا أفنيتكم ولا تشبهوا باليهود) أخرجه الترمذي. كما صحح عنه (طهروا أفنيتكم فإن اليهود لا تطهر أفنيتها) حديث حسن ورد في صحيح الجامع اللصغير.

(44)

12- أن يؤدي حق المجلس: بأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويشكر المحسن ويُنكر على المسيء ويشمِّت العاطس ويواسفي المحزون وأن يذكر بالله. ففي سورة النساء قوله تعالى: (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو اصلاح بين الناس) 114.

13- وأن ينهي المجلس بقراءة سورة العصر أو بالدعاء المأثور (سبحانك الله وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت  أستغفرك وأتوب إليك). فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال أن يقوم من مجلسه ذلك  (سبحانك اللهم وبحمدك أشههد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك- إلا غفر له ما كان من مجلسه ذلك) حديث صحيح رواه الترمذي والبيهقي.

14- ومن أدب المجلس: الامتناع عن التدخين في الأماكن المحصورة. كالسيارة والطائرة والحجرات الضيقة لئلا يتأذى الجالسون معنا من الدخان الذي يعكر صفاء الهواء المحصور. إذ قد يكون بين الجالسين مريضا أو صائما أو غير مدخنين يتضايقون من الدخان. ويمكن للمدخنين انتظار فرصة الاستراحة للتدخين فيها. نسأل الله لهم العزيمة التي تساعدهم على التخلص من هذا البلاء



1 Comments

Post a Comment

Previous Post Next Post